حراك الشارع لن يتوقف وضغوط الخارج ستُعيد البرلمان.. ماذا ينتظر قيس سعيد بعد 3 أشهر على قراراته؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/20 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/20 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيّد (مواقع التواصل الاجتماعي)

لا تزال الأزمة السياسية في تونس تراوح مكانها منذ قرار الرئيس قيس سعيّد اتخاذ تدابير استثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021، لمواجهة ما اعتبره خطراً داهماً يهدد كيان الدولة، واعداً بشن حرب على الفساد الاقتصادي والسياسي.

إلا أن حصيلة قرابة الثلاثة أشهر من حكم فردي للبلاد لم تسجل أي تقدم ملموس في تحقيق كل الوعود التي وعد بها، سوى مزيد من بسط سلطته وتوسيع دائرة صلاحياته، خاصّة بعد تعليق العمل بالدستور، وسن نظام جديد عبر مرسوم رئاسي جمع فيه الصلاحيات التنفيذية والتشريعية.

هذا الوضع المتأزم سياسياً رافقته أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ عقود في تونس، حيث قاربت الدولة حافة الإفلاس، مع تراجع لتصنيفها الائتماني، في ظل أداء دبلوماسي متعثر وضغوط خارجية، خاصة من الدول الضامنة مالياً لتونس.

وأمام توسع دائرة معارضة قرارات سعيّد وحشود المعارضين في الشارع لا يبدو أن البلاد تتجه إلى حل قريب، حتى بعد تشكيل حكومة جديدة، تشكك غالبية الطيف السياسي في شرعيتها.

أفق مسدود

لا شيء من خطابات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد يوحي بأن هناك حلاً يلوح في الأفق لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها، إذ يكتفي الرئيس التونسي بإطلاق جملة من العبارات المتشددة المبنية على معجم حربي، في حديثه عن معارضيه، الذين وصفهم بشتى النعوت من الحشرات إلى الشياطين ثم العملاء.

في الوقت نفسه، لا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل يأمل أن يستجيب رئيس الجمهورية لدعوته من أجل فتح حوار وطني لرسم ملامح الفترة المقبلة.

ويذكر أن رئيس الدولة لم يلتقِ بالأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، منذ قرابة 3 أشهر، وتحديداً يوم 26 يوليو/تموز 2021، في اجتماع ضم عددا من قادة المنظمات الوطنية، ولم يتحدث فيه منهم أحد.

الرئيس التونسي قيس سعيّد (مواقع التواصل الاجتماعي)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (مواقع التواصل الاجتماعي)

وفي البيان الأخير للمنظمة النقابية الأكبر في تونس، رحبت بتشكيل حكومة جديدة، معتبرة أنها خطوة أولى على طريق حل الازمة، إلا أن البيان الصادر يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، طالب بتوضيح الأهداف والآليات والتدابير المتعلّقة بالحوار الوطني الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، ويعتبر إنقاذ البلاد مسؤوليّة جماعية، ويحمّل جميع الأطراف مسؤوليّتها في ضرورة التصدّي للمخاطر التي تترصّد بلادنا على جميع المستويات، والتي لم تعد تنتظر مزيداً من إهدار الوقت وتبديد الجهود والطاقات.

في المقابل، وفي كلمته خلال إشرافه على أول جلسة لمجلس الوزراء، بيّن رئيس الدولة أنه لن يكون هناك حوار وطني رقم 3، مشدداً على أن الحوار سيكون مع الشباب، "لا مع من تواطأ مع عواصم أجنبية، ولا مع من يتحين الفرص لتولي حقيبة وزارية".

وأثار إعلان قيس تساؤلات في الساحة السياسية في تونس، حول آليات هذا الحوار وأهدافه والجهات المعنية به.

وفي وقت سابق أثار تصريح لقيس سعيّد انزعاج المنظمات الوطنية الأربع التي رعت الحوار الوطني في العام 2013، إثر اغتيال النائب محمد البراهمي، حيث اعتبر سعيّد حينها أن الحوار الذي جرى ليس حواراً وليس وطنياً.

ضغط داخلي وخارجي

يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، نزل الآلاف في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، رفضاً لما اعتبروه "انقلاباً" وديكتاتورية ناشئة، بدعوة من مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، التي تجمع عدداً من النشطاء السياسيين والحقوقيين من أطياف سياسية متنوعة.

وكشفت مصادر "عربي بوست" أنه من المتوقع أن تعود التحركات إلى الشارع مجدداً، في ظل عدم التفاعل الإيجابي للرئاسة مع مطالب المحتجين، والرد عليهم فقط بخطاب متشنج.

وأضافت مصادر الموقع أن "مواطنون ضد الانقلاب" التي ترعى تظاهرات الشارع تستعد لتقديم مطالبها على شكل بيان لقيس سعيّد وللطبقة السياسية، تندد به بطبيعة الوضع الذي آلت إليه تونس.

بالموازاة مع ذلك، دعت هيئة الدفاع عن النائب المحامي سيف الدين مخلوف إلى تنظيم وقفة احتجاجية ببهو المحكمة الابتدائية بتونس، يوم الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، رفضاً لعرض قضيته أمام أنظار القضاء العسكري واستمرار اعتقاله على خلفية مواقفه السياسية.

