بينما كان آلاف الأفغان يحتشدون أمام البوابات المؤدية إلى مطار كابول الدولي، الخميس 26 أغسطس/آب 2021، للخروج من البلاد التي أصبحت تحت سيطرة طالبان، فجأة فجَّر انتحاري حزامه الناسف، قبل أن يتبع ذلك انفجار ثان في فندق البارون القريب، ثم إطلاق نار.
وكانت حصيلة القتلى المدنيين في هجوم كابول ارتفعت إلى ما لا يقل عن 72، وفقاً لمسؤول من طالبان ومصدر بمستشفى في العاصمة الأفغانية كابول الجمعة 27 أغسطس/آب، في حين أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، كينيث ماكينزي، "مقتل 13 من القوات الأمريكية، وإصابة 15 آخرين" في الهجوم.
قال شاهد عيان أفغاني كان معه زوجته وأفراد أسرته الآخرون في انتظار رحلة الإجلاء لصحيفة The Washington Post الأمريكية: "احترق الناس أحياءً، واختنق آخرون لعجزهم عن التنفس". وقال رجل أفغاني آخر، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن "جثث الموتى كانت في كل مكان. رأيت امرأة مضرجة بالدماء، ملفوفة في بطانية غطتها الدماء".
هجمات دموية تستهدف الجميع
بحلول الليل، انكشف هول المذبحة بالنسبة إلى الأمريكيين، إذ قتل ما لا يقل عن 13 جندياً أمريكياً وأصيب 18 آخرون، في إحدى أشد الهجمات دموية على الجنود الأمريكيين في العقدين الماضيين من الصراع في أفغانستان وأول قتلى عسكريين أمريكيين هناك منذ فبراير/شباط 2020.
مع ذلك، ظل العدد الإجمالي للضحايا في تفجيرات مطار كابول غير مؤكد حتى صباح الجمعة 27 أغسطس/آب. وقال شخص مطلع على الأمر، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن 112 شخصاً قُتلوا وأصيب 111 شخصاً آخرون.
كما أشار إلى أنه من المتوقع أن يرتفع عدد القتلى لأن عمال الإسعاف عجزوا عن الوصول إلى الجثث الأقرب من المطار.
مقبرة جماعية تحت الأرض
في غضون ثوان من انفجار الخميس، تحولت إحدى قنوات الصرف الصحي التي تسرب الدفق منها تحت تأثير الانفجار في مطار كابول الدولي إلى مقبرة جماعية، وفقاً لمقطع فيديو انتشر انتشاراً واسعاً.
في أحد الأقسام، رقدت أجساد الضحايا المنكفئة، معظمها لشبان، مكدسة فوق بعضها، وبعض الوجوه مجمدة تحت وطأة ما شهدته من ألم.
في قسم آخر، غمر الماء عدداً من الجثث. ووقف رجل يحاول التقاط شاب فاقد الوعي. وفي الجوار، انهمك في مساعدة الجرحى، الملطخة وجوههم بالدماء، ناجون آخرون غطتهم دماء وأشلاء غيرهم.
أظهرت مقاطع فيديو وصور منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي بعض ضحايا تفجيرات مطار كابول وهم محمولون على عربات يد ويُنقلون إلى أقسام الطوارئ، التي كانت ممتلئة بالفعل بالمرضى، حيث تجمعت الحشود لمعرفة مصير أحبائهم.
البحث عن مأوى هرباً من الموت
قالت روزيلا ميكسيو، رئيسة منظمة "طوارئ" Emergency غير الحكومية المعنية بمساعدة ضحايا الحروب، إن "مستشفى المنظمة في كابول كان ممتلئاً بنحو 80% من سعته قبل التفجيرات. الآن أضفنا أسرّة إضافية لاستقبال الجرحى القادمين من المطار في ظروف تهدد حياتهم".
في بيان منفصل، نقلت المنظمة عن منسق طبي في مستشفاها بالعاصمة الأفغانية وصفَه للمشاهد التي شاهدها هناك، وقال المنسق، المعروف باسم ألبرتو: "أولئك الذين وصلوا كانوا عاجزين عن الكلام، وأكثرهم مذعورون، وأعينهم محملقة في الفراغ، فيما تحدق نظراتهم في اللاشيء".
بعد انفجارات مطار كابول، سارع مئات الأفغان بحثاً عن أي ركن للاحتماء. ويروي أحد الرجال: "هرع الناس إلى أحد الحواجز العسكرية الواقية، في محاولة لتسلقه هرباً من الانفجار". وقال إنه وزوجته وجدا نفسيهما في مجمع تقوده القوات البريطانية التي أمرتهما وآخرين بالجلوس.
قال الرجل، الذي تحدث من داخل المجمع، إن نحو 600 شخص لجأوا إلى المأوى، حيث "الأنوار مطفأة، ولا يُسمح لنا بالخروج، ولا يمكننا حتى الوقوف. وما زلنا ننتظر العودة إلى ديارنا".
"أمريكا السبب"
من جهة أخرى، ألقى بعض الناجين من انفجار مطار كابول باللوم على الجيش الأمريكي في الدماء التي أُريقت، وقال أحد الأفغان في المطار: "لقد ضقت ذرعاً بكل شيء. لماذا تعلن أمريكا إجلاء الناس ثم تتركهم عرضة للقتل؟".
كان مئات من قوات الأمن الأفغانية بين الحشود التي تجمعت بالقرب من البوابة قبل وقوع الانفجار، بحسب مسؤول أفغاني سابق على اتصال بالمجموعة تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خشية الاستهداف.
وُعد هؤلاء الجنود، وكثير منهم كانوا مسافرين مع عائلاتهم، بالسماح لهم بالمرور إلى الجانب العسكري من مطار كابول يوم الخميس، ثم الانتقال إلى رحلات الإجلاء من أفغانستان. وقد كانوا ينتظرون الإشارة للمضي قدماً عندما وقع الهجوم.
بينما كشف مسؤول سابق آخر أن من بين قتلى تفجيرات مطار كابول أربعة على الأقل من قوات النخبة الأفغانية. ونُقل آخرون إلى مستشفى قريب لتلقي العلاج، لكن المصدر قال إن عددهم لم يتضح بعد.
كما تخشى قوات الأمن الأفغانية الخاصة، التي دربها الأمريكيون وقاتلت إلى جانبهم قتالاً وثيقاً، أنها معرضة أكثر من غيرها لخطر هجمات طالبان الانتقامية، ليس فقط لعلاقاتهم الوثيقة بالولايات المتحدة، لكن أيضاً بسبب مشاركتهم في المداهمات الليلية والاستجوابات والاعتقالات لمقاتلي طالبان وغيرهم.