كشفت وكالة Bloomberg الأمريكية، الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول 2021، أن مسؤولين إماراتيين بينهم ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، ومدير المخابرات علي الشامسي، وسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، أشرفوا على حملة تأثير "غير قانونية" داخل واشنطن، على إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
وجاء في تقرير الوكالة أن المسؤولين الإماراتيين استخدموا توم باراك الممول الجمهوري المقرب من الرئيس الأمريكي السابق ترامب، والذي يحاكم حالياً في نيويورك، لتعزيز نفوذهم لدى ترامب من خلال تحويلات مالية واجتماعات مسائية عُقدت في أبوظبي.
استقبال حافل في أبوظبي
بعد أسابيع من فوز الرئيس دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حظي باراك باستقبال حافل في الديوان الأميري بأبوظبي، كما التقى في شهر ديسمبر/كانون الأول، مع ولي عهد أبوظبي وشقيقه الذي يتولى منصب مستشار الأمن القومي ومسؤول ثالث يتولى رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، حسب الوكالة الأمريكية.
باراك بدوره شجع المسؤولين الإماراتيين على تقديم رؤية حول السنوات الأربع التي سيحكم فيها ترامب الولايات المتحدة، وما يمكن أن تقدمها لهم.
وكشفت الوكالة أن اللقاء السري هو جزء من خطة للتأثير على حملة ترامب والإدارة المقبلة، وتقوية النفوذ السياسي للدولة الخليجية في واشنطن.
الوكالة قالت إن المسؤولين الإماراتيين طلبوا من باراك وآخرين الدفع باتجاه دعم المصالح الإماراتية، فيما لم ترُدّ وزارة الخارجية الإماراتية ولا المكتب الإعلامي في الحكومة ولا السفارة الإماراتية في واشنطن على طلب تعليق الوكالة.
وأضافت أن المسؤولين الإماراتيين طالبوا باراك بتمثيل مصالحهم؛ إذ ساعدهم باراك على عدة جبهات، فقد رتَّب لقاءً في البيت الأبيض مع ترامب دفع بتعيين المرشحين لدى أبوظبي في الإدارة الجديدة، حسب لائحة الاتهام الموجَّهة لباراك الذي يُحاكم حالياً.
الإمارات أقوى حليف لأمريكا!
الوكالة قالت إنه عادة ما تتم مناقشة قرارات السياسة في اللقاءات المسائية الدورية التي يستضيفها المسؤولون البارزون، حيث برزت الإمارات كأقوى حليف للولايات المتحدة، خاصة بعد توتر العلاقات مع السعودية عقب مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي.
باراك الذي يدير مصالح تجارية في الشرق الأوسط دعم ترامب منذ بداية حملته الانتخابية، وكان يدافع عنه في اللقاءات التلفزيونية، وسط أسئلة تُشكك في فرص نجاحه، وعوّل الإماراتيون منذ البداية على باراك، الذي تمتد علاقته مع ترامب لعقود طويلة حسب المدعي.
وبعد الانتخابات قامت الإمارات بطلب رؤية معمقة حول تعيينات ترامب في مناصب مهمة، مثل الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، كما ورد في لائحة الاتهام، وردَّ باراك: "قدّمت مصالحنا الإقليمية بطريقة عالية".
"قوة جديدة" لأبوظبي
وبحلول ربيع 2017 دفع المسؤولون الإماراتيون باتجاه تعيين عضو في الكونغرس، لم يُكشف عن هويته كسفير في الإمارات، وفشلت هذه الجهود، ثم برز باراك نفسه كمرشح قوي للسفير أو مبعوث شخصي إلى الشرق الأوسط، حسب لائحة الاتهام الموجهة لباراك، وقال حينها باراك لابن راشد إن تعييناً كهذا "سيُعطي أبوظبي قوةً جديدة".
وقدَّم باراك معلومات من داخل الإدارة حول ردّ المسؤولين في الإدارة عن حملة الحصار التي قادتها الإمارات ضد قطر، بحسب ما ورد في أوراق الادعاء المقدمة للمحكمة، وفقاً لما نشرته الوكالة الأمريكية.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، نقل باراك تفاصيل تفكير الإدارة الأمريكية تجاه الأزمة في قطر، وحاول بتأثير من الإمارات إلغاء قمة خليجية أمريكية في كامب ديفيد للمصالحة.
