لا تبدو مهمة المؤتمر الوطني الاستثنائي القادم لحزب العدالة والتنمية المغربي سهلة، خاصة أن الحزب يواجه امتحان اختيار قيادة جديدة، يكون من أولوياتها إعطاء انطلاقة جديدة، والأهم إعادة الحزب إلى مكانته التي كان عليها قبل 5 سنوات.
الاستقالة الجماعية للأمانة العامة الحالية، وإن كان ظاهرها إعلان تحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية عن الهزيمة المدوية وغير المتوقعة التي حصدها الحزب في الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية التي عرفها المغرب يوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري، إلا أنها عكست أزمة تواجه مستقبل الحزب.
العثماني يرفض الانسحاب
رغم إعلان الأمانة العامة استقالتها الجماعية من الحزب، بمن في ذلك الأمين العام، سعد الدين العثماني، وصدور بلاغ في هذا الشأن يوم 9 سبتمبر/أيلول الجاري، فإن العثماني لا يعترف بوجوب مغادرته دفة القيادة.
قيادي كبير في الحزب صرح لـ"عربي بوست" بأن "العثماني لن يتخلى بسهولة عن قيادة الحزب، ولن يعترف بمسؤوليته عن نتائج الانتخابات" الأخيرة.
وكان حزب العدالة والتنمية، برئاسة سعد الدين العثماني، قد منيَ بهزيمة انتخابية كبيرة وقاسية، إذ تراجع في مجلس النواب من 125 مقعداً في 2016 إلى 13 مقعداً في 2021، ونفس الشيء تكرر في البلديات والمدن والجهات.
هذا التراجع الانتخابي الحاد دفع الأمانة العامة للحزب إلى إعلان استقالة جماعية، والدعوة إلى مجلس وطني استثنائي، دعا بدوره إلى مؤتمر وطني استثنائي، ينتظر عقده في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، لاختيار قيادة جديدة للحزب.
مصادر قيادية في الحزب سجلت أنه بالرغم من هذه الهزيمة غير المسبوقة، فإن الأمين العام الحالي يرفض الاعتراف بمسؤوليته عنها، وبالتالي يصر على عدم الاستقالة، ويواصل عمله واتصالاته ولقاءاته على هذا الأساس.
وشددت المصادر على أن رفض العثماني الإقرار بالمسؤولية، ثم هذه الهزيمة القاسية، سيؤثران على حظوظ رئيس الحكومة الحالي للاستمرار في قيادة الحزب بشكل كبير، خاصة أن القانون ما زال يمنحه هذا الحق لتولي الحزب ولاية أخرى.
وتقضي القوانين الداخلية لحزب العدالة والتنمية بحق أي شخص تقلد المسؤولية الاستمرار فيها ولايتين اثنتين غير قابلتين للتمديد، والعثماني قضى فقط ولاية واحدة، ويريد الدفاع عن حقه وحظوظه للظفر بولاية ثانية.
وأفادت المصادر بأن العثماني لم يُرد الاستقالة، لأنه يعلم يقيناً أن قوانين الحزب تمنع أي مسؤول مستقيل من تولي المسؤولية في الولاية التنظيمية التي تلي استقالته، وبالتالي هو متخوف من إضاعة حقه في الاستمرار داخل قيادة الحزب.
بنكيران لإنقاذ العدالة والتنمية
في الجهة المقابلة، لسعد الدين العثماني، يلوح اسم عبد الإله بن كيران، مرشحاً فوق العادة لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، خاصة أن تاريخ حركة التوحيد والإصلاح وبعدها والعدالة والتنمية، يكشف أنها تتعامل مع عبد الإله بن كيران بشكل "وظيفي"، إذ تلجأ إليه في وقت أزماتها، وبعد عبور المطبات سواء داخلياً، أو في العلاقة مع الدولة، ثم تبعده بعد ذلك عن صدارة الصفوف.
مصادر قيادية في الحزب كشفت لـ"عربي بوست" أن ما جرى هذه المرة كان مخالفاً تماماً لما جرى في التاريخ، فابن كيران تحول من قيادي داخل تنظيم هامشي في المجتمع إلى واحد من أشهر الرموز السياسية في المغرب.
وتابعت أن هذا الوضع واحد من الاعتبارات التي تُسهل عملية عودة بن كيران إلى قيادة الحزب بشكل أكثر سهولة من الماضي، فهو من جهة مطلوب داخلياً، كما أن القيادات التي اختلفت معه منذ 2016 منيت بهزيمة انتخابية هي الأكثر سوءاً على الحزب منذ انطلاقته الثانية في 1997.
وزادت المصادر ذاتها أن الحزب يحتاج بن كيران أكثر من أي وقت مضى، فـ"نتائج الانتخابات، و5 سنوات من التدبير السيئ لشؤون الحزب أوصلتنا إلى حافة الانهيار، وما يسعى إليه المناضلون هو إنقاذ هذا الحزب من الموت".
وكشفت المصادر ذاتها أن فكرة إنقاذ الحزب من الموت كانت هي الفكرة المسيطرة خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية التي انعقدت السبت 18 سبتمبر/أيلول الجاري.
وأشارت المصادر إلى أن الخيار الذي نملكه كمُناضلين في الحزب، هو الدفاع عن عودة الحياة إلى العدالة والتنمية، ولا يمكن تصور عودة الحزب إلى الحياة بعيداً عن عبد الإله بن كيران.
