ما زالت المجموعات المسلحة الممولة في طرابلس من قوى خارجية وغير منضوية تحت المنظومة العسكرية والأمنية الرسمية في ليبيا، تهدد السلم الاجتماعي والأهلي، وتشكل نقطة عائق في أي تسوية سياسية يصل إليها المجتمع الدولي والأطراف المحلية.
اشتباكات طرابلس
اندلعت الجمعة 3 سبتمبر/أيلول 2021 اشتباكات مسلحة عنيفة بين "قوة دعم الاستقرار" التي شُكلت بقرار من رئيس المجلس الرئاسي السابق فائز السراج قبل تسليمه السلطة للمجلس الرئاسي الجديد "واللواء 444 قتال" التابع لرئاسة الأركان بمنطقة صلاح الدين في طرابلس، والذي شكل عقب تولي حكومة الوحدة الوطنية السلطة في البلاد.
وذكر شهود عيان لـ"عربي بوست" أن دوي الانفجارات وإطلاق النار بالأسلحة المتوسطة والخفيفة سُمع بمحيط معسكر التكبالي بمنطقة صلاح الدين جنوب العاصمة طرابلس.
ونشرت على منصات التواصل تسجيلات فيديو تظهر أصوات الاشتباكات كما أظهرت عناصر من قوة دعم الاستقرار جرى أسرهم وتقييدهم من قبل عناصر "اللواء 444".
وقال آمر منطقة طرابلس العسكرية التابع لحكومة الوحدة الوطنية، اللواء ركن، عبد الباسط مروان، إن ما حدث داخل المنطقة العسكرية اليوم الجمعة، هو تصحيح لمسار "اللواء 444 قتال"، بعد ملاحظة انحراف اللواء وعدم امتثاله للأوامر العسكرية، مؤكداً تحمله مسؤولية الأمر.
وفي كلمة مسجلة نفى آمر منطقة طرابلس العسكرية وجود أي علاقة للأجهزة الأمنية داخل العاصمة بما حدث، بل إنه كلف سرية الإنذار بالسيطرة على مخازن سلاح اللواء.
وقال المتحدث: رصدنا حضور قائد اللواء المقدم محمود حمزة اجتماعات غير مسموح له بها، إضافة إلى عدم وجود ذمة أو دليل مالي لأفراد اللواء، بل هم بالكامل تابعون للشعب المالية لمنطقة طرابلس العسكرية.
وأضاف: "تفاجأنا بفتح حساب للواء، وضُخ له أموال بلغت عشرة ملايين دينار، وراسلنا مصرف ليبيا المركزي لإيقاف الحساب، لكن لم ينفع ذلك لأن الأموال سحبت".
تبادل الاتهامات
أعلن اللواء 444 قتال في بيان له نشره السبت 4 سبتمبر/أيلول 2021، عن "امتثاله لأوامرِ القائد الأعلى للجيش ورئيس الأركان ووزير الدفاع، بالالتزام بوقف إطلاق النار بعد تمكّنه صباح يوم الجمعة، من صدّ هجومٍ غادرٍ أقدمت عليه مجموعة من الخارجين عن القانون في محاولة منهم لتنفيذ أجندة خارجيّة خبيثة"، حسب وصفه.
وأبدى اللواء في بيانه استغرابه من تصريحات آمر المنطقة العسكريّة طرابلس عبد الباسط مروان، التي اتهم فيها اللواء 444 بتلقي تمويل مالي مجهول المصدر، مطالباً إياه بمراجعة وزارة الدفاع التي صرفت القيمة المالية بشكل قانوني وبمسارٍ إداري اعتيادي لا يشوبه أيّ خلل.
كما استغرب البيان تصريحات آمر المنطقة العسكرية طرابلس التي اعتبر فيها انحراف اللواء 444 عن مساره، رغم اعتماده تخريج دفعة من المنتسبين للواء في معسكر التكبالي في ذات يوم التصريحات.
وأضاف اللواء 444 قتال أن اتهام عناصر اللّواء بهذا الشكل أمر غير مهني، ويسيء إلى الجيش الليبي الذي اتسم ضباطه بمهنية عالية ومهارة نوعية وقدرة فريدة على بسط الأمن والتّصدي للمجرمين، ومكافحة الجريمة بكافّة أشكالها في كل المواقع التي تولّوها.
كما أكد اللواء بدأه في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الكاملة ضد المجرمين، بما يضمن محاسبة وملاحقة كل المتورطين في إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار.
