كانت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، التي أجريت يوم الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بمثابة صدمة لأغلب العراقيين والمتنافسين فى السباق الانتخابي، لكن بشكل خاص، كانت تمثل ضربة قوية ضد فصائل عراقية شيعية مسلحة وسياسية مقربة من إيران.
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية للانتخابات المبكرة، حيث فاز تحالف سائرون، بقيادة رجل الدين الشيعي والسياسي البارز، مقتدى الصدر، بحوالي 73 مقعداً، وجاء في المركز الثاني تحالف التقدم السني بقيادة رئيس البرلمان المنحل، محمد الحلبوسي، بحوالي 33 مقعداً، بينما كانت المفاجأة الكبرى، هى فوز المستقلين والأحزاب الصغيرة بـ33 مقعداً، من أصل 329 مقعداً برلمانياً.
"تحالف فتح" يرفض نتائج الانتخابات
كانت الضربة الكبرى من نصيب تحالف فتح بقيادة هادي العامري، التحالف الذى يضم عدداً كبيراً من الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة الشيعية التي تعمل ضمن هيئة وحدات الحشد العراقي، والمقربة من إيران، إذ حصل التحالف على 14 مقعداً فقط، بينما حصد فى الانتخابات البرلمانية لعام 2018، أي بعد إعلان النصر على تنظيم الدولة الإسلامية بعام واحد فقط، على 48 مقعداً.
وفى تحالف سابق مع مقتدى الصدر، استطاع تحالف الفتح تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، والذي أعلن استقالته في أواخر عام 2019، رضوخاً لمطالب الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكومة، والتى بدأت فى أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.
جدير بالذكر أن حركة حقوق التي تعتبر الجناح السياسي للفصيل الشيعي المسلح القوي، المقرب من إيران، كتائب حزب الله، والتي خاضت الانتخابات البرلمانية المبكرة بشكل مستقل عن تحالف الفتح، فازت بمقعد واحد فقط.
وبعد أقل من 30 دقيقة فقط من إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، للنتائج الأولية، أعلن أبوعلي العسكري، (والذى يستخدم اسمه الحركي باستمرار)، المسؤول الأمني والعسكري في كتائب حزب الله العراقية، رفضه لنتائج الانتخابات، ودعا الفصائل المسلحة الشيعية إلى الاستعداد للمرحلة الحرجة القادمة.
يقول قائد عسكري في فصيل كتائب حزب الله، ومقرب من أبوعلي العسكري، لـ"عربي بوست"، إن "هذه خطة مسبقة من الكاظمي، للإطاحة بفصائل المقاومة من البرلمان"، على حد قوله.
يذكر أن الفصائل المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران تطلق على نفسها اسم فصائل المقاومة، لانضمامها إلى "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، كما أن كتائب حزب الله معروفة بمعاداتها لرئيس الوزراء العراقي الحالي، مصطفى الكاظمي، والذي اتهمته منذ اليوم الأول لتوليه منصبه في مايو/أيار 2020، بأنه متورط فى عملية اغتيال الجنرال الإيراني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، ورفيقه العراقي، أبومهدي المهندس، الأب الروحي لقوات الحشد الشعبي العراقي، في غارة جوية بطائرة بدون طيار أمريكية في يناير/كانون الثاني 2020، بالقرب من مطار بغداد الدولي، حيث كان الكاظمي حينها يتولى رئاسة جهاز المخابرات العراقية الوطنية.
تصريحات الصدر تغضب الموالين لإيران
بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات، وفوز الصدر بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، سارع مقتدى الصدر، الذي لا تربطه علاقات جيدة بأغلب قادة الفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران، إلى التصريح بأن الحكومة القادمة والتي سيشكلها التيار الصدري داخل البرلمان، وفقاً للدستور العراقي الذي ينص على أن الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي تحصد أكبر عدد من المقاعد، لها اليد العليا في اختيار الحكومة المستقبلية ورئيس الوزراء، سوف تقوم بحصر السلاح المنفلت، حتى وإن كان سلاح المقاومة، في إشارة إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
كما أعلن مقتدى الصدر أن جميع السفارات الأجنبية بما فيها السفارة الأمريكية ببغداد، التي كانت هدفاً مستمراً للفصائل المسلحة المقربة من إيران، والتي استهدفتها طوال العام الماضي بشكل شبه يومي، مرحب بها، وأنه سوف يتعاون مع كافة الدول الأجنبية، دون انتهاك للسيادة العراقية.
هذه التصريحات السريعة زادت من غضب الفصائل المسلحة وتحالف فتح، الذين خسروا للتو نفوذهم السياسي، يقول قائد بارز في الحشد الشعبي العراقي، ومقرب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لـ"عربي بوست": "الصدر تحالف مع الكاظمي، للسيطرة على الانتخابات، هذه الجريمة لن تمر أبداً بسلام، وعليهم أن يستعدوا جيداً لما هو آتٍ".
