أعادت قرارات قيس سعيد، مساء الأربعاء 22 سبتمبر/أيلول، التي أعلن فيها عن تعزيز صلاحياته التشريعية والتنفيذية، ترتيب مواقف الأحزاب السياسية من المسار الذي سلكته البلاد منذ شهرين.
وبحسب بيان صادر عن الرئاسة، فقد أصدر سعيد أمراً رئاسياً يُمدد تعليق عمل البرلمان، مع استمرار رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه.
وتتضمن التدابير تولي رئيس الجمهورية "إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي".
كما تنص الإجراءات، التي نُشرت في الجريدة الرسمية، على أن "يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية".
اتساع دائرة المعارضة ضد قرارات قيس سعيد
بعد دقائق من صدور بيان رئاسة الجمهورية، ظهر الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي محمد عبّو على شاشة قناة الجزيرة منتقداً الإجراءات الجديدة لسعيّد، ومعتبراً أنه فقد الشرعية والمشروعية بعد حنثه لليمين التي أقسمها باحترام الدستور.
وقال مؤسس التيار الديمقراطي محمد عبو أن "رئيس الدولة جعل نفسه خارج الشرعية، ويضطر للقيام بالعديد من التجاوزات حتى يبقى في السلطة"، مضيفاً أنه "من الناحية الأخلاقية قد فقد كل مشروعية بحنثه اليمين التي أقسمها على الدستور وبانتهازية لا مثيل لها وخرقه الدستور بشكل منهجي".
واعتبر عبّو الذي سبق وأيد قرارات سعيّد منذ ليلة 25 يوليو/تموز الماضي، أنه "مع بداية مشوار تطبيق الفصل 80 من الدستور كان الأمر مشروعاً جداً باعتبار حالة الفساد في البلاد المسؤولة عنها العديد من الأحزاب".
وأضاف محمد عبو، في تصريح لقناة الجزيرة، لكن "رئيس الجمهورية كان وفياً لثقافة الانتهازية المنتشرة في العالم العربي وقام بما يجب القيام به للاستفادة شخصياً من المعركة، حيث عندما وصل إلى مرحلة تقتضي أن يحطم منظومة الفساد السياسي قرر أن يستفيد شخصياً من الوضع، وأن يكون رئيساً بصلاحيات واسعة، وأن يحقق مشروعاً هلامياً يبيع به الوهم للتونسيين الذين سيكتشفون بعد سنوات أنّ الإشكال لم يكن يوماً في الدستور".
الأحزاب تتحد
من جهة أخرى، أعلنت 4 أحزاب سياسية عن تأسيس "الجبهة الديمقراطية" بعد "أن اكتملت أركان جريمة الانقلاب على المسار الديمقراطي في تونس بموجب الإجراءات المضمنة بالقرار الرئاسي عدد 117، وخاصة منها التعليق النهائي لدستور 2014" بحسب نص البيان الصادر يوم 22 أيلول/سبتمبر 2021.
وأكّدت هذه الأحزاب، وهي: حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، وحزب حراك تونس الإرادة، وحزب الإرادة الشعبية، وحركة وفاء، أن الجبهة الديمقراطية تهدف إلى الدفاع عن إرادة الشعب التونسي ومصالحه العليا وعن الحريات العامة والدستور وحكم القانون، والتصدي للخطر الداهم المحدق بالبلاد، وبالوحدة الوطنية، والمتمثل أساساً في قيس سعيّد الذي حنث باليمين الدستورية، وعطل الدستور وخرج عن القانون، وتبنى خطاباً عنيفاً يُهدد السلم الأهلي ويزرع الفتنة بين التونسيين.
ودعت الأحزاب الأربعة في نفس البيان إلى المشاركة في الحراك الشعبي الذي دعت إليه مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" يوم 26 سبتمبر/أيلول وسط العاصمة تونس، رفضاً لقرارات سعيّد.