وحذر البيان ممن سماهم "العابثين" من ارتكاب أي تجاوزات، مؤكداً تمسّكه الكامل بحق الدفاع عن النفس والتعامل بحزم وقوة شديدَين مع كل من يمتهن الإجرام ويعرّض حياة وأمن المواطنين للخطر، مشيراً إلى أن هذه المحاولات لن تمنعه من الاستمرار في واجباته تجاه الوطن.
إجراءات حكومية
وعقب تبادل الاتهامات بين آمر المنطقة العسكرية طرابلس اللواء عبد الباسط مروان واللواء 444 قتال طالب المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش المجموعات المشتبكة بالعودة إلى ثكناتها فوراً؛ مطالباً باتخاذ إجراءات بحق آمريها والتحقيق في الموضوع من قبل رئاسة الأركان والمدعي العام العسكري، وذلك في بيان نشره عبر الصفحة الرسمية للرئيس محمد المنفي.
وبصفته وزيراً للدفاع عقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية وزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة مساء السبت 4 سبتمبر/أيلول 2021، جلسة مساءلة بشأن الأحداث التي جرت بمنطقة طرابلس العسكرية فجر الجمعة، بحضور عدد من الجهات التي تمت دعوتها من قبله.
وبحسب ما أفاده المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، فقد قدم كل من مدير إدارة الاستخبارات العسكرية ورئيس الأركان العامة المكلف، تقريراً تفصيلياً بشأن الواقعة.
من جانبه، أكد وزير الدفاع أن هذه الأعمال مرفوضة ولا بد من معاقبة من ساهم في ارتكابها، حيث أصدر تعليماته للمكلفين من قبل القائد الأعلى باستكمال التحقيق والخروج بالنتائج بشكل واضح لاتخاذ القرارات اللازمة بالخصوص، بالإضافة إلى تكليف رئاسة الأركان بتشكيل لجنة تقصي حقائق على أن تقدم نتائجها خلال أسبوع.
وكما أصدر رئيس الحكومة تعليماته بضرورة استكمال الهيكلية الإدارية والفنية لرئاسة الأركان والجهات التابعة، والتي من خلالها يتم الحفاظ على التسلسل العسكري.
من يقف خلف الاشتباكات في طرابلس؟
يقول مصدر عسكري رفيع المستوى بحكومة الوحدة الوطنية لـ"عربي بوست" إن ما تشهده العاصمة طرابلس هو نتاج تحرك مخابرات دولية وإقليمية في طرابلس ومصراته والزاوية.
واتهم المصدر مخابرات كل من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا بزعزعة أمن العاصمة وإفشال اتفاق وقف إطلاق النار عن طريق آمرين وقادة ميليشيات ليبيين في غرب وجنوب ليبيا بحجة إنهاء التواجد العسكري التركي، مشيراً إلى أن اشتباكات صلاح الدين سبقتها اشتباكات في شارع الجمهورية بطرابلس وقبلها اشتباكات في الجفرة بمدينة سوكنة.
ونوه المصدر إلى أن الإجراءات الحكومية ما زالت ضعيفة حيال هذه المجموعات وأنه ما لم يتم تطبيق القوانين العسكرية الصارمة ضد المجموعات المسلحة وقادتها من خلال إدماجها في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وعدم السماح للعسكريين بالتواصل مع الدول الأجنبية سواء من سفراء أو شخصيات عامة، وإنهاء تواجد المرتزقة داخل ليبيا فإن الأوضاع تسير للأسوأ.
واعتبر المصدر أن اشتباكات صلاح الدين التي حدثت بين جهاز دعم الاستقرار ولواء 444 قتال هو خرق أمني خطير يوحي بضبابية في المشهد العسكري، وأنه لا يوجد من يحكم في كل هذه الأجهزة.
قلق أممي
دعت البعثة إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، مناشدة جميع الأطراف ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
وذكّرت البعثة جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني لضمان حماية المدنيين والمنشآت المدنية، داعية السلطات ذات الصلة كافة إلى تحمل مسؤولياتها في ضمان حماية المدنيين وفي ممارسة السيطرة على الوحدات التابعة لها، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرار رقم 2570، بما في ذلك من خلال الشروع بشكل شامل ومفصل في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح قطاع الأمن بهدف وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة.
ومع عدم تقدم مناقشة ملف الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2021 القادم في إطار ملتقى الحوار السياسي تظل المخاوف قائمة بانتكاسة الوضع الأمني الداخلي بسبب تعثر الوصول إلى توافقات بشأن اعتماد القاعدة الدستورية، فتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية استكمال مسار المصالحة تحديات داخلية كبرى بات من غير الممكن معالجته بمعزل عن الخلافات الدولية والإقليمية بشأن الملف الليبي.