استخدام القوة
فى مساء يوم الثلاثاء، أي بعد حوالي يومين من إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، اجتمع قادة الفصائل الشيعية المسلحة والسياسية المقربة من إيران (تحالف فتح)، بشكل عاجل، لمناقشة ما هي المقترحات التي سيتم اللجوء لها، لمحاولة تعويض خسارتهم في الانتخابات البرلمانية.
قائد في تحالف فتح كان حاضراً الاجتماع، الذي لم يحضره الصدر بالطبع، يقول لـ"عربي بوست": "لن نقبل بأي شكل من الأشكال نتائج الانتخابات التي تم تزويرها لصالح الصدر والكاظمي، حتى وإن لجأنا إلى استخدام القوة"، على حد تعبيره.
لم يفسر المصدر السابق ما معنى استخدام القوة بالظبط، لكنه قال: "يعاد الفرز، أو تعاد الانتخابات بأكملها، من تواطأ لتزوير الانتخابات يتحمل خطأه الفادح"، في إشارة إلى مقتدى الصدر، زعيم تحالف سائرون الفائز الأكبر في الانتخابات، ورئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.
وبحسب القائد فى تحالف فتح، فإن الاجتماع الأول لم يسفر عن رأي موحد عن الخطة المستقبلية التي سوف تستخدمها الفصائل المسلحة والسياسية، الخاسرة في الانتخابات، فيقول لـ"عربي بوست": "نوري المالكي عارض استخدام القوة، مبرراً أن الأمر سيعرض البلاد لفوضى عارمة، ووافقه الرأي هاجي العامري، لكن هذه مجرد آراء، وليست قرارات".
وعلى ذكر هادي العامري، رئيس منظمة بدر، واحد من أقدم وأكبر الفصائل المسلحة الشيعية، والتي تشكلت في الثمانينات بمساعدة إيرانية خالصة، لمواجهة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، كما أنه يتزعم أيضاً تحالف فتح، فإنه -بحسب قادة عسكريين كانوا حاضرين للاجتماع السابق ذكره، تحدثوا لـ"عربي بوست"- كان في مرمى النيران.
فقال قائد عسكري في فصيل عصائب أهل الحق، المقرب من إيران: "كنا نتوقع أن يكون عدد المقاعد التي سيحصل عليها تحالف فتح قليلاً نوعاً ما، مقارنة بانتخابات 2018، لكن ليس لهذه الدرجة، مما جعل البعض يلقي باللوم على العامري شخصياً".
وبحسب المصدر ذاته، فإن عدداً من قادة الفصائل، وقيادات في الحرس الثوري الإيراني، الذي على صلة وثيقة للغاية بهذه الفصائل، أبلغوا هادي العامري بغضبهم من تخاذله في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد الماضي.
التأكيد على استخدام القوة
حتى نهاية اجتماع يوم الثلاثاء، والذي ضم قادة تحالف فتح، لم يتفق المجتمعون بشكل واضح وصريح على خيار استخدام القوة، لإعلان رفضهم لنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، لكن في مساء يوم الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد اجتماع ثان لما يطلق عليه "الإطار التنسيقي" والذي يضم كافة الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة، تم التوصل إلى حل الخيار العسكري لمواجهة هزيمته في الانتخابات.
يقول قائد عسكري في الإطار التنسيقي، وكان حاضراً للاجتماع الأخير في منزل هادي العامري، لـ"عربي بوست": "ما زلنا على موقفنا، وقد اجتمعت الآراء على اللجوء للحل العسكري، رفضاً لنتائج الانتخابات التي تم تزويرها، لن نترك الصدر والكاظمي ينفذان مخططات الأمريكان في العراق".
يعتقد قادة تحالف فتح، وبحسب المصادر السياسية والقادة العسكريين، الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بالتحالف مع مقتدى الصدر، يعملان مع الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وبعض الدول في الخليج العربي، لإزالة المقربين من إيران من الحياة السياسية في العراق، والسيطرة على النفوذ داخل البلاد.
أصدر "الإطار التنسيقي"، أيضاً، بياناً اطلع "عربي بوست" على نسخة منه، يؤكد فيه رفضه لنتائج الانتخابات، ومؤكداً أن الإصرار على اعتماد هذه النتائج يعرض السلم الأهلي للخطر.
يقول مصدر مقرب من حسين مؤنس، زعيم حركة حقوق التابعة لفصيل كتائب حزب الله، والذي يعتقد أنه نفسه هو أبوعلي العسكري المسؤول الأمني والسياسي في الفصيل القوي المقرب من إيران (لكن لم يتأكد "عربي بوست" من من هذه المعلومة، نظراً لرفض عدد من المصادر الكشف عن شخصية أبوعلي العسكري): "نقوم الآن على قدم وساق، بإبلاغ أنصارنا في كافة المحافظات العراقية للاستعداد للمواجهة العسكرية".
