بحثاً عن حياة ومستقبل أفضل لا تنكفئ محاولات آلاف الأردنيين عن الهجرة من البلاد بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، والتي دفعت كثيرين معظهم في سن الشباب إلى التفكير بالهجرة والتزاحم في طوابير على أبواب السفارات الأجنبية؛ أملاً بمستقبل أفضل في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها الأردن.
يحاول المهاجرون إيجاد سبل العيش بلا جدوى، فوظيفة واحدة لم تعد كافية لتساعد أسرة كاملة على أعباء الحياة.
الشاب الأردني علي الحروب درس ماجستير محاسبة في إحدى الجامعات الأردنية وتقطعت به السبل في الأردن لإيجاد وظيفة له في مجال تخصصه، عمل بعد تخرجه في معرض لبيع مطابخ الألومنيوم لأكثر من 3 سنوات، في تلك الفترة كان يسعى للهجرة بعد تزايد أعباء الحياة عليه خصوصاً بعد زواجه وإنجابه طفلين، لم يستطِع الحروب براتبه الذي لا يتجاوز 350 ديناراً الإيفاء بالتزاماته؛ الأمر الذي دفعه إلى التفكير بشكل جدي لمغادرة البلاد.
لجأ إلى العديد من المكاتب وتقدّم للحصول على التأشيرات وبالفعل كان له ذلك، تمكن من السفر إلى أمريكا عبر تأشيرة سياحية، وبعد أكثر من 4 أشهر تمكّن من الحصول على التأشيرة وغادر على إثرها البلاد ليعمل في أحد المطاعم للوجبات السريعة محاسباً بحكم أنّه يحمل شهادة الماجستير في المحاسبة.
حلم الحروب بالوصول إلى أمريكا تترجم بعد أن تعرض لعمليات احتيال ونصب من قبل مكاتب في الأردن كانت تدعي أنّها تسهل الحصول على هجرة إلى كندا وأستراليا .
مؤكداً أنّ هذا الشرط كان أصعبها، ضمن الشروط التي تشترطها السفارة الأمريكية لضمان الحصول على تأشيرة باعتبار أنّها تثبت أن الشخص المتقدّم للحصول على التأشيرة لديه القدرة المالية ومصدر دخل، الأمر الذي يقنع موظفي ومستشاري السفارة الأمريكية بأنّ المتقدم على التأشيرة صاحب أهلية وقدرة كافية.
مكاتب تبيع للشباب وهم الهجرة
تواصل مراسل "عربي بوست" مع أحد المكاتب المتخصصة في استخراج التأشيرات، على اعتبار أنّه شخص يرغب بالهجرة، توجه بعدة تساؤلات عن الطريقة الأفضل والأمثل للهجرة لكندا، فأجاب أنّ هناك طريقتين يقدمهما المكتب لزبائنه وعملائه، ويعمل عليهما بشكل دائم، الأولى تتمثل في هجرة الكفاءات والثانية اللجوء الإنساني، والطريقتان لديهما إجراءاتهما.
وعن طبيعة التكاليف أجاب أنّ هجرة الكفاءات إلى كندا تكلف 8000 دولار يتم استيفائها على ثلاث دفعات وتستغرق إجراءاتها الزمنية ما بين تسعة شهور كحد أدنى إلى سنتين كحد أقصى، أما تكاليف إجراءات هجرة اللجوء الإنساني إلى كندا فتكلف ما يقارب 5000 دولار ويستغرق إجراءات إنهاء المعاملة على الأقل 6 شهور وتمتد كحد أقصى إلى عام ونصف.
أكدت المؤسسة عبر مستشارها القانوني أنّ نسبة نجاح كلتا الطريقتين تصل إلى 90% بسبب ما اعتبره الخبرة التراكمية التي يمتلكها في هذا المجال.
الكفاءات الأردنية غير مستغلة ومهدرة
الكفاءات الأردنية باتت غير مستغلة وطاقاتها مهدرة، لذلك يلجأ كثير من الشباب الأردني إلى الهجرة الدائمة أو المؤقتة، بحسب المتاح أمامهم، هذا ما يذهب إليه الخبير الاقتصادي والسياسي الأردني د.باسل منصور، يقول إن الهجرة المؤقتة بالنسبة للشباب الأردني في دول الخليج عبر الحصول على فرصة عمل تغطي مصاريفه من مأكل ومشرب ومسكن، ليتحوّل المواطن الأردني إلى شخص مستهلك بعيداً عن وطنه وينتهي به الأمر إلى العودة إلى وطنه بعد سنوات بخفي حنين بعد أن أنهكته الغربة بدون الحصول على حق الجنسية في البلاد التي عمل فيها وقضى فيها نصف عمره وأكثر.
