مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، يعود ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الطاولة، ويعود معه الخلاف بين الولايات المتّحدة التي تعمل كوسيط وإسرائيل من جهة، والحكومة اللبنانية من جهة أخرى، حول الخط 29 الذي يعدّ من حق لبنان، والخط 23 والنزاع على 860 كم مربّع من قبل الإسرائيليين معلنين أن التفاوض يجب أن ينطلق من هناك.
الطرح الأمريكي الجديد
عيّنت الإدارة الأمريكية رئيساً جديداً للوفد الأمريكي الذي يعمل كوسيط بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي وهو آموس هوكستاين إلّا أنّ الخبراء يعتقدون أنّ مهمّته ورؤيته مختلفة عن رئيس الوفد السّابق جون ديروشيه ف آموس المولود في إسرائيل وخدم سابقاً في جيش الاحتلال ما يضر كثيراً في مصداقيته ووقوفه على الحياد لأجل التوصل لحل موضوعي يرضي جميع الأطراف في النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل.
الحياد المستحيل
يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت معتز الحمود أن تكليف شخصية غير محايدة في خلفيتها السياسية والفكرية كـ"هوكستاين" يبدو غير واقعي بكون العلاقة اللبنانية-الإسرائيلية لا تزال ضمن إطار العداء السياسي والجغرافي والأيديولوجي، يعتبر الحمود أن هوكستاين يمثل خلفية سياسية في الحزب الديمقراطي حريصة على تمرير مصالح تل أبيب على حساب مصالح الدول العربية، خاصة في ملف النفط والغاز، وأن دور الرجل السلبي كان في النزاع الصومالي-الكيني وانحيازه الواضح للجانب الكيني الذي يساير الإسرائيليين منذ مدة طويلة. لا يخفي الحمود شعوره أن تعيين شخصية مثل هوكستاين هو محاولة من بايدن لمساعدة الحكومة الإسرائيلية الجديدة والتي تحظى بدعمه وهو يريد تسويق هذا الفريق الإسرائيلي ودعمه في ملفات حساسة وخاصة الموضوع المتنازع عليه بين لبنان والعدو الإسرائيلي وهو الثروة النفطية.
من آموس هوكستاين؟
قضى الرجل فترة من خدمته العسكرية في جنوب لبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي وهو وفق مصادر دبلوماسية كان صاحب دور واسع في اتفاقيات التطبيع الخليجية-الإسرائيلية. ويلعب دوراً أساسياً في مسألة تأسيس تحالف دول شرق المتوسط للنفط، ويتفاوض مع دول أخرى للانضمام إليه، خصوصاً دول عربية أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وتعمل في مجال النفط، ولديها الاستعداد للعمل في البحر الأبيض المتوسط.
هوكستاين هو أحد المقربين من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وعمل سابقاً مستشاراً له في مجال الطاقة الدولية، كما أنه، متمكّن تماماً من البعدين السياسي والتقني لهذا الملف، وله علاقاته الواسعة في كل من لبنان وإسرائيل، وقادر على طرح مبادرات يمكنها أن تطرح حلولاً لحل النزاعات.
يشدد المصدر على أنه لا يمكن التعاطي مع قرار الإدارة الأمريكية بتعيين السفير هوكستاين رئيساً للوفد الأمريكي الراعي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، بطريقة عادية.
فالمسار التراتبي لعمل الرجل يشير إلى أن دوره أوسع بكثير من مجرّد مشرف تقني على آلية ترسيم الحدود فهو يتطلع إلى دور أوسع في المرحلة المقبلة.
مقترحه لحل النزاع..
