أكدت "هيومن رايتس ووتش"، الجمعة 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن "شركة (فيسبوك) أزالت وقمعت بشكل غير جائز، محتوى نشره فلسطينيون ومناصروهم، يتضمن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين" خلال العدوان الإسرائيلي الأخير الذي وقع خلال شهر مايو/أيار الماضي.
المنظمة الدولية أضافت، في بيان، أن اعتراف شركة "فيسبوك" بالأخطاء ومحاولات تصحيح بعضها غير كافٍ، ولا يعالج حجم ونطاق القيود على المحتوى المبلَّغ عنها، ولا يشرح بشكل كافٍ سبب حدوثها في المقام الأول.
تحقيق مستقل
فيما طالبت "فيسبوك" بتبني توصيات "مجلس الإشراف على فيسبوك" في 14 سبتمبر/أيلول 2021، بإجراء تحقيق مستقل في تعديل المحتوى فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، لاسيما في أي تحيز أو تمييز بسياساتها وإنفاذ السياسات وأنظمتها، ونشر نتائج التحقيقات، منوهة إلى أنه أمام "فيسبوك" 30 يوماً من صدور القرار للرد على توصيات مجلس الإدارة.
من جهتها، قالت ديبرا براون، المناصِرة والباحثة الأولى بشأن الحقوق الرقمية في "هيومن رايتس ووتش": "قمعت فيسبوك المحتوى الذي يتحدث عن القضايا الحقوقية في إسرائيل وفلسطين الذي ينشره الفلسطينيون ومؤيدوهم. مع تهديد المساحة المتاحة لمناصرة هذه القضايا في أجزاء كثيرة من العالم، تهدد رقابة فيسبوك بتقييد منصة مهمة للإبلاغ والمشاركة في هذه القضايا".
ولفتت براون إلى أن "فيسبوك" يوفر منصة لها أهمية خاصة في السياقين الإسرائيلي والفلسطيني، حيث ترتكب السلطات الإسرائيلية جرائم ضد الإنسانية، مثل الفصل العنصري والاضطهاد ضد الملايين، متابعة: "بدلاً من احترام حق الناس في التحدث علناً، تُسكت فيسبوك العديد من الأشخاص تعسفاً ودون تفسير، وتكرر عبر الإنترنت منطق القوة وانتهاكات الحقوق نفسها التي نراها على أرض الواقع".
توثيق افتراضي
في حين أدى العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال مايو/أيار، إلى توجه كثيرين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتوثيق، وزيادة الوعي، وإدانة الحلقة الأحدث من الانتهاكات الحقوقية.
كما أشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه كان هناك سعي إلى إجبار فلسطينيين على ترك منازلهم، وقُمع متظاهرون بشكل وحشي، وتعرضت دور عبادة للاعتداءات، ووقع عنف بين المجتمعات المحلية، ووقعت هجمات صاروخية عشوائية، وقتلت غارات جوية مدنيين.
في السياق ذاته، وثّقت "هيومن رايتس ووتش" أن منصة "إنستغرام"، التي تملكها "فيسبوك"، أزالت منشورات، من ضمنها تلك التي تعيد نشر محتوى من مؤسسات إخبارية رئيسية.
حيث أزالت "إنستغرام"، في إحدى الحالات، لقطة لعناوين وصور من ثلاث مقالات رأي بصحيفة "نيويورك تايمز" أضاف عليها مستخدم تعليقاً حث الفلسطينيين على "عدم التنازل مطلقاً" عن حقوقهم. بينما لم يغيّر المنشور المادة بأي طريقة يمكن تفسيرها بشكل معقول على أنها تحريض على العنف أو الكراهية.
في حالة أخرى، أزالت "إنستغرام" صورة لمبنى مع تعليق نصه: "هذه صورة لمبنى عائلتي قبل أن تقصفه الصواريخ الإسرائيلية يوم السبت 15 مايو/أيار 2021. لدينا ثلاث شقق في هذا المبنى". كما أزالت الشركة إعادة نشر رسم كاريكاتيري سياسي كانت رسالته أن الفلسطينيين مظلومون ولا يخوضون حرباً دينية مع إسرائيل.
كل هذه المنشورات أزيلت؛ لاحتوائها على "كلام أو رموز تحض على الكراهية"، وفقاً لمزاعم "إنستغرام".
انتهاك حرية التعبير
لكن عمليات الإزالة هذه تشير إلى أن "إنستغرام" تقيّد حرية التعبير في مسائل تهم المصلحة العامة، خاصةً أن إعادة هذه المنشورات الثلاثة إلى وضعها السابق بعد تقديم شكاوى، تشير إلى أن آليات الكشف أو الإبلاغ في "إنستغرام" غير سليمة وتؤدي إلى نتائج خاطئة، وفق "هيومن رايتس ووتش".
المنظمة الدولية لفتت كذلك إلى أنه حتى عندما تعيد شركات التواصل الاجتماعي المواد التي أزالتها بشكل خاطئ، يعيق الخطأ تدفق المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان في اللحظات الحرجة.
