ينتظر اللبنانيون خط سير ناقلات النفط الآتية من إيران إلى حزب الله في لبنان، بهدف ما سمتها رفع الحصار الاقتصادي الذي يستهدف لبنان من الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن لبنان يشهد منذ فترة أزمة نفاد المحروقات، بعد إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم قدرة المصرف المركزي بالإبقاء على الدعم المخصص للوقود، الأمر الذي سبَّب أزمة يعاني منها اللبنانيون في الكهرباء، بالإضافة لتعطل حركة النقل البري.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية غربية مطلعة، أكدت لـ"عربي بوست" أن إيران وحزب الله اتخذا قرارها بأن ترسو الباخرة في ميناء بانياس السوري، وإدخال المواد النفطية إلى لبنان برّاً، من حزب الله والجيش السوري، وذلك في محاولة للالتفاف على احتمالية العقوبات على لبنان، بسبب استيراد النفط الإيراني.
تؤكد مصادر مقرّبة من حزب الله أن الأخير أعلن عن استمارات خاصة لمن يطلبون المازوت، وسيتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق الواتساب.
حيث جاء فيها: لمن يهمه الأمر، من المؤسسات الاجتماعية والزراعية والغذائية التي تحتاج مادة المازوت، حدّدت المؤسسات المستهدفة وهي: أفران الخبز، المنشآت والمصانع الغذائية، دور العجزة، والمراكز الصحية، وحضانات الأطفال، وآبار المياه، ومصانع الأدوات الطبية وأمصال، والمطاحن، والبساتين الزراعية، ومراكز ذوي الحاجات الخاصة، ودور الأيتام، أنه سيتم تزويد المؤسسات بمادة المازوت بشكل تدريجي في إطار مواجهة الأزمة الخانقة بشكل مجاني.
عقوبات تسابق البواخر
سياسياً تزامن الحديث عن قرب دخول مواد الباخرة الإيرانية المحملة للنفط، مع إعلان وفد من الكونغرس الأمريكي زار لبنان، أن واشنطن تسعى مع دول عربية لحل أزمة المحروقات في لبنان، وأنه لا داعي لاستيراد النفط الإيراني.
وعليه يؤكد الدكتور بول مرقص، الخبير بالقانون الدولي، أن استيراد المحروقات من إيران من دون الحصول على إعفاء خاص من وزارة الخزانة الأمريكية، قد يضع البلاد تحت خطر العقوبات الأمريكية. وهذا الأمر قد ينعكس مباشرة على حركة التحويلات والاعتمادات المالية والشحن من لبنان وإليه، وقد تمتنِع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية المراسلة عن التعاون معه، في حال خَرق هذه العقوبات.
ويرى مرقص أنّ هناك إمكانية للقيام بهذا الاستيراد إذا حصل لبنان على إعفاء خاص من هذه العقوبات، وذلك عبر تقديم الدولة اللبنانية طلب إعفاء أو استثناء من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، حيث ينبغي أن يتضمّن تبريراً مقنعاً معطوفاً على تعليل عن الحاجة الحيوية للدولة اللبنانية لهذه الخدمات، وإن كان من الصعب أن تعطي الولايات المتحدة الأمريكية هذه الإجازة.
هل البواخر رفعت الحصار الأمريكي؟
يفيد مصدر مقرّب من حزب الله لـ"عربي بوست"، أنّ استقدام الحزب لهذه البواخر الأربع من إيران، عبر تصريح علني من أمين عامه حسن نصرالله، ساهم في إعلان الولايات المتحدة على لسان سفيرتها في بيروت دورثي شيا، ومن ثم وفد الكونغرس الأمريكي عن السعي لاستقدام غاز من مصر عبر الأردن وسوريا لتشغيل معامل الكهرباء، وانطلاقاً من هنا ينوّه المصدر بأن الإدارة الأمريكية سمحت بمرور الغاز المصري عبر سوريا، متغاضية عن العقوبات المتمثّلة بقانون قيصر، لذا يعتبر المصدر أن هذه الخطوة قد تصبّ في مصلحة لبنان، وترفع الحصار المفروض على سوريا.
ويشير المصدر نفسه إلى أن حزب الله سيعتمد على تغطية مناطق البقاع، والجنوب، والضاحية الجنوبية لبيروت، وبهذا تكون هذه البواخر أسهمت في تخفيف الضغط عن الدولة اللبنانية، إذ ستغطي هذه البواخر ما يقارب أكثر من 65% من الأراضي اللبنانية.
ويتابع بالقوْل إن المحروقات ستوزّع على المستشفيات والأفران بشكل مجّاني، وستعطى أصحاب المولّدات التي تغذي البيوت والمتاجر في بعض المناطق على السعر الرسمي، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، حيث أتمّ في الأسابيع الأخيرة جرد حساب وجمع بيانات لهذه المناطق وقاطنيها.
