ما زالت شهادات بعض الجنود في الجيش الأفغاني تحاول أن تشرح هذا "السقوط المريع" للقوات الحكومية، رغم ما تمتعت به من تدريب ومعدات أمريكية، أمام "التقدم السريع" لحركة طالبان التي لم تواجه مقاومة جديدة في أغلب الأحيان خلال سيطرتها على معظم البلاد، وحتى مع دخولها العاصمة كابول.
محمود أفغان (26 عاماً) الذي خدم في الجيش الوطني الأفغاني لمدة خمس سنوات قال لصحيفة The Times البريطانية، الإثنين 23 أغسطس/آب 2021، إنه عرف أن الوقت قد حان لمغادرة أفغانستان حين رأى طالبان تتقدم دون مقاومة.
ويقيم أفغان الآن مع زملاء ثلاثة في منزل آمن في مدينة فان التركية القريبة من الحدود الإيرانية، وذلك بعد أن هاجروا تاركين أفغانستان مع تقدم حركة طالبان السريع.
يقول أفغان الذي عمل عن قرب مع القوات الخاصة الأمريكية: "كل شيء انهار، لم أكن أتخيل حتى أن هذا سيحدث".
كما أضاف: "كانت خدمتي في الجيش شرفاً لي، والجنود الأفغان العاديون كانوا على ما يرام، لكن كان واضحاً جداً أن الحكومة لا تدعم الجنود، وأن الرتب العليا تعقد بعض الصفقات".
من جانبه، فإن زميله أمين الله كوهي (21 عاماً) قد اتخذ قرار الفرار حين قُتل والده، الموظف الحكومي، في انفجار نفذته طالبان.
أما بالنسبة لعبد المتين نيوزي (17 عاماً)، وإسان الله أماركي (18 عاماً)، وكلاهما وُلد بعد الغزو الأمريكي، فلا يوجد حدث معين ولكنه شعورهما المتنامي بأن البلاد أصبحت مرة أخرى المكان المظلم الذي سمعا به.
استغلال لثغرات الحكومة
كانت صحيفة The Washington Post الأمريكية قد قالت الأسبوع الماضي إن دخول طالبان الخاطف للعاصمة كابول بعد سيطرتها السريعة على عدد من المدن الرئيسية خلال أيام، جاء نتيجة جهد بذلته الحركة لاحتواء عناصر الأمن الحكومي والجيش الأفغاني الذين عانوا الفقر لقلة اهتمام القيادة السياسية بهم.
حيث رصدت الصحيفة الأمريكية أسباب هذا "الانهيار المذهل" للجيش الأفغاني، والذي فتح الطريق أمام مقاتلي طالبان للدخول إلى العاصمة الأفغانية على الرغم مما أنفقته الولايات المتحدة على مدار 20 عاماً من تدريب ومليارات الدولارات من الدعم بمختلف أنواعه، والتي كان من بينها حالات فرار جماعي أو عدم مقاومة بأوامر عليا.
شهادات حية نقلتها الصحيفة، تثبت أن القوات الأفغانية في مواقع مختلفة تلقت أوامر من قيادات أعلى بعدم المقاومة، حيث قال ضابط من القوات الخاصة الأفغانية التي كانت متمركزة في قندهار، والمكلفة بحماية معبر حدودي مهم، إن أحد قادته هو من أمره بالاستسلام.
وروى الضابط في وقت لاحق أن قائد الوحدة قال لهم: "لا تطلقوا رصاصة واحدة". وكانت شرطة الحدود استسلمت على الفور، تاركةً وحدة القوات الخاصة بمفردها، وأيَّد ضابط ثانٍ رواية زميله للأحداث.
سيطرة طالبان
يُذكر أنه خلال الأسابيع الأخيرة تمكنت طالبان من بسط سيطرتها على كل المنافذ الحدودية. وفي 15 أغسطس/آب الجاري، دخل مسلحو الحركة العاصمة كابول وسيطروا على القصر الرئاسي، بينما غادر الرئيس أشرف غني البلاد، ووصل إلى الإمارات، قائلاً إنه فعل ذلك لـ"منع وقوع مذبحة".
جاءت هذه السيطرة رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، طوال نحو 20 عاماً، لبناء قوات الأمن الأفغانية.
حيث تعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم طالبان؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم "القاعدة"، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه في الولايات المتحدة.