أما النوع الثاني من الهجرة فهو الهجرة الدائمة والتي باتت هي الخيار المفضل للكثير من الأردنيين بعد أن جرب مئات الآلاف من الأردنيين العمل في دول الخليج وانتهى بهم الأمر إلى العودة إلى وطنهم بعد أن استهلكوا طاقاتهم وأعمارهم في الغربة، وبالتالي فإنّ الشباب الأردني بحسب رؤية الخبير الاقتصادي باسل منصور، بات يفكر بالهجرة إلى أمريكا وكندا وأستراليا وأوروبا، ولا يفضل خيار الهجرة المؤقتة.
يقول منصور إنه عمد بعد تخرّج نجله الأكبر من الثانوية العامة إلى إرساله لدراسة الهندسة الميكانيكية في كندا على نفقته الخاصة، إيماناً منه أنّ الهجرة لأبنائه هي الخيار الأفضل والأكثر أماناً لهم بعد أن جرب معاناة الغربة في دولة الإمارات وعمل فيها خبيراً ومستشاراً اقتصادياً لعدد من الشركات قبل أن ينتهي به الحال بعد أكثر من عشرين عاماً للعودة مجدداً إلى وطنه الأردن.
وفي سياق متصل، يتحدث المواطن الأردني محمد بني حسن من مدينة المفرق- 47 عاماً- الذي يعمل مديراً لقسم البرمجة والحاسوب في إحدى الوزارات، مشيراً إلى أنّه تمكن قبل أكثر من ثلاث سنوات من الحصول على تأشيرة من السفارة الأمريكية لمدة خمس سنوات، لكنّ بسبب رفض الوزارة التي يعمل فيها منحه إجازة مفتوحة لمدة سنتين مُنع من السفر، ولا يريد خسارة وظيفته ويريد الاحتفاظ بها عبر السفر لأمريكا لتكون بمثابة التجربة له قبل أن يأخذ القرار النهائي بالاستقرار.
وعن السبب الحقيقي في تفكير محمد بالهجرة من الأردن على الرغم من أنّه يعمل في وظيفته لأكثر من 22 عاماً، يجيب قائلاً: "بسبب النهج الذي تسير عليه الحكومة سواء في الفساد والمحسوبية، أو عبر الغلاء المعيشي المستمر، بالإضافة إلى حالة التخبط في النهج السياسي والاقتصادي"، على حد تعبيره، منوهاً إلى إصراره على الهجرة بعد انتهاء فترة خدمته في الوزارة التي يعمل فيها، حيث سيلجأ لبيع جميع أملاكه في البلاد من عقارات وأراض وأنشطة تجارية بحكم أنّ لديه أعمالاً حرة بجانب عمله الحكومي، حيث وضع هولندا وفرنسا خيارين خلال السنتين القادمتين باعتبار أنّ بيئة الاستثمار في الأردن، على حد قوله، باتت بيئة طاردة.
على خلفيات سياسية اضطروا لترك البلاد
شباب لا يزالون يحلمون بالهجرة لأسباب اقتصادية وعدد آخر لأسباب سياسية غادروا البلاد بحكم التضييق والتهميش في الحقوق المدنية، وهذا ما يتمثل في عشرات الناشطين السياسيين الذي نجح عدد محدود منهم بمغادرة البلاد، فيما يصارع الآخرون البقاء في الداخل الأردني منتظرين أي فرصة أمامهم لاستغلالها.
الشاب الأردني رحال الصبيحات تمكن من الوصول إلى فرنسا بعد معاناة طويلة، اضطر للخروج من البلاد بسبب الملاحقة القضائية؛ على خلفية النشاط السياسي الذي يقوم به، كان من المشاركين باستمرار في الاعتصامات ويعمل على تنظيمها، بالإضافة إلى آرائه السياسية أيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي عرضه للاعتقال والتوقيف من السلطات الأردنية، وبعد اعتقاله خرج بكفالة وبقيت القضايا التي وجهت ضده منظورة أمام المحاكم.
يقول الصبيحات متحدثاً عن أسباب هجرته من الأردن: "كانت هناك تضييقات وطلبات للمراجعة بشكل دوري لبعض الأجهزة الأمنية، فقررت السفر إلى تركيا ريثما تهدأ الأوضاع وتنتهي المشكلة".