هل البواخر انتخابية أم حضور إقليمي؟
فيما تقترب الانتخابات النيابية في لبنان، بعد أن حدَّدت وزارة الداخلية والبلديات يوم 8 مايو/أيار 2022 يوماً لهذه الانتخابات لمن هم داخل الأراضي اللبنانية.
لذا تسعى الأحزاب إلى شدّ العصب الجماهيري بعدما خسرت حضورها نتيجة الأزمة التي يمرّ بها لبنان، وخصوصاً بعد ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وانفجار مرفأ بيروت في الرّابع من أغسطس/آب العام الماضي.
لكن المصدر المقرّب من حزب الله يعتبر أن الحزب بغنى عن المال والخدمات الانتخابية، لأن العلاقة بين الجمهور والحزب تنطلق من التضحيات والدماء والفداء للمقاومة، بالإضافة إلى القناعات الأيديولوجية، لذا يعتبر المصدر أن استجرار البواخر يُسهم في تعزيز وجود الحزب الإقليمي، من خلال كسر سطوة واشنطن إقليميّا في المنطقة وفي لبنان، إذ لم يعد يعتمد على الولايات المتحدة بشكل كامل.
ومع ذلك، يعتقد المصدر أن من الممكن لهذه البواخر أن تكون ورقة رابحة لحزب الله في الانتخابات النيابية القادمة، مؤكّداً أن الحزب لا يطمح إلى الدعاية الانتخابية من خلال البواخر الإيرانية المحمّلة بالنفط.
لكن المصدر الدبلوماسي الغربي يعتقد أن حزب الله يمارس هذا النوع من التحدي للمجتمع الدولي لمجموعة أهداف، أهمها شعوره باختناق بيئته والبيئات المحيطة، في المقابل باتت تحمله المسؤولية عن تردّي الأوضاع والانهيار والعلاقات السيئة مع المحيط، لذا فإنه مضطر للظهور بصورة المنقذ، وخاصة قبيل الانتخابات البرلمانية التي قد تجري ربيع العام القادم، وسيكون الملف المعيشي والوضع الاقتصادي عنواناً للقوى المتراجعة في السياسة.
الضربة الإسرائيلية
مع استقدام هذه البواخر، توقّع المحلّلون السياسيون ضربة إسرائيلية مع مرورها عبر قناة السويس، إلا أن هذا لم يحدث مع تخطّي باخرتين للقناة. يشير المصدر أن الضربة مستبعدة، لأن إسرائيل، بحسب قوله، تعلم أن الرّد سيكون بالمثل، وخير دليل على ذلك آخر أحداث منطقة شويّا، عندما ضربت إسرائيل مناطق خالية ورد حزب الله على مواقع خالية أيضاً.
لذا يعتبر المصدر أنه إذا حاولت إسرائيل ضرب البواخر أو الأنابيب التي تنقل المواد النفطية فسيكون الرّد بضرب شيء مماثل على المستوطنات الإسرائيلية كشركة الكهرباء أو أنابيب نفطية أيضاً. ويضيف المصدر أنه لا شيء يساهم في توقيف صفقة البواخر سوى الولايات المتّحدة الأمريكية، في حال قرَّرت استقدام بواخر من تلقاء نفسها، وسمحت لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بفتح الاعتمادات لناقلات نفط جديدة.
وعمّا إذا كان حزب الله سيستقدم المزيد من البواخر النفطية الإيرانية، أوضح المصدر أن لا شيء محسوماً حتى الساعة، فكل شيء رهن كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية مع موضوع رفع الحصار عن لبنان، مشدّداً على أن هذا الشيء الوحيد الذي قد يوقّف البواخر الإيرانية.
خريطة عمل واستمرار حتى تفاهم مع واشنطن
وعليه، يتوافق المختص في الشؤون الاقتصادية الدكتور زياد ناصر الدين -مقرب من حزب الله- مع المصدر، أن قدوم هذه البواخر سيساعد في رفع الحصار عن لبنان بسبب تعزيز التنافس في سوق المحروقات.
يسرد ناصر الدين لـ"عربي بوست"، أن لبنان يحتاج إلى قرابة 5 مليارات دولار أمريكي من أجل استيراد المحروقات سنوياً، وبالتالي أي دولة ستقدّم المساعدات العينية للدولة اللبنانية (بعيداً عن المساعدات المالية) ستوفّر على الدولة قرابة 60%، وتكفّ يد الدولة عن السرقة.
وأضاف أن المساعدات العينية، وفي هذه الحالة هي المحروقات، من الممكن أن تخفّض سعر صرف الدولار من 18 ألف ليرة إلى 8 آلاف ليرة، شرط استمرار هذه الحركة في سوق المحروقات وحصول التنافس في هذا السوق.