في نفس الوقت أعلنت 4 أحزاب أخرى بياناً مشتركاً، اعتبرت فيه قرارات قيس سعيّد الأخيرة خروجاً على الشرعية وانقلاباً على الدستور الذي أقسم رئيس الجمهورية على حمايته، ودفعاً بالبلاد نحو المجهول.
واعتبر البيان الذي وقّعت عليه أحزاب التكتل، والتيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري بالإضافة إلى حزب آفاق تونس (اعتبرت) رئيس الجمهورية فاقداً لشرعيته بخروجه عن الدستور، وأن كل ما بني على هذا الأساس باطل ولا يمثل الدولة التونسية وشعبها ومؤسساتها، وتحمله مسؤولية كل التداعيات الممكنة لهذه الخطوة الخطيرة.
وأكّد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الأمر الرئاسي الذي أصدره قيس سعيّد رفع الستار عن حقيقة إجراءاته، وأزال الغبار عن توجهه لإقامة حكم فردي مطلق يجمع بين يديه من السلطات ما لم يسبقه إليه أحد من الرؤساء السابقين".
ودعا الشابي إلى التصدي لما سماه "ارتداد عن النظام الديمقراطي"، مؤكّداً أن الشعب التونسي سيفشل أي محاولة لإرساء ديكتاتورية جديدة في تونس.
اتفاق المتناقضين
حركة النهضة بدورها حذرت من رفض تعليق دستور الجمهورية وتعويضه بتنظيم مؤقت للسلطات ومن حكم فردي مطلق فاقد الشرعية.
وأضافت الحركة في بيان صادر عنها إثر اجتماع مكتبها التنفيذي برئاسة راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب المجمد أن ما حدث هو انقلاب سافر على الشرعية الديمقراطية وعلى مبادئ الثورة التونسية وقيمها.
واعتبر القيادي في حركة النهضة فتحي العيادي أن "حركة النهضة تتفق مع الطيف السياسي الواسع في تونس الذي عبّر عن موقفه بأن ما أقدم عليه قيس سعيّد هو انقلاب بالفعل على الدستور وعلى الشرعية".
وأكّد العيادي في حديث لـ"عربي بوست" عن وجود اتصالات بعدد من الأطراف السياسية في البلاد والشخصيات الوطنية التي تعمل على استعادة المسار الديمقراطي في البلاد من أجل إنقاذ تونس وتجربتها.
وأضاف القيادي في النهضة أن حزبه يساند كل الأشكال النضالية السلمية المشروعة من أجل إخراج البلاد من أزمتها وفي مقدمتها النزول والاحتجاج في الشارع، ومن بينها الدعوات للنزول للاحتجاج في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس.
في الجهة المقابلة، عبّر الحزب الدستوري الحر في بيان صادر عنه مساء 25 أيلول/سبتمبر الجاري، عن رفضه لمحتوى الأمر الرئاسي، مندداً بما جاء فيه من تكريس الحكم الفردي المطلق الذي ينسف مفهوم الجمهورية، ويؤسس لنظام حكم يقوم على "البيعة" للحاكم بأمره وتفويضه للتصرف في رقاب العباد، وإدارة كافة شؤون البلاد ويتقاطع مع توجهات التنظيمات الظلامية غير المؤمّنة بدولة القانون والمؤسسات والداعية لإرساء "دولة الخلافة"، بحسب البيان.
وسبق أن نشرت رئيسة الحزب عبير موسي تدوينة على صفحتها الرسمية قالت من خلالها إنها وحزبها نصحت قيس سعيّد بترتيب الأولويات، وعرضنا عليه تسهيل حل البرلمان، والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة، وإرساء برلمان جديد، فحبذ مصادرة سيادة الشعب وحقه في التعبير عن رأيه عبر الصندوق، ولجم صوته، ونصب نفسه حاكماً ومشرعاً، وترك المجلس معلقاً إلى أجل غير مسمى.