ويدخل مخلوف أسبوعه الأول من إضرابه عن الطعام بعد ملاحقته من قبل القضاء العسكري رفقة زميله النائب عن ائتلاف الكرامة نضال السعودي.

في الوقت نفسه، تتابع دول العالم الوضع في تونس بانشغال كبير، مع استمرار رؤية ضبابية لما ستتجه إليه البلاد في المرحلة المقبلة، في ظل استمرار رفض قيس سعيّد تقديم خارطة طريق تنهي الحالة الاستثنائية وتعيد مؤسسات الدولة المعطلة وفي مقدمتها البرلمان.

حيث قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أمام أعضاء البرلمان الأوروبي المجتمعين في مقره بستراسبورغ، إنه "لا يمكن للبرلمان التونسي أن يبقى مغلقاً إلى ما لا نهاية".

 وأضاف بوريل أمام النواب الأوروبيين "من الضروري لمستقبل البلد (تونس) ومصداقيته الداخلية والدولية، أن يقوم الرئيس قيس سعيد والسلطات التونسية، على جميع المستويات، بإعادة النظام الدستوري والمؤسساتي كاملين، ومن ضمنها أعمال البرلمان".

يبرر قيس سعيد حلّ البرلمان بالفوضى والعنف داخله (مواقع التواصل الاجتماعي)
يبرر قيس سعيد حلّ البرلمان بالفوضى والعنف داخله (مواقع التواصل الاجتماعي)

كما أظهر مشروع موازنة الولايات المتحدة الأمريكية الذي يناقش داخل الكونغرس الكونغرس اشتراط تسديد الإعانات العسكرية بإعداد وزارة الخارجية تقريراً يوضح مدى مشاركة أو مساندة القوات العسكرية التونسية في تراجع الديمقراطية، ومدى اعتماد الحكومة التونسية للقوات العسكرية لتطبيق حكم الفرد الواحد، ومدى جدية الحكومة التونسية في سعيها إلى إرجاع النظام الدستوري والحكم الديمقراطي، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع والصحافة وحقوق أعضاء الأحزاب.

هذا الضغط الخارجي من قبل الدول التي عرفت منذ سنوات بدعمها لتونس، خاصّة في علاقة بالضمانات المقدمة من أجل الاقتراض، أثارت انزعاج الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي استدعى السفير الأمريكي بتونس للتعبير له عن ذلك، كما شن حملة تشويه لمعارضيه، الذين اتهمهم بالعمالة للأجنبي، داعياً القضاء للتحرك بعد قراره سحب الجواز الدبلوماسي من الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي.

عودة البرلمان

خلال التظاهرات التي شهدتها البلاد خلال الأسابيع الماضية، لم يتم رفع مطلب عودة البرلمان بمكوناته الحالية كاستمرار للعهدة النيابية التي نتجت عن انتخابات العام 2019، إلا أن البيانات الخارجية من دول ومنظمات إقليمية ركزت على استعادة الديمقراطية البرلمانية.

واستبعدت مصادر "عربي بوست" أن يذهب قيس سعيّد لانتخابات مبكرة لتشكيل برلمان جديد، لذلك اختار أن يُجمد عمل البرلمان الحالي عوض أن يحله، لاختيار أعضاء برلمان جدد.

واعتبر الكاتب والناشط السياسي الأمين البوعزيزي، في حديثه لـ "عربي بوست"، "أنه لا منطق للحديث اليوم عن بقاء تونس في عزلة عن الخارج، وهو حديث مثير للسخرية، في ظل العولمة التي يشهدها العالم، وتأثر تونس بما يجري في محيطها، وتأثر محيطها بما يجري في تونس، ومحاولة قيس سعيد تخوين وترذيل المدافعين عن الديمقراطية، ووصفهم بالعملاء للأجنبي دليل على فشله في تحقيق أي شيء منذ الانقلاب، وهذه ليست خاصية قيس سعيد بل هي خاصية كل الشعبويين في العالم الذين يعملون على شحن الغرائز بمثل هذه الخطابات".

وأضاف البوعزيزي أن "أداء الرئيس منذ 3 أشهر نسف كل الحجج التي بنى عليها تحركه في 25 يوليو/تموز الماضي، في تصديه لكل ما كان يقع في البرلمان من صراعات وعراك وغير ذلك".

واعتبر الناشط السياسي المعارض أن "البرلمان الحالي هو برلمان متعدد ومتنوع بانتماءاتهم وأدائهم أيضاً، والعودة إلى المسار الديمقراطي يمر حتماً عبر عودة البرلمان، فقيس سعيد لم يحل البرلمان ولكن جمده، فحل البرلمان يفرض الذهاب إلى انتخابات مبكرة وسعيد تجنب ذلك لعدم رغبته في عودة الديمقراطية، وهو ما يبقي خيار فتح البرلمان أمام النواب بمهام محددة تمهد لانتخابات جديدة هو الأقرب للواقع في حال إسقاط الانقلاب، وهو ما يبدو أنه قناعة تجمع عدد كبير من الفاعلين السياسيين والنواب الحاليين".

وشدد البوعزيزي أن المعركة الحالية مع الانقلاب هي الدعوة إلى التمسك بالدستور وعدم التفريط فيه، وهو الذي يلزم الجميع بالإبقاء على مؤسسات الدولة الديمقراطية وعودتها وفق إرادة شعبية عبر الاختيار الحر.

تحميل المزيد