فيما أبلغ مستخدمو حسابات التواصل الاجتماعي ومنظمات الحقوق الرقمية أيضاً عن مئات المنشورات المحذوفة، والحسابات المعلقة أو المقيّدة، والمجموعات المعطلة، وانخفاض مستوى المشاهدة، وانخفاض التفاعل مع المحتوى، وهاشتاغات محظورة.
إذ راجعت "هيومن رايتس ووتش" لقطات شاشة لأشخاص كانوا يشاركون محتوى عن العنف المتصاعد، وأبلغوا عن تعرض حساباتهم لقيود، منها عدم قدرتهم على نشر المحتوى، أو بث مقاطع الفيديو على "إنستغرام"، أو نشر مقاطع فيديو على فيسبوك، أو حتى الإعجاب بمنشور.
بينما لم تتمكن "هيومن رايتس ووتش" من التحقق أو تحديد أن كل حالة تشكل قيداً غير مبرر، بسبب عدم وصولها إلى البيانات الأساسية اللازمة للتحقق، ولأن "فيسبوك" رفضت التعليق على تفاصيل محددة لحالات وحسابات مختلفة بسبب التزاماتها بالخصوصية، كما قالت. يستدعي نطاق القيود المبلَّغ عنها وحجمها إجراء تحقيق مستقل.
كان مجلس الإشراف قد أوصى بأن تُشرك "فيسبوك" كياناً خارجياً مستقلاً، لإجراء فحص شامل؛ لتحديد ما إذا كانت "فيسبوك" تطبق الإشراف على المحتوى باللغتين العربية والعبرية دون تحيز، وأنه يجب نشر التقرير واستنتاجاته.
هذه التوصية تتفق مع دعوات متعددة من منظمات حقوق الإنسان والحقوق الرقمية إلى إجراء تدقيق عام.
طلب الحكومات
في حين أوضحت المنظمة الدولية أنه إضافة إلى إزالة المحتوى بناءً على سياساتها الخاصة، غالباً ما تقوم "فيسبوك" بذلك بناءً على طلب الحكومات، مؤكدةً أن الحكومة الإسرائيلية كانت عدوانية في سعيها لإزالة المحتوى من وسائل التواصل الاجتماعي.
جدير بالذكر أن مركز "صدى سوشال"، (غير حكومي) ومقره مدينة رام الله بالضفة الغربية، كان قد بعث بشكوى، خلال شهر مايو/أيار الماضي، إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير إيرين خان، وإلى إدارة شركة فيسبوك، حول انتهاكات الأخيرة للمحتوى الفلسطيني.
المركز المختص بالمحتوى الرقمي الفلسطيني على شبكات التواصل أضاف أن الرسالة تتضمن شكوى "حول الرقابة التعسفية على المحتوى المنشور على المنصة من قِبل الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين"، مطالباً بـ"مراجعة عاجلة وشرح للقرارات التي اتخذها فيسبوك بتعليق الحسابات والمنشورات التابعة لوكالات الأنباء الفلسطينية والنشطاء الفلسطينيين".
في حين أوضح المركز أنه وثَّق هذا العام "مئات من حالات الرقابة غير المبررة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعم حقوق الفلسطينيين"، منوهاً إلى أنه رصد خلال فترة التصعيد الأخيرة، أكثر من 400 انتهاك بحق المحتوى الفلسطيني ككل.
وقف إطلاق النار
كان التوتر قد تصاعد في قطاع غزة بشكل كبير، بعد إطلاق إسرائيل عملية عسكرية واسعة ضده في 10 مايو/أيار 2021، تسببت بمجازر ودمار واسع في منشآت عامة ومنازل مدنية ومؤسسات حكومية وإعلامية، وأراضٍ زراعية، إضافة إلى شوارع وبنى تحتية في غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني، قبل بدء وقف لإطلاق النار.
إلا أنه مع فجر الجمعة 21 مايو/أيار الماضي، بدأ سريان وقف لإطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بوساطة مصرية ودولية، بعد 11 يوماً من العدوان.
هذا العدوان الإسرائيلي الوحشي على أراضي السلطة الفلسطينية والبلدات العربية بإسرائيل، أسفر عن 289 شهيداً بينهم 69 طفلاً، و40 سيدة، و17 مسناً، فيما أدى إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها "شديدة الخطورة".
في المقابل، أسفر قصف المقاومة عن تكبيد إسرائيل خسائر بشرية واقتصادية "كبيرة"، وأدى إلى مقتل 13 إسرائيلياً بينهم ضابط، في حين أُصيب أكثر من 800 آخرين بجروح، إضافة إلى تضرر أكثر من 100 مبنى، وتدمير عشرات المركبات، ووقوع أضرار مادية كبيرة، فضلاً عن توقف بعض المطارات لأيام طويلة.
كانت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية كافة قد تفجّرت؛ إثر اعتداءات "وحشية" ترتكبها الشرطة ومستوطنون إسرائيليون، منذ 13 أبريل/نيسان الماضي، في القدس، خاصةً منطقة "باب العامود" والمسجد الأقصى ومحيطه، وحي الشيخ جراح؛ حيث تريد إسرائيل إخلاء 12 منزلاً من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين.
يُذكر أن إسرائيل احتلت القدس الشرقية، حيث يقع المسجد الأقصى، خلال الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1967، كما ضمت مدينة القدس بأكملها عام 1980، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.