كشفت صحيفة washington Post الأمريكية الإثنين 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021 تسريبات متعلقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وثائق "باندورا" التي كشفت عن ثروات وممتلكات وأموال سرية لـ35 من القادة الحاليين والسابقين وأكثر من 300 مسؤول حكومي، بالإضافة إلى عدد من الشركات.
الصحيفة قالت إن السيدة الروسية سفيتلانا كريفونوجيخ، أصبحت مالكة لشقة تُقدّر قيمتها بملايين الدولارات، في إمارة موناكو الفرنسية من خلال شركة خارجية تأسست في جزيرة تورتولا في الكاريبي في أبريل/نيسان 2003 بعد أسابيع فقط من إنجابها طفلة.
أضافت الصحيفة نقلاً عن مؤسسة برويكت الروسية للصحافة الاستقصائية أن هذه المرأة كانت في ذلك الوقت على علاقة سرية بدأت منذ سنوات طويلة مع الرئيس بوتين، فيما أشارت وكالة رويترز إلى أن كريفونوجيخ وابنتها البالغة حالياً من العمر 18 عاماً والكرملين لم يردوا على طلبات للتعليق.
شقة راقية في موناكو الثرية
الصحيفة قالت إن الشقة معلقة فوق المياه الزرقاء للبحر الأبيض المتوسط، وأسفل منها يقع كازينو مونت كارلو الشهير في أفلام جيمس بوند، ومن المرفأ الذي تطل عليه تبحر العائلات الملكية وأباطرة الشركات العالمية وأثرياء الحكم في يخوت بحجم جبال الجليد.
الصحيفة أضافت أن هناك القليل من المعلومات عن الخلفية المتواضعة التي انحدرت منها سفيتلانا كريفونوجيخ، وهذا القليل لا يفسر بأي نحو كيف امتلكت الوسائل اللازمة للحصول على شقة تطل على الساحة الخلفية لنخبة أثرياء العالم. فحسب ما ورد، نشأت المرأة الروسية في شقة مشتركة مكتظة بساكنيها في سانت بطرسبرغ، وشغلت وظائف بسيطة، منها العمل بتنظيف متجر في حي مجاور.
لكن السجلات المالية التي يُكشف عنها لأول مرة، جنباً إلى جنب مع وثائق الضرائب المحلية، تُبين أن كريفونوجيخ، البالغة من العمر 46 عاماً، أصبحت مالكة لشقة موناكو المُشار إليها عن طريق شركة خارجية أُنشئت بعد أسابيع فقط من إنجابها طفلة وقد وُلدت الطفلة في وقت كانت فيه الأم، وفقاً لتقرير إعلامي روسي نُشر العام الماضي، تعيش علاقة سرية منذ سنوات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وجاء الكشف عن الشقة الفاخرة الواقعة في بناية "مونت كارلو ستار" Monte Carlo Star من خلال وثائق حصل عليها "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" (ICIJ).
ولا تُشير الملفات إلى السبل التي قد تتيح لكريفونوجيخ الحصول على تلك الأموال اللازمة لسداد ثمن شقة بلغت تكلفتها 1.4 مليون دولار في عام 2003، والتي ربما أصبح ثمنها اليوم أعلى بكثير.
لكن صفقة شراء الشقة تزامنت مع فترة يُزعم فيها أن كريفونوجيخ كانت على علاقة ببوتين وارتباطات بتكديس مجموعة مذهلة من الأصول في روسيا، وفقاً لموقع Proekt، وهو منفذ استقصائي روسي على الإنترنت سبق أن كشف عن علاقتها المزعومة بزعيم الكرملين ومنذ ذلك الحين حظرته السلطات في روسيا.
سيل من الوثائق
اتخذ المسؤولون عن ترتيبات شراء كريفونوجيخ لشقة مونت كارلو تدابير صارمة تضمن عدم ظهور اسمها أو وضعها بوصفها المالكة للشقة في السجلات العامة.
في 2 أبريل/نيسان 2003- أي بعد شهر تقريباً من إنجاب كريفونوجيخ لابنتها- أُسِّست شركة صورية تحمل اسم Brockville Development Ltd، في جزيرة تورتولا الكاريبية، وفقاً لوثائق باندورا.
وبعد أشهر، تُظهر سجلات العقارات في موناكو، أن تلك الشركة الوهمية اشترت الشقة في موناكو مقابل 3.6 مليون دولار، أي نحو 6 ملايين دولار عند تحويلها بمراعاة مستوى التضخم اليوم.
المتحدث باسم الكرملين نفى موثوقية هذا التقرير عندما نُشر العام الماضي لكن التفاصيل الجديدة حول شقة موناكو تعزز مضمون الادعاءات الأساسية للتقرير: أن كريفونوجيخ بعد أن بدأت علاقتها المبلغ عنها مع بوتين، جمعت أصولاً وعقارات غالباً ما يكون لها ارتباط أو علاقة بأحد أقرانه المقربين بطريقة ما.
وظهرت علاقات لكريفونوجيخ بالدائرة المقربة لبوتين، لكنها لم تلفت انتباه الجمهور فيما كشف "بنك روسيا" The Rossiya Bank في عام 2010 أنها كانت إحدى أكبر مساهميه من خلال شركتها "أو ريلاكس" OOO Relax. وقد خضع البنك لاحقاً لعقوبات فرضتها عليه وزارة الخزانة الأمريكية، التي وصفته بأنه "البنك الشخصي لكبار المسؤولين في روسيا".