وفسر المصدر السابق مسألة المواجهة العسكرية لـ"عربي بوست"، قائلاً: "من الممكن في أي لحظة أن يغمر أنصارنا الشوارع في كافة أنحاء العراق، وأن يتمكنوا من السيطرة على أى مقر حكومي في البلاد".
وفي هذا الصدد، أعرب مسؤول أمني بارز في الحكومة العراقية عن قلقه من هذه المسألة، فيقول لـ"عربي بوست": "دعوة الفصائل لأنصارها للاستعداد تعني النزول إلى الشوارع، وحدوث مواجهات مسلحة مع المواطنين وعناصر القوات الأمنية، ومن الممكن أن يصل الأمر إلى حد الاستيلاء ومحاصرة المقرات الحكومية".
يضيف المسؤول الأمني العراقي لـ"عربي بوست" قائلاً: "قمنا بزيادة تأمين مقر المفوضية العليا للانتخابات، وأمرنا بزيادة القوات الأمنية فى المنطقة الخضراء، ورفع درجة تأمين السفارات الأجنبية، لكن هذا لا يعني عدم القلق".
جدير بالذكر أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية أعلنت أن هناك ما يقدر بحوالي 3070 صندوق اقتراع لم يتم فرزها حتى الآن، وسيتم العمل على الفرز.
يقول المسؤول الأمني العراقي: "مسألة الصناديق التي لم يتم فرزها مجرد محاولة لكسب الوقت من قبل الكاظمي، هذه الصناديق لن تخرج سوى بضعة آلاف من الأصوات، ولن تفيد في تهدئة هذا الصراع المحتمل".
مساعدة الحرس الثوري الإيراني
علم "عربي بوست"، فى مساء يوم الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، من مصادر إيرانية مقربة من الحرس الثوري الإيراني، أن وفداً رفيع المستوى من قادة الحرس، قاموا بزيارة العراق في نفس اليوم، واجتمعوا بقادة تحالف فتح بزعامة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، للتوسط والمساعدة في تخفيف غضب الفصائل الشيعية.
يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "يحاول قادة الحرس الثوري تخفيف وطأة الخسارة على الفصائل والأحزاب الشيعية، والاجتماع كان يدور حول إمكانية تحالف العامري مع المالكي، لتشكيل كتلة برلمانية كبيرة لمواجهة الصدر، دون اللجوء إلى نزاع سياسي مسلح".
حتى كتابة هذا التقرير، لم يكن اجتماع قادة الحرس الثوري الإيراني، مع قادة تحالف فتح وائتلاف دولة القانون قد أسفر عن شيء، يقول مصدر مقرب من العامري لـ"عربي بوست": "لم يتم التوصل لأي اتفاق مثمر حتى هذه اللحظة، يمكن أن يحدث شيء في المستقبل القريب، لكن إلى الآن يظل الوضع الراهن كما هو".
لماذا خسر تحالف فتح الانتخابات؟
كما ذكرنا سابقاً، فإن تحالف فتح، يضم أغلب الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، والمتورطين في قتل المتظاهرين في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، كما اتهمها المحتجون بخطف واغتيال عدد من النشطاء السياسيين فى حركة الاحتجاج المعروفة باسم "حركة تشرين"، بالإضافة إلى عدد من الصحفيين، دون المساءلة.
ونتج عن هذه الأمور تعرض الفصائل المسلحة الشيعية، التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية من عام 2014 حتى إعلان النصر في عام 2017، لتدمير قاعدتها الشعبية خاصة في مدن الجنوب الشيعي في العراق.
تحالف فتح كان يعتمد في الانتخابات البرلمانية على أصوات مقاتلي الحشد الشعبي، لكن بسبب رفض هيئة الحشد الشعبي، التي يسيطر عليها الفصائل المسلحة المقربة من إيران، لإرسال بيانات المقاتلين للمفوضية المستقلة العليا للانتخابات العراقية، لضمان عدم التلاعب بأصوات الناخبين من الحشد الشعبي، قامت المفوضية العليا بإلغاء ما يطلق عليه "التصويت الخاص"، أي تصويت القوات الأمنية الخاضعة لسيطرة الدولة (يخضع الحشد الشعبي بحسب القانون للقوات المسلحة العراقية، لكن فعلياً فهو لا يتبع أي هيئة امنية حكومية حتى الآن)، لمقاتلي الحشد الشعبي.
مسألة منع الحشد الشعبي من التصويت الخاص، زاد من صعوبة الأمور على تحالف فتح، فمن شبه المستحيل استدعاء كافة مقاتليه من جبهات القتال المختلفة، للعودة إلى محافظتهم للمشاركة في التصويت يوم الأحد الماضي، بعيداً عن التصويت الخاص.
يقول قائد شبه عسكري فى فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "هذا التعنت من قبل المفوضية العليا للانتخابات، كان جزءاً من خطة الصدر والكاظمي، لحرمان تحالف فتح من أصوات أنصاره"، على حد قوله.