وأكدت المصادر ذاتها أن دور بن كيران كان دائماً مهماً لصالح الحزب، ولقد جربنا معنى أن يتم إبعاده من دفة القيادة بعد 2017، وعشنا كيف كان الحزب متناقضاً مع هويته وقيمه، وكذلك مع قاعدته الشعبية التي ابتعدت عنه، الأمر الذي دفع كثيرين للقول بأنها هي من عاقبته في الانتخابات الأخيرة.
وأوضحت المصادر نفسها أن الأمر بالنسبة لنا بسيط جداً، هذا الحزب يستحق الاستمرار، لكنه بحاجة إلى روح وإلى حياة، هذه المواصفات التي نفتقدها في الصف القيادي الحالي، وهي واحدة من خصائص الزعيم بن كيران.
ثلاثة ضد واحد
مستقبل العدالة والتنمية لم يعد هذه المرة متعلقاً باختيار قائد للحزب في المرحلة المقبلة، بل وبرهان أساسي آخر هو الحفاظ على وحدة الحزب، وذلك بعد بروز مجموعتين على الأقل فتحتا نقاشاً حول مستقبل بقائها في الحزب، بل ومستقبل الحزب نفسه.
أولى المجموعات، وفق مصادر "عربي بوست"، مباشرة بعد الهزيمة الانتخابية لـ8 سبتمبر/أيلول فتحت نقاشاً داخل مجموعات التراسل الافتراضي "واتساب"، تدعو فيه إلى البحث عن بدائل سياسية أو جمعيات مجتمع مدني للعمل بعيداً عن العدالة والتنمية.
مصادر "عربي بوست" كشفت أن هذا النقاش "ليس جديداً"، غير أن الجديد فيه هو "توسيعه" على شرائح جديدة داخل العدالة والتنمية.
وزادت المصادر أن عدداً من قادة الحزب يتزعمهم عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن والبيئة، في الحكومة المنتهية ولايتها، وعضو الأمانة العامة (القيادة السياسية) لحزب العدالة والتنمية، يقومون بوضع اللمسات الأخيرة لمشروعهم الجديد.
وسجلت المصادر أن عزيز رباح يشتغل ومجموعة من قادة الحزب على "متنفس" جديد للإسلاميين المغاربة، يقوم على ركيزتين؛ الأولى سياسية من خلال إنشاء حزب سياسي جديد، والثانية بناء نسيج جمعوي يكون بمثابة رافد للحزب الجديد.
هذه المساعي انطلقت منذ سنتين بشكل رسمي على الأقل، تكشف مصادر من خارج الحزب لـ"عربي بوست"، التي أوضحت أن عزيز رباح وعدداً من مستشاريه ومقربيه شرعوا منذ تلك الفترة، في عقد لقاءات تواصلية مع مسؤولين آخرين داخل الحزب ومن خارجه بشأن خلق هذا الفضاء الجديد للعمل.
وشددت مصادر من داخل الحزب على أن رباح ومجموعته أجلت الإفصاح عن تحركاتها المستقبلية إلى ما بعد المؤتمر القادم للحزب، معلقة طبيعة الخطوة المقبلة باسم رئيس الحزب القادم.
ولا تخفي هذه المجموعة رفضها لعودة بن كيران إلى دفة قيادة حزب العدالة والتنمية.
التحرك الجديد داخل العدالة والتنمية ليس متوفقاً على مجموعة عزيز رباح، التي انضم إليها قادة آخرون بينهم الوزراء محمد يتيم، ومحمد أمكراز، وعبد القادر عمارة، بل في وجود مجموعة أخرى تضم رئيس جهة الرباط السابق عبد الصمد السكال، ترفض عودة بن كيران.
مصادر "عربي بوست" كشفت أن هذه المجموعة الثانية تعمل منذ زمن ليس باليسير لتنسيق الجهود فيما بينها، وذلك في أفق خلق "إطار" سياسي جديد للعمل.
وتتفق مجموعة السكال مع مجموعة رباح على أن حزب العدالة والتنمية الحالي قد "انتهت" وظيفته وأدواره، وأن عودة بن كيران ستخلف مشاكل داخل الحزب، ومع المجتمع، ومع السلطة، لذلك فالمجموعتان تتعاونان ضد عودته.
أسماء أخرى
عزيز رباح، وعبدالصمد السكال، إضافة إلى عبدالعزيز العماري، العمدة السابق لمدينة الدار البيضاء تعد من الأسماء التي تحظى بثقة كبيرة من عموم أعضاء الحزب لقيادة المرحلة المقبلة، لكن هذه الأسماء تبقى في الصف بعد الثنائي التاريخي للحزب عبد الإله بن كيران، وسعد الدين العثماني، بحسب مصادر من الحزب.
وكشفت المصادر أن هاتين المجموعتين عرضتا كل على حدة أفكارها على أمين عام الحزب، سعد الدين العثماني، "كعادته" استمع باهتمام لأصحاب المشروعين الجديدين، لكنه لم يرد لا بالرفض أو القبول.
ويسود على نطاق واسع داخل الحزب اعتقاد أن مستقبل هذه "المجموعات" متعلق بنتائج المؤتمر القادم للحزب، فشخصية الأمين العام ستدفع الكثيرين إلى تحديد مستقبلهم داخله، بمن فيهم عدد من المؤسسين.
ويتوقع على نطاق واسع أن يتصاعد هذا الجدل داخل العدالة والتنمية، وقد يخرج إلى العلن في القريب، وذلك استباقاً للمؤتمر الاستثنائي المقبل للحزب، الذي من المقرر أن ينعقد 24 أكتوبر/تشرين الأول القادم.