سيقترح الرجل، حسب مصادر دبلوماسية مطلعة على ملف ترسيم الحدود، تأسيس صندوق سيادي للمنتجات النفطية المستخرجة من مساحة الـ45% المختلف عليها على أن توزع عائداتها بالتوافق بين لبنان وإسرائيل. وفي حينه كان الاقتراح ينص على تأسيس شركة أمريكية قابضة، تعمل على شراء المنتجات النفطية، فتدفع ثمنها لتصبح ملكاً أمريكياً يمكن للشركة الأمريكية تمريره في الأنبوب الذي تريده. والمقصود هنا تمرير المنتجات النفطية المدفوع ثمنها للبنان في الأنبوب الإسرائيلي.
لديه خبرة طويلة..
من جهتها، ترى خبيرة النفط والغاز في الشرق الأوسط لوري هيتيان، أنّ هوكستاين يملك خبرة واسعة في موضوع الطّاقة والغاز والنفط في المنطقة كونها جزءاً من عمله السّابق، وسيحاول أن يلعب دوراً إيجابيا في المنطقة عبر رؤيته؛ إذ يحمل الخبير الجديد مشروعاً يقتضي تجاوز الحدود والخطوط واقتسام الثروة، محاولاً وضع النزاعات جانباً والتركيز على أن تكون الطّاقة مشروع منطقة واحدة ومشتركة، عبر صندوق يطلق عليه صندوق النفط، ويتم من خلاله توزيع الثروة بين البلدين.
وعلى الصعيد اللبناني، لا يبدو أن الحكومة اللبنانية ستعارض هذا الخيار، وعن حزب الله، فيقول مصدر سياسي لـ"عربي بوست" إنّ الحزب لن يمانع ذلك طالما أن الإدارة الأمريكية ستسمح له بتوطيد العلاقة مع إيران وجلب المازوت والمحروقات منها ولا تعارضه على استمرار العلاقة مع النظام السوري.
وبصورة مكبّرة، تؤول المنطقة إلى نوع من الاستقرار الاقتصادي كون الدول تفتتح العلاقات الاقتصادية مع بعضها، أهمها مصر والأردن وسوريا، مما سيؤثّر ذلك بطريقة مباشرة وغير مباشرة على لبنان وسياسته واقتصاده.
واشنطن في بيروت
تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"عربي بوست" أن لهذا الأسبوع أهمية على خط محاولة استشراف آخر تطورات الوضع الإقليمي، وذلك من خلال زيارتين أجراهما مسؤولان أمريكيان إلى لبنان، الزيارة الأولى لهوكستاين فيما الزيارة الثانية هي لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند، وبحسب المصادر فإن للزيارتين هدفاً استطلاعياً، وأهمها ملف ترسيم الحدود البحرية عبر المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسيط الأمريكي.
ووفق مرجع حكومي أكّد لـ"عربي بوست" أن نولاد التقت بالرؤساء الثلاثة؛ رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، بالإضافة إلى وزير الخارجية اللبناني، وشدّدت على الوقف الصارم إزاء ترسيم الحدود البحرية قائلة أنّ الإدارة الأمريكية حريصة على ترسيم الحدود وفق المتّفق عليه.
ولكن مع قدوم هوكستاين، يبدو أن المتّفق عليه سيكون موضوع تقسيم الثروات وتجاوز الخطوط ممّا فيها منطقة النزاع على مساحة 860 كم مربّع بين لبنان ودولة الاحتلال.
الخط 23 أو 29؟
ويتطلّب ترسيم الحدود البحرية مفاوضات بين الأطراف المعنية، والتي كان من المقرّر أن تحدث بين عامي 2012 و 2013 ولكن بسبب الأحداث السياسية المتوتّرة في المنطقة، تم إرجاء هذه الموضوع الى أن عادت المفاوضات في أكتوبر/تشرين 2020.
ويعود الخلاف القديم-الجديد حول الخطّين 23 و29، فالخطّ 29 هو ذلك المقترح من قبل الجيش اللبناني، الذي أوكله رئيس الجمهورية ميشال عون للمفاوضة، ليحدد نسبة قال عنها الجيش بأنّها قانونية وتقنية وتاريخيّة تثبت أن نقطة الانطلاق تبدأ من رأس الناقورة، جنوب لبنان وهي الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة، فيما تصر إسرائيل على أن حصة لبنان تبدأ من الخط 23.