لكن ابنتها، التي بلغت 18 عاماً هذا العام وتحمل اسم لويزا روزوفا، أثارت التكهنات حول نسبها في مقابلات، واستغلت الموضوع لزيادة عدد المتابعين لها عبر الإنترنت. وفي الصور، تحمل روزوفا تشابهاً صارخاً مع الرئيس الروسي، وقد أقرت بهذا التشابه وإن رفضت تأكيد أو نفي أن بوتين هو والدها.
لم ترد كريفونوجيخ على طلبات التعليق التي أرسلت إليها، كما لم تنجح الجهود المبذولة للتواصل معها في ثلاثة عناوين سكنية مرتبطة بها.
من جانبه، لم يرد متحدث باسم الكرملين على طلب للتعليق قدمه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين نيابة عن صحيفة The Washington Post الأمريكية ومنظمات إعلامية أخرى شاركت في تحقيق باندورا الاستقصائي.
محفظة عقارية
يُذكر أن شقة موناكو ليست إلا جزءاً من مجموعة مذهلة من العقارات التي راكمت كريفونوجيخ ملكيتها بعد أن بدأت علاقتها مع بوتين، بحسب المزاعم فهي تمتلك حصة في بنك روسي يديره شركاء بوتين، وفقاً لسجلات عامة وتحقيق Proekt الاستقصائي. كما تمتلك حصة أغلبية في منتجع للتزلج، ويختاً وحساباً مصرفياً سويسرياً كشفت عنه وثائق باندورا أيضاً، وشققاً في أرقى أحياء سانت بطرسبرغ، وفقاً لتقارير Proekt وسجلات عامة روسية.
التحقيق الجديد حول السرية المالية تضمن قرائن تربط كريفونوجيخ بممتلكات موناكو، وتشتمل وثائق باندورا على جداول بيانات ومذكرات وفواتير ورسائل بريد إلكتروني، حصل المحققون عليها من مكاتب المحاماة ومكاتب المحاسبة ومديري الصناديق الاستثمارية التي تعمل في بعض الولايات القضائية المالية الأكثر تساهلاً في العالم.
وتحتوي المجموعة على أكثر من 11.9 مليون وثيقة، وهي أكثر من تلك التي كُشف عنها قبل خمس سنوات في "وثائق بنما"، التي تضمنت ملفات مماثلة ووثائق فضحت كثيرين وأجبرت آخرين على إجراء إصلاحات.
تسلط السجلات الضوءَ على المناورات المالية السرية لقادة عالميين ومستثمرين من أصحاب المليارات ومشاهير ورياضيين ونخبة أخرى من العملاء الأثرياء. وتعرض الوثائق لنظرة خاصة واسعة النطاق حول عدد من الأشخاص الأشد ولاءً لبوتين، وأغلبهم ممن تنامت لهم أصول باهظة وثروات فاحشة في الخارج، على الرغم من تصريحات الازدراء التي لطالما يطلقها بوتين ضد الغرب ودعواته المتكررة للنخب الروسية إلى الاحتفاظ برؤوس أموالها في الداخل.
وتكشف وثائق أخرى أن هيرمان جريف، رئيس مصرف "سبيربنك" Sberbank المملوك للدولة الروسية، كان يحتفظ بأكثر من 50 مليون دولار نقداً وحسابات قروض مستحقة القبض في الخارج لعائلته، باستخدام حسابات سرية في ساموا وبنما وسنغافورة، على الرغم من كونه أبرز الوجوه العامة للنظام المصرفي في الدولة الروسية.
تتعزَّز لدى المطلع على تلك الوثائق صورةٌ عامة مفادها أن روسيا دولة تتكسب فيها النخبة القريبة من نفوذ دوائر الحكم ملايين الدولارات، وتحمي ثرواتها الشخصية باستخدام هياكل مالية سرية في الخارج.
وبعد 5 سنوات من الكشف عن وثائق بنما، تبيِّن الوثائق الجديدة أنه بدلاً من التراجع عن استخدام الحسابات الخارجية السرية، عمل الأثرياء الروس ومديرو حساباتهم على تحسين قدرتهم على إخفاء أصولهم المالية وممتلكاتهم. حتى إن أحد المقاطع الواردة في الوثائق يشير إلى تحذير صادر عن محامٍ يمثل اثنين من أصدقاء بوتين القدامى إلى شركة بنمية بأن تتجنب تكرار الأخطاء الفادحة التي أدت إلى التسريبات السابقة.
وكتب المحامي في رسالته الصادرة المؤرخة بعام 2016: "أنت ملزم بالحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بعملائنا، وعدم السماح بفرصة أخرى لشيء مماثل لفضيحة (وثائق بنما)".
جدار بوتين السري يتصدع
لطالما حافظ بوتين على سرية التفاصيل المتعلقة بحياته الخاصة وثروته الشخصية، بدأبٍ جدير بضابط سابق في الاستخبارات السوفييتية. وحتى ابنتيه المعترف بهما حجب هويتهما عن الجمهور وجعلهما تعيشان تحت اسمين مستعارين.
لكن جدار السرية تلك ما انفك يشهد تصدعات في السنوات الأخيرة وسط موجة من عمليات الكشف لمعلوماته السرية على الإنترنت، شارك فيها نشطاء للمعارضة وصحفيون وقراصنة إنترنت.
ردَّت السلطات الروسية على ذلك بتكثيف قمعها الشديد للمعارضة السياسية والصحفيين. وحُكم على المعارض الأبرز أليكسي نافالني بالسجن 3 سنوات ونصف، وحظرت محكمةٌ روسية منظمته. كما حظرت روسيا موقع Proekt لأسباب قالت إنها تتعلق بالأمن القومي، وهرب محرر الموقع من البلاد خوفاً من الملاحقة الجنائية.