وسط مخاوف أمنية، نصب المئات من أنصار القوى السياسية الشيعية الرافضة للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية، الثلاثاء 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021، خيام اعتصام أمام مداخل "المنطقة الخضراء" المحصَّنة أمنياً وسط العاصمة بغداد، وذلك في مسعى للضغط على مفوضية الانتخابات لتلبية مطالبهم.
حيث تطالب هذه القوى بإعادة فرز الأصوات يدوياً، وتعتبر أن النتائج "مفبركة" وجرى "تزويرها" من جانب حكومة مصطفى الكاظمي و"جهات خارجية" (يقصدون الولايات المتحدة الأمريكية)، وهو ما نفاه الكاظمي أكثر من مرة.
فيما فرضت قوات الأمن إجراءات مشددة عند مداخل المنطقة، التي تضم منازل مسؤولين ومقار المؤسسات الحكومية، وبينها البرلمان، والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، فرضت قوات الأمن إجراءات أمنية مشددة عند مداخل "المنطقة الخضراء" تحسباً لأي طارئ، بحسب شهود عيان.
مخاوف من اقتحام "المنطقة الخضراء"
من جهته، قال ضابط في شرطة بغداد، مفضلاً عدم نشر اسمه، إن "قوات حفظ النظام والفرقة الخاصة (تتبع للجيش) انتشرت في محيط المنطقة الخضراء"، منوهاً إلى أن السلطات تخشى قيام المتظاهرين باقتحام المنطقة.
الضابط أشار إلى أن "السلطات أغلقت بوابات المنطقة الخضراء أمام العامة منذ يوم الإثنين، ولا تسمح بدخولها إلا لحاملي الباجات (بطاقات خاصة لساكني المنطقة أو العاملين فيها)".
كانت بغداد، ومحافظات أخرى جنوبي البلاد، قد شهدت على مدى اليومين الماضيين، احتجاجات متفرقة بدعوة من القوى والفصائل الرافضة لنتائج الانتخابات المبكرة، التي أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
في حين حذرت قوى شيعية، بينها فصائل متنفذة، الأربعاء، من أن المضي بهذه النتائج يهدد السلم الأهلي في البلاد؛ مما أثار مخاوف من احتمال اندلاع اقتتال.
موقف تلك الأطراف الشيعية جاء في أعقاب خسارتها الكثير من مقاعدها في البرلمان المقبل.
بينما أعلنت مفوضية الانتخابات، الثلاثاء، أن القضاء رفض جميع الطعون على الإعلان الأولي الجزئي للنتائج، وعددها 1360 طعناً.
كان المئات من أنصار الكتل السياسية الشيعية (الإطار التنسيقي) المعترضة على نتائج الانتخابات قد خرجوا في احتجاجات واسعة، الأحد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بمحافظات نينوى (شمال) وبابل وبغداد (وسط) والبصرة وواسط (جنوب).
يذكر أن "الإطار التنسيقي" يضم قوى سياسية وفصائل من "الحشد الشعبي" (شيعي)، أبرزها "تحالف الفتح" و"دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله".
أبرز الفائزين والخاسرين
بحسب نتائج الانتخابات البرلمانية، تصدر تحالف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، مثلما كان عليه الحال في انتخابات 2018، لكنه زاد مقاعده من 54 إلى 73 من أصل 329 في مجلس النواب.
لكن هذا العدد من المقاعد لا يخول للصدر تشكيل الحكومة المقبلة منفرداً، وفي ظل خلافاته الشديدة مع بقية الكتل الشيعية، فهو مضطر للتحالف مع كتل وقوى من السُّنة والأكراد، لضمان تمرير الحكومة في البرلمان بالأغلبية البسيطة (50+1) أي 165 نائباً.
ووفقاً للمحاصصة السياسية، فإن منصب رئاسة الوزراء هو من حصة المكون الشيعي، بينما رئاسة البرلمان للمكون السُّني، ورئاسة البلاد للمكون الكردي.
يشار إلى أن كتلة "تقدم" (سُنية)، بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي (سُني) حصلت على 38 مقعداً، لتحل في المرتبة الثانية.
وحلت في المرتبة الثالثة، كتلة "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي (2006-2014)، بـ37 مقعداً.
في حين حصل تحالف "الفتح" على 14 مقعداً فقط، بعد أن حل ثانياً بـ48 مقعداً في انتخابات 2018.
كما يُعتبر تحالف "قوى الدولة" من أبرز الخاسرين، بحصوله على 5 مقاعد فقط، وهو ائتلاف بين زعيم "تيار الحكمة"، عمار الحكيم، ورئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي (2014-2018).
كان ائتلاف "النصر"، بقيادة العبادي، قد حل عام 2018، في المرتبة الثالثة بـ42 مقعداً، بينما حصل تيار الحكيم على 19 مقعداً.
بينما أفرزت النتائج الرسمية الأولية لانتخابات 2021 صعود قوى ناشئة لأول مرة، بينها "حركة امتداد"، التي شكلها نشطاء في الاحتجاجات الشعبية، إضافة إلى صعود ما لا يقل عن نائبا 20 مستقلاً.
من المقرر، خلال أيام، أن ترسل مفوضية الانتخابات النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها وإعلانها.
احتجاجات 2019
في تلك الانتخابات التي أُجريت قبل موعدها المقرر بعد أن أطاحت احتجاجات شعبية بالحكومة السابقة، برئاسة عادل عبد المهدي، أواخر عام 2019، تنافس 3249 مرشحاً، يمثلون 21 تحالفاً و109 أحزاب بجانب مستقلين.
تجدر الإشارة إلى أن العراق أصبح أكثر أمناً الآن عما كان عليه منذ أعوام، كما بات العنف الطائفي أقل وضوحاً منذ القضاء على تنظيم "داعش" بمساعدة تحالف عسكري دولي وإيران.
لكن الفساد وسوء الإدارة المتفشيَين تركا كثيراً من سكان البلد بلا عمل، فضلاً عن نقص الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء.
على إثر ذلك، نددت احتجاجات العراق التي استمرت أكثر من سنة، بالطبقة السياسية المتنفذة المتهمة بالفساد والتبعية للخارج، وطالبت بإصلاحات سياسية، بدءاً من إلغاء نظام المحاصصة القائم على توزيع المناصب بين المكونات الرئيسية، وهي الشيعة والسُّنة والأكراد.
في حين تعرَّض عشرات الناشطين المعارضين للأحزاب الأكثر رسوخاً للتهديد والقتل منذ احتجاجات 2019؛ وهو ما أدى إلى عزوف كثير من الإصلاحيين عن المشاركة في الانتخابات.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتهم فيه مسؤولون عراقيون جماعات مسلحة لها صلة بإيران بالمسؤولية عن عمليات القتل، وهو ما تنفيه هذه الجماعات.
جدير بالذكر أن العراق أجرى انتخابات برلمانية خمس مرات منذ سقوط صدام حسين. وقال عراقيون كثيرون إن حياتهم اليومية لم تشهد أي تحسن؛ فلا تزال قطاعات كبيرة من البنية التحتية في حالة سيئة، كما أن خدمات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية- لا سيما الكهرباء- لا تغطي الاحتياجات.