وعن استقدام حزب الله لمزيد من البواخر، أكد ناصر الدين على أن الحصار إذا كان سيستمر "فسيُفاجأ الأمريكيون بأن هذه البواخر ستكون بشكل دوري وباستمرار، إلا إذا رفع الحصار". مشيراً إلى أن الضربة الإسرائيلية لن تجدي نفعاً، لأن فكّ الحصار هو الحل الوحيد.
وهذه المواد ستوزّع على 198 محطّة داخل الأراضي اللبنانية، باستثناء المحطات الكبيرة مثل توتال وغيرها، التي تخشى العقوبات الأمريكية، أما عن السعر فاكتفى ناصرالدين بالقول إنّ الأسعار ستكون مناسبة لواقع الشعب اللبناني.
يختم ناصر الدين بالقول إن دولاً عدة عرضت حل ملف الكهرباء والنفط في لبنان، ومن بينها دولة قطر، لكن بعض القوى ولحسابات إقليمية لم يسمحوا بذلك، وهذا يُثبت أن المشكلة هي بالدولة التي تسعى للحل.
المعارضة: حزب الله يصادر قرار لبنان
فيما اعتبر رئيس حزب الكتائب، النائب المستقيل من البرلمان سامي الجميل، أن حزب الله يسير في عملية تدريجية وسطو كامل على لبنان وشعبه ومؤسساته واقتصاده، وهو مستمر في عملية وضع اليد، ويحاول الحزب جرّ لبنان بأسره إلى المحور الذي ينتمي إليه، وأن يكون لبنان كسوريا وإيران في محور واحد بوجه العالم والشرعية الدولية، ويصبح بالتالي الشعب اللبناني تحت سيف العقوبات الذي تتعرّض له دول ما يسمى بالممانعة.
ورأى الجميل أن حزب الله يصوّر نفسه على أنه المنقذ في وقت هو المسؤول عن هذه المأساة وما وصل إليه البلد، إلى جانب المافيا السياسية التي يتعاون معها، والمكوّنة من كل المنظومة التي أوصلتنا إلى هذا المكان، وهو يحاول وضع لبنان بموقع الحاجة إلى رعاية، وبما أن لبنان معزول على كل الأصعدة فإن إيران تطرح نفسها كمنقذ وراعٍ له.
وبحسب الجميّل فإن المنطق الذي يبشّر به نصر الله في كل مداخلاته، بأن المجتمع الدولي يعزل لبنان، فيما تنقذه إيران، غير صحيح، لأن من يعزل لبنان هو حزب الله، الذي وضع البلد بحالة صراع مع العالم العربي والشرعية الدولية، فإذا استقبل لبنان النفط الإيراني فسيدفع حسب القوانين الدولية والعقوبات الأمريكية الثمن بالعقوبات.
الغاز المصري.. هل يطبّع لبنان مع نظام الأسد؟
لكن في مقابل صهاريج وبواخر إيران النفطية يؤكد المصدر الدبلوماسي الغربي أن واشنطن منحت لبنان والأردن ومصر موافقتها لتمرير الغاز والكهرباء عبر سوريا. وأصبحت متوفرة مقومات الاستثناء من قانون قيصر، لذا سيزور وفد وزاري لبناني السبت دمشق، في أول زيارة رسمية حكومية رفيعة المستوى إلى سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، بهدف بحث استجرار الطاقة والغاز من مصر والأردن عبر سوريا.
يتألف الوفد من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، ووزير المالية غازي وزني، ووزير الطاقة ريمون غجر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وهنا يؤكد المحلل السياسي منير الربيع أن حزب الله حسم مسألة باخرة النفط الإيراني، حيث ترسو على الساحل السوري. ويستعد لاستقدام المزيد من البواخر المحملة بالمحروقات.
في المقابل، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على توفير مقومات استيراد لبنان الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، وتبحث واشنطن في آلية منح لبنان إعفاءات من عقوبات قانون قيصر، لكن الربيع يرى أن شبكة الكهرباء الأردنية التي تنوي واشنطن وصل لبنان بها تمر عبر درعا، التي تشهد أحداثاً دامية بين النظام والمعارضة، وهذا يحتاج بلا شك إلى إنتاج تفاهم إقليمي-دولي، حول الوضع في محافظة درعا، وتفاهم يشترك فيه الأمريكي والروسي والإيراني. فيما محاولات تسوية الوضع في درعا لم تنجح حتى الآن، واستعاد النظام السوري التصعيد العسكري مدعوماً من روسيا وإيران.
لذا تكون درعا أمام احتمال من اثنين: إما اتفاق على تهجير مقاتليها إلى إدلب في إطار تسوية، وإما تصعيد عسكري ومحاصرة أولئك المقاتلين لإخراجهم من المحافظة. وهذا يؤدي إلى تسجيل النظام السوري انتصاراً جديداً.