يسعى قادة الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعهم "الاستراتيجي"، الذي سيبدأ في وقت لاحق من يوم الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلى توحيد صفوفهم، وبحث الاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وذلك على وقع التطورات الدولية الأخيرة، التي يأتي على رأسها الأزمة الأفغانية، وأزمة الغواصات الفرنسية، ومغادرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المرتقبة لمنصبها.
بحسب دبلوماسي رفيع، هذه هي المرة الأولى التي يلتقى فيها رؤساء الدول والحكومات الأوروبية الـ27، منذ شهر حزيران/يونيو، أي منذ وقت طويل جداً في ضوء اضطرابات الأشهر الأخيرة.
فيما أطلق على تلك الاجتماعات المرتقبة "قمة سلوفينيا"، حيث ستعقد في قلعة بردو بمدينة كراني، وهي على مقربة من العاصمة ليوبليانا في جمهورية سلوفينيا التي تسلمت في شهر يوليو/تموز المنصرم، رسمياً الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي من البرتغال، وتستمر حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021. وتستمر تلك القمة على مدى يومين متواصلين.
تأتي تلك التطورات في ظل التحديات الكثيرة التي تشهدها القارة الأوروبية، أهمها أزمة جائحة فيروس كورنا المسجد، والخلافات بين الاتحاد الأوروبي وبعض أعضائه بسبب قضايا تمس سيادة القانون، فضلاً عن العلاقات مع القوتين العظميين المتنافستين (واشنطن وبكين).
رغم أنه من غير المتوقع اتخاذ أي قرار خلال "قمة سلوفينيا"، إلا أنها تحظى بأهمية كبيرة ومتابعة عن كثب.
في حين تركز القمة على توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان، التي تضم بالإضافة إلى صربيا والجبل الأسود، كلاً من ألبانيا ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك وكوسوفو.
من جهته، دعا رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، في رسالة له، إلى "نقاش استراتيجي حول دور الاتحاد على الساحة الدولية"، مؤكداً أن "الاتحاد الأوروبي يجب أن يصبح أكثر هجومية وفاعلية".
ميشيل استشهد بالتطورات الأخيرة في أفغانستان، والإعلان عن الاتفاقية العسكرية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، التي سببت أزمة مع فرنسا، وكذلك العلاقات مع الصين.
فرنسا لن تكون ضمن أي مبادرة منافسة لحلف شمال الأطلسي
بدوره، قال مسؤول أمريكي، إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ناقشا الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مسعى فرنسياً لزيادة التعاون الأمني بين الدول الأوروبية، وذلك أثناء زيارة تهدف لمحاولة حل خلاف مع باريس.
بلينكن في فرنسا لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بعد أن أدى اتفاق (أوكوس) بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا إلى إلغاء عقد دفاعي فرنسي مع كانبيرا قيمته 40 مليار دولار للحصول على غواصات فرنسية.
المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية أشار إلى أن بلينكن أبلغ ماكرون بأن واشنطن "تدعم بالتأكيد مبادرات الدفاع والأمن الأوروبية"، التي يمكن أن تزيد القدرات، لكنها لا تقوض حلف شمال الأطلسي، متابعاً: "إننا نعتبر ذلك مكملاً لحلف شمال الأطلسي. والتزام الرئيس (الأمريكي جو بايدن) تجاه الحلف، كما تعلمون جميعاً، صارم".
في حين أوضح المسؤول الأمريكي، في إفادة للصحفيين، بعد أن التقى بلينكن مع ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لو دريان، ومستشار ماكرون الدبلوماسي إيمانويل بون، أن ماكرون أكد أن فرنسا وافقت على ألا تكون أي مبادرة جديدة في منافسة مع حلف شمال الأطلسي.
خلاف دبلوماسي
كانت الحكومة الفرنسية قد قالت إنها تلقت طعنة في الظهر من حلفائها المقربين، وإن التئام الجراح سيستغرق وقتاً.
على إثر ذلك، سحبت فرنسا سفيرها من واشنطن لفترة وجيزة بسبب المشكلة، قبل أن يتحدث الرئيسان الفرنسي والأمريكي تلفونياً، ويتفقا على إجراء مشاورات متعمقة.
فيما لفت الإليزيه إلى أن "الأمر لا يتعلق بدخول الأوروبيين في نقاش فرنسي أمريكي، بل يتعلق باستخلاص الدروس منه، وبناء سيادة أوروبية"، مشدداً على أنه "سيكون من الخطأ التظاهر بأن شيئاً لم يحدث".
الانسحاب الفوضوي الأمريكي من أفغانستان
كما جاءت قضية الغواصات الفرنسية بعد أسابيع قليلة من الانسحاب الفوضوي للجيش الأمريكي من أفغانستان خلال شهر أغسطس/آب المنصرم، الأمر الذي أحيا النقاش حول تعزيز استقلالية أوروبا.
كان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد قال إنَّ هذا الانسحاب الفوضوي من أفغانستان "سيحفز" الاتحاد على إنشاء قوته العسكرية الدائمة، لتطوير دفاعاته المشتركة، وذلك على الرغم من سنوات من النقاش غير المثمر والمعارضة من الدول الأعضاء، داعياً إلى تشكيل قوة للرد السريع في إطار ذلك.
حيث قال بوريل إنَّ الوقت قد حان لإنشاء قوة تدخُّل خاصة نشطة تابعة للاتحاد الأوروبي، وصفها بعض كبار السياسيين الأوروبيين بأنها "جيش".
جاء ذلك ضمن تصريحات أطلقها بوريل عقب اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في جمهورية سلوفينيا.
خلال هذا الاجتماع نظر وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في اقتراح قُدّم للمرة الأولى في مايو/أيار الماضي، ويهدف إلى تشكيل قوةٍ قوامها 5 آلاف عنصر.
كان الاتحاد الأوروبي قد شكّل عام 2007 مجموعتين قتاليتين قوامهما 1500 جندي، تتوليان عملهما بالتناوب، لكنهما عانتا باستمرار من نقص في العدد، ولم تُنشرا قط، ويرجع ذلك بالأساس إلى الخلافات حول التمويل.
بلغ الإنفاق الحكومي العام في الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، على الدفاع 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، مقارنة بـ3.4% في الولايات المتحدة. وقالت مصادر دبلوماسية إنَّ تصريحات بوريل لا علاقة لها "بالواقع السياسي" في عواصم الاتحاد الأوروبي.
جدير بالذكر أن افتقار الاتحاد الأوروبي إلى قوة عسكرية تفاقم بسبب خسارة المملكة المتحدة، التي كانت أكبر مُنفِق على الدفاع داخل الكتلة عندما كانت دولة عضواً.
بخلاف ذلك، من المرجح أيضاً أن تكون قضية الهجرة على جدول الأعمال لهذه القمة الأوروبية، إذ يريد الاتحاد الأوروبي تجنب تدفق للاجئين كما حدث عام 2015.
في السياق، تعهد وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الماضي بدعم دول المنطقة في استقبال اللاجئين الأفغان. كذلك تعد تلك القمة هي الأخيرة التي ستحضرها المستشارة أنجيلا ميركل، التي تعتبر الشخصية المركزية في الاتحاد الأوروبي منذ 15 عاماً، مع بدء المفاوضات الشاقة في ألمانيا لتشكيل حكومة جديدة.