ويضيف قائلاً: "بقيت في تركيا منذ نهاية 2015 لغاية 2019، لكنّ تعقدت الأمور أكثر وتمّ إيقاف تجديد جواز سفري وأصبحت بلا إقامة قانونية بتركيا، بسبب عدم امتلاكي جواز سفر ساري المفعول، حينها تقدمت بطلب لجوء للسفارة الفرنسية التي بدورها قابلتني ومنحتني تأشيرة وورقة عبور مؤقت لأعبر من المطار، وعندما وصل للأراضي الفرنسية تقدمت بطلب لجوء بشكل رسمي".
يؤكدّ الصبيحات أنّ سبب هجرته من الأردن وتركه لموطنه، كان صدور حكم قضائي بالسجن لتسعة أعوام، وعلى إثره رفضت السلطات تجديد جواز سفره، ولم يبقَ لديه خيار آخر، إلا اللجوء وكان آخر خيار أجبر عليه.
رامي الزيود في منتصف الثلاثينات، حاول الهجرة لعدة مرات لكن محاولاته باءت بالفشل، مشيراً إلى أنّ غالبية الشباب الأردني بات يسعى للهجرة لتحسين أوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ويضيف قائلاً: "كلما جلست مع معارفي وأقاربي من الشباب الكل يطرح موضوع الهجرة ويسعى للسفر لتحسين أوضاعه، بسبب التضييق على أي شخص ينتقد النظام أو الحكومة، حيث يلاحق بعمله ورزقه ويضيق عليه".
ويسعى الزيود بجدية وبشكل دائم للهجرة سواء كانت قانونية أو غير شرعية، لكن على خلفية منعه من السفر من قبل السلطات بسبب نشاطاته السياسية فإنّ هذا الأمر حال بينه وبين السفر للخارج، مضيفاً في حديثه بالقول: "بمجرد وصولي للمطار سيتم اعتقالي وإيداعي في السجن، السلطات الأردنية حينما ينتهي جواز سفر أي مواطن أراد تجديده، فإن كان عليه قضايا سياسية تقوم المخابرات بمصادرة الجواز ولا تعيده للمواطن حتى مراجعتها".
ويمضي الزيود متحدثاً عن تجربته في الهجرة للخارج عبر التقدم إلى اللجوء السياسي قائلاً: "جربت التقديم للجوء السياسي إلى سفارات السويد والولايات المتحدة في الأردن عبر البريد الإلكتروني، لكن لا تستطيع سفارات تلك الدول الموافقة على طلب اللجوء ومساعدة الشخص من نفس البلد المتواجد فيه الشخص، وأبلغوني أنّه يجب الخروج من البلد وتقديم اللجوء من أي بلد آخر غير بلدي الأصلي".
المسيرات والاعتصامات سبب منعه..
استطلعت "عربي بوست" حالة أخرى كانت قد تعرضت للتضييق على خلفية نشاطات سياسية، محمود الخوالدة، هو الآخر كان أحد الناشطين المطالبين بمكافحة الفساد في الأردن، وكان يخرج من فترة لأخرى في مظاهرات ومسيرات واعتصامات في عمَّان والزرقاء، الأمر الذي أدى إلى إيقافه من السلطات الأمنية وأدى إلى فرض الإقامة الجبرية عليه لمدة 60 يوماً بعد التحقيق معه من قبل الأمن الوقائي، على حد قوله.
يضيف أنه وبعد انتهاء مدة الإقامة الجبرية، تمّ تحويل قضية الخوالدة إلى المحكمة وعقدت 36 جلسة قضائية استمرت لما يقارب السنة ونصف السنة، وبعد انتهاء الجلسات حُكم عليه حكماً مبدئياً يقضي بدفع غرامة مالية، لكنّ الخوالدة رفض الحكم ورفض دفع الغرامة، مما دفع القاضي لاستئناف القضية من جديد وتمّ تحويلها إلى الادعاء العام الذي عمد إلى توكيل قاضٍ آخر للبت في القضية والذي حكم بدوره عليه بإسقاط التهم.
حينها قرر الخوالدة السفر والخروج من البلاد، ولجأ لتقديم طلب تأشيرة لكل من السفارتين الأمريكية والهولندية لكن طلبه قوبل بالرفض، تمكن الخوالدة بعد عدة وساطات من رفع أمر منعه من السفر، ويعمل في الوقت الحالي على إحياء فكرة الهجرة والسفر بعد أن فقد الأمل في الحصول على وظيفة في الأردن وتجابهه مصاعب الحياة الاجتماعية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها كثير من المواطنين الأردنيين.