كشف تحقيق صحفي عن عمليات بتر أعضاء غير ضرورية أُجرِيَت على أطفال وغيرهم من المصابين في حرب اليمن، وذلك داخل مستشفيات خاصة تُموّلها وكالة مساعدات حكومية سعودية.
التحقيق الذي أجرته شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج)، لصالح موقع Middle East Eye البريطاني، ونشره الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أثار تساؤلات خطيرة حول عشرات العمليات الجراحية التي أُجرِيَت داخل ثلاثة مستشفيات بمدينة تعز في جنوب غرب اليمن بين عامي 2016 و2018.
وقد تلقّت المستشفيات الثلاثة، البريهي والصفوة والروضة، في تلك الفترة دعماً مالياً من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية التابع للحكومة السعودية، قدرت بنحو 4 مليارات دولار منذ عام 2015، وذلك وفقاً لموقع المركز الرسمي.
كما تعاون المركز مع وكالات الأمم المتحدة في البلاد، ومنها منظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الغذاء العالمي.
عمليات بتر أعضاء
بحسب التحقيق، المدعوم بشهادات الأطباء والمسؤولين الصحيين والمرضى وعائلاتهم، فإنّ الطاقم الطبي لم يتبع الإجراءات المناسبة أثناء التصريح بإجراء تلك العمليات وتنفيذها.
كشف التحقيق كذلك أنّ مؤهلات أحد الأطباء الأجانب (أوكراني الجنسية)، الذي شارك في 44 عملية بتر على الأقل، ليس معترفاً بها في وطنه الأم.
تبيّن أيضاً أن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية واصل تمويل اثنتين من المستشفيات رغم المخاوف التي أعرب عنها المسؤولون المحليون والجهة الرقابية المُكلّفة من المركز نفسه بالإشراف على المساعدات.
وقد صرّح المركز للموقع البريطاني بأنّه قدّم الدعم للمستشفيات في تعز وعدن، بناءً على طلبٍ من وزارة الصحة اليمنية، في حين صرّحت وزارة الصحة اليمنية لشبكة أريج بأنّ عقود المركز السعودي مع المستشفيات الثلاثة قد حصلت على موافقة المسؤولين المحليين في تعز، لكن المسؤولين المحليين قالوا إنّهم لا يعرفون هوية من وافق على تلك العقود.
علاقة "مشبوهة"
في عام 2016، وقع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عقوداً مع مستشفيات البريهي، والصفوة، والروضة، لدعمها في جهود تقديم العلاج لبعض مصابي المدينة.
وجدّدت مستشفيات البريهي والصفوة عقودها مع المركز في عام 2018، بينما استمرّ تمويل مستشفى الروضة لبضعة أشهر فقط، لكن الأطباء والمسؤولين يقولون إنّ العلاقة الوثيقة بين المستشفيات الثلاثة لم تنقطع.
وصرّح أطباء ومسؤولون صحيون محليون لشبكة أريج بأنّ الظروف الأليمة التي واجهتها الأطقم الطبية في تعز ليست مسؤولةً بالكامل عن الزيادة الحادة في أعداد عمليات البتر داخل المستشفيات الثلاثة، الممولة من المركز السعودي بين عامي 2016 و2018.
ففي عام 2015، سجل مكتب وزارة الصحة والسكان في تعز 70 عملية بتر. وارتفع الرقم إلى 230 عملية بتر في العام التالي، و200 عملية بتر عام 2017، قبل أن يتراجع الرقم إلى 74 عملية في عام 2018.
وبين عامي 2016 و2018، خضع 41 طفلاً لعمليات بتر في مستشفيات تعز، مقارنةً بطفلٍ واحد فقط خضع لتلك العملية في عام 2015، وفقاً للبيانات الواردة.
أطباء عملوا في المستشفيات الثلاثة أفادوا بأنّ المركز السعودي كان يدفع أربعة آلاف دولار أمريكي مقابل كل عملية بتر، كما قالوا إنّ عمليات البتر كانت لها الأفضلية على الجراحات المعقدة الأكثر تكلفة -التي كانت ستُمكن المرضى من التعافي بالكامل- وذلك لأنّ عمليات البتر أقل تكلفة، ونظراً لقلة الأطباء القادرين على إجراء الجراحات المعقدة.
فيما قال بعض الأطباء إنّهم حاولوا في ذلك الوقت التعبير عن مخاوفهم إزاء كيفية إدارة تلك المستشفيات.
إذ تحدَّث الدكتور مختار المالك، جراح العظام الذي عمل في المستشفيات الثلاثة، عن حالةٍ قال فيها إن مديري مستشفى الصفوة أجهضوا جهوده لإنقاذ ساق أحد الجرحى، حيث قال: "وصلت إلى غرفة العمليات ورأيت الرجل الجريح. فطلبت أن نحاول إنقاذ ساقه، لكن إدارة المستشفى رفضت بحجة أن عظامه قد تضررت".
أردف المالك أنّه كان قادراً على إجراء عملية لإصلاح العظام، بشرط أن يُشاركه جراح أوعية في إجراء العملية لإصلاح أوردة الرجل المتضررة، لكنه قال إنّ مديري المستشفى أخبروه بأنّ الرجل الجريح "بحاجةٍ إلى إجراء العديد من العمليات الجراحية على مدار عامٍ كامل لإنقاذ ساقه، ونحن في حالة حرب".
في حالات أخرى، قال الجرحى إنّهم رفضوا إجراء عمليات البتر، وتمكّنوا من التعافي من إصاباتهم بشكلٍ كامل.
كما أفاد بعض الجرحى شبكة أريج بأنّهم حصلوا على العلاج في مستشفيات أخرى داخل تعز، بعد إخبارهم بأنّ عليهم الخضوع لعمليات بتر.
تقارير سابقة
دفعت كثرة عمليات البتر في تعز بالمسؤولين المحليين إلى تعليق نقل الجرحى للمستشفيات الثلاثة عامي 2017 و2018.
واكتشفت شبكة أريج أنّ المشكلات القائمة في المستشفيات الثلاثة قد تحدّثت عنها أيضاً Skop Foundation، وهي مؤسسة مقرها الرياض، وتعاقدت مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، من أجل مراقبة عمل المركز.
فقد اعترف تقريرٌ للمؤسسة، في يناير/كانون الثاني 2018، وحصلت شبكة أريج على نسخةٍ منه، بأنّ نقص جرّاحي الأوعية في تلك المستشفيات كان سبباً في إجراء عمليات البتر.
في النهاية، أوقف المركز السعودي تعامله مع مؤسسة Skop، في مارس/آذار عام 2018، بعد أن قدّمت المؤسسة تقريراً يسرد تفاصيل الأوضاع المتدهورة والانتهاكات في مستشفى البريهي.
بينما أفاد مركز الملك سلمان لموقع Middle East Eye بأنّه استمر في التعاون مع مؤسسة Skop حتى نهاية التعاقد بينهما، إذ صرّح المتحدث باسم المركز قائلاً: "يقتصر دور المركز على تمويل العلاج ضمن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، وذلك لتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب اليمني الشقيق، ولا يحق للمركز التدخل في الآراء الطبية، كما أنّه ليس للمركز دورٌ إشرافي على تلك المستشفيات، ولا علاقة له باختيار الأطقم الطبية التابعة لها".