توضّح لوري هيتيان، خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط، أنّ مرسوم 6433 والذي يضع المنطقة المتنازع عليها، أي خط 23 و860 كم مربّع التي هي من حق الدولة اللبناني، لا يصبّ بالمصلحة اللبنانية بل إنّ الخطّة التي قدّمها الجيش اللبناني والانطلاق من الخط 29 الذي يعتبر خطاً متساوياً وقانونياً بناءً على قواعد منهجيّة ودوليّة، هو الأفضل للدولة اللبنانية ويكفل حقوقها.
تتابع هيتيان شارحة أنّ بإمكان الدولة اللبنانية أن تعدّل المرسوم 6433 ولكن بعد تحويله لرئيس الجمهورية ميشال عون، الذي قال إنّه يجب مناقشته في مجلس الوزراء الذي كان مستقيلاً حينها برئاسة حسّان دياب، وبالتّالي دستورياً لا يحق للمجلس تعديل أي مرسوم أو إصدار أي قرار.
أمّا اليوم، فالحكومة قد تشكّلت وما زالت المماطلة قائمة بشأن هذا الملف حتى إنّ ميقاتي الذي سبق ووقّع هذا المرسوم عام 2011 ويطالب بتعديله اليوم، يريد استدعاء شركة من الخارج، قد تكون أمريكيّة، لدراسة هذا الملف والتي قد يكلّف، بحسب هيتيان، حوالي مليون دولار أمريكي والتي تعتبره مزيداً من هدر المال العام لأن النتيجة موجودة ومقدّمة مسبقاً من قبل الجيش اللبناني.
الدافع السياسي
ويؤكد مصدر مطّلع مقرّب من الجيش اللبناني لـ"عربي بوست" أنّ ما يجعل الحكومة الحالية تتريّث في شأن ترسيم الحدود النظر للمصالح السياسية والخوف من العقوبات الأمريكيّة؛ لذا قد تخضع لمتطلّبات الأمريكيين والإسرائيليين.
فيما تؤكد مصادر حكومية لـ"عربي بوست" أنّ هذه المفاوضات كان يجب أن تحدث قبل 10 سنوات، أما وقد استؤنفت اليوم، فتطرح السؤال: "لم لم ترسم الحدود مع سوريا وقبرص أيضاً؟" مشيرة إلى أنّها أسهل من حيث التفاوض، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية تشكّلت، وسبق لوزيرة الدفاع زينة عكر في حكومة تصريف الأعمال أن زارت سوريا رسمياً برفقة وزير الطاقة ريمون غجر ولم يتطرّقا لموضوع ترسيم الحدود.
إضافة الى ذلك، تدخلّت شركة روسية بداية العام 2021 على الخط البحري السوري وعملت على "بلوك رقم 1" المشترك بين لبنان وسوريا لصالح سوريا، ولكن الحكومة اللبنانية لم تحرّك ساكناً علماً بأن حق لبنان منه يقارب 750 كم مربّع.
كما أن الضغوطات السياسيّة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان وتفاديّاً للعقوبات، سارع الطرف اللبناني إلى العودة لتلك المفاوضات وبدا ذلك جليّاً، بحسب هيتيان، عندما وقعت العقوبات على الوزير السابق والنائب الحالي علي حسن خليل، فهرع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إلى القول إنّ هذا المرسوم صار ناضجاً وأحاله إلى الجهات المعنيّة.
وفي سياق العقوبات أيضاً، بعدما أصبح مرسوم 6433 الذي يجب تعديله في عهدة رئيس الجمهورية، وضع الملف في يد صهر الرئيس النائب جبران باسيل كي يكون ورقة تفاوض مع الإدارة الأمريكية كونه كان مهدّداً بالعقوبات.