فيما يقول المدعون إن جريمة باراك لا تتوقف عند هذا الحد، ففي يونيو/حزيران 2019، قابل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) باراك حول عمله نيابة عن الإمارات، ويقول المدّعون إنه كذب مراراً، وبعد اتهامه قال باراك: "طبعا أنا بريء من كل هذه الاتهامات وسنُثبت هذا".
محاكمة توم باراك
وكانت محكمة أمريكية قد وجّهت لباراك تهمة العمل لصالح دولة أجنبية هي الإمارات، أثناء توليه منصبه رئيساً للجنة التنصيب، دون إذن من الحكومة الأمريكية، وقد وجّهت لباراك وآخرين هذه التهمة، التي أشارت إلى وجود مسؤولين في الدولة الأجنبية كانوا يوجهون باراك بالمهام التي كان يقوم بها.
كانت المحكمة قضت في وقت سابق بالإفراج عن باراك، في انتظار محاكمته لقاء كفالة بلغت 250 مليون دولار، في واحدة من أضخم الكفالات في تاريخ القضاء الأمريكي، كما أمرت بوضع سوار إلكتروني في قدم باراك، في مسعى منها لتفادي إمكانية هروبه من وجه العدالة.
وتوم باراك هو ملياردير أمريكي من أصل لبناني، وتمتد صداقته مع ترامب إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ التقيا لأول مرة عام 1987، عندما اشترى ترامب نسبة 20% من أسهم شركة تمتلك سلسلة متاجر أمريكية، ولعب توم دور الوسيط في الصفقة، وبعدها بعام اتصل به ترامب، وقال له: "أنت صاحب فندق بلازا الذي أشاهده من مكتبي، أريد هذا الفندق"، فردَّ عليه توم بأنه ليس صاحب الفندق، لكن يمكنه امتلاك الفندق إذا دفع 410 ملايين دولار، فوافق ترامب على ذلك دون تردد، وسط ذهول توم، لكن ترامب اشترط أن يكون الدفع نقداً.
وتحدّث توم عن تلك الفترة قائلاً: "نشأت علاقة صداقة بيننا منذ ذلك الوقت، وتشابهت حياتنا الخاصة، فكل منا كان قد طلق زوجته، وكانت أعمار أبنائنا متقاربة، وتزوجنا مرة ثانية، وأبرمنا صفقات تجارية عديدة".
وقال ويليام روجرز، شريك توم، إن بمقدور الأخير أن يقول لترامب إنك على خطأ، وهو أمر لا يجرؤ عليه سوى القلائل، وأضاف: "يمكن لتوم أن يقول لترامب ما لا يرضى أن يسمعه من الآخرين، ويرد ترامب على توم بقوله: شكراً أنت صديقي، ويمكنك أن تقول ذلك لي، وليس في ذلك إساءة لي"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
وفي عام 1994 كان ترامب يمر بأزمة مالية خانقة، فاتصل به أحد الموظفين في بنك تشيز مانهاتن، وقال له: "مشاريع ترامب العقارية تواجه أزمة مالية كبيرة، ومن بينها مشروع عقاري في مانهاتن مدين لمصرفنا بمبلغ 100 مليون دولار، وأنت الوحيد الذي تعرف كيف تتعامل مع ترامب، مئة بالمئة، فهل يمكنك أن تساعدنا في حل هذه الأزمة؟".
قام توم بجولة في الشرق الأوسط، وحصل على تعهدات مالية للاستثمار في المشاريع المتعثرة لترامب، ومن بينها تعهدات من أصدقائه القدامى في الأسرة الحاكمة في السعودية.
لكن ترامب توصل في النهاية إلى اتفاق مع مستثمرين من هونغ كونغ لإنقاذ مشاريعه العقارية. وتوسط توم لدى البنك لتمديد المهلة الممنوحة لترامب لترتيب أوضاعه المالية، كما استثمر باراك في بعض المشاريع العقارية المتعثرة لصهر ترامب جاريد كوشنر.