قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الأحد 22 أغسطس/آب 2021، إن قادة جبهة المعارضة لحركة طالبان، والتي باتت تُعرف إعلامياً بـ "جبهة بنجشير"، قرروا في الوضع الراهن، الضغط على طالبان من أجل الحصول على نصيب في الحكومة الجديدة، بدلاً من إشعال حرب أهلية جديدة.
حيث أكد أحمد والي مسعود، شقيق أحمد شاه مسعود والسفير السابق في لندن، أنه من الأفضل بالنسبة لهم أن يتباحثوا فيما يمكنهم الاتفاق عليه في تسوية سياسية مع حركة طالبان، دون أن يوضح ملامح تلك التسوية التي أشار إليها.
تشكيل حكومة شاملة
يؤكد ذلك التصريحات الأخيرة التي قالها نجل أحمد شاه مسعود نفسُه، والتي دعا فيها إلى تشكيل حكومة شاملة تتولى حكم البلاد بمشاركة طالبان، التي قال إنه لا مانع أو مشكلة لديه في مشاركة الحركة بالحكومة الجديدة، وأضاف: "نحن مستعدون للحوار مع طالبان وجاهزون أيضاً للقتال ولن نستسلم".
لكن مسعود (32 عاماً)، حذّر من أنه "لا مفر من الحرب إذا رفضت طالبان الحوار"، مضيفاً: "على روسيا والقوى الدولية التحرك الآن حيال بلادنا إن كانت مهتمة بمكافحة الهجرة والتهديدات الإرهابية".
مسعود أضاف، في مداخلة هاتفية مع قناة "العربية" السعودية من معقله بوادي بنجشير الذي لم تسيطر عليه طالبان حتى الآن، أنه في حال قيام طالبان بإيقاف هجومها على بنجشير سيجدون طريقاً أفضل للمستقبل، لكنها إذا حاولت الدخول لمعقلهم فسيقاتلون وسيحاولون توسيع المقاومة ضدها.
فيما تابع: "لدينا بعض القوات الحكومية والأهالي للدفاع عن أراضينا"، مشيراً إلى أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل بلاده، وقِيم والده الزعيم الراحل شاه مسعود.
كان مسعود، نجل قائد المجاهدين الراحل، قد كتب قبل أيام، مقالاً بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قال فيه إن أفراداً من الجيش الأفغاني، من ضمنهم بعض وحدات الصفوة من القوات الخاصة، هبّوا لنصرته، مناشداً الغرب تقديم يد المساعدة.
تابع مسعود في المقال: "لدينا مخازن ذخيرة وأسلحة جمعناها بصبر منذ عهد والدي، لأننا كنا نعلم أن هذا اليوم قد يأتي"، منوهاً إلى أن بعض القوات التي انضمت إليه جلبت أسلحتها معها.
كان أحمد شاه مسعود لاقى حتفه قبل أيام من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، على يد مسلحي تنظيم القاعدة، لكن اسمه مازالت له مكانته في أفغانستان وأنحاء العالم.
إضافة إلى نجل أحمد شاه مسعود، تضم قائمة جبهة المعارضة تلك أميرَ الحرب الطاجيكي البارز عطا محمد نور، الذي فر إلى أوزبكستان مع سقوط مدينة مزار شريف في 14 أغسطس/آب، إلا أنه ظهر مؤخراً في مقطع فيديو، وتعهد بالاستمرار في محاربة طالبان، قائلاً: "سوف نحارب. وستستمر مقاومتنا"، وأضاف أنه "من مصلحة طالبان عدم تكرار أخطاء الماضي وإنشاء حكومة تستوعب الجميع جدياً".
"انتزاع 3 مناطق من طالبان"
كما تضم وزير الدفاع الجنرال بسم الله محمدي، الذي تعهد هو الآخر بمقاومة طالبان، على "تويتر"، السبت الماضي، قائلاً إنه تم الاستيلاء على مناطق ديه صالح وبانو وبول حصار في إقليم بغلان المجاور شمالي بنجشير.
بخلاف هؤلاء، هناك السياسي البارز الذي شغل منصب وزير المالية السابق عمر زاخيلوال، والذي نشر صوراً له وهو يشرب الشاي مع مقاتلي طالبان جنوب شرقي كابول، ثم التقى الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبدالله عبدالله في العاصمة كابول.
في حين رأت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية أنه بدون دعم خارجي أو النفاذ إلى حدود دولة صديقة، يصعب على الجبهة المناهضة لـ"طالبان" أن تصمد فترة طويلة، مشيرة إلى أن طالبان بدأت بالفعل يوم الأحد 22 أغسطس/آب، حشد تشكيلات عسكرية كبيرة عند مدخل بنجشير، وهو وادٍ ضيق عجز حتى الجيش السوفييتي عن السيطرة عليه في الثمانينيات.
بينما لم يتضح حتى الآن هوية هذه القوات، لكن هذا التطور يزيد المؤشرات على وجود معارضة لـ"طالبان"، التي وصلت إلى السلطة في حملة خاطفة شهدت سيطرتها على جميع المدن الرئيسية بأفغانستان في غضون أسبوع.
لكن دبلوماسيين غربيين وآخرين عبّروا عن شكوكهم بشأن قدرة الجماعات المتجمعة هناك على شن مقاومة فعالة، في ظل الافتقار إلى الدعم الخارجي والحاجة إلى إصلاح الأسلحة وصيانتها.
في المقابل، نشرت طالبان مقاطع فيديو لبعض الشخصيات البارزة بالحكومة الأفغانية المخلوعة يعلنون بيعتهم للحركة في حضور مقاتلين ورجال دين، وذلك ضمن جهود الحركة الرامية لتحسين صورتها العامة.
وفق أحد هذه المقاطع، أعلن غُل آغا شيرازي، حليف الولايات المتحدة لزمن طويل وهو وزير ومحافظ سابق، الأحد، ولاءه للحركة، بعد ظهور مماثل لحشمت غني، شقيق الرئيس السابق أشرف غني.
وفي مقابلة خاصة مع "عربي بوست" قال المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، محمد نعيم: "بعض مديريات ولاية بنجشير تخضع بالفعل لسيطرة طالبان، وهناك جزء بسيط منها لم يخضع لنا حتى الآن، إلا أن هذه المشكلة سيتم حلها قريباً بالحوارخلال الأيام المقبلة، لكن إذا لم تنجح محاولات الحوار والتفاهم السلمي فآخر الدواء الكي كما هو معروف".
تأتي تلك التطورات في أعقاب إعلان أمر الله صالح، وهو من بين أحد المساعدين المقربين لأحمد شاه مسعود، والذي أصبح لاحقاً نائباً للرئيس، أنه الرئيس الشرعي لأفغانستان بعد فرار أشرف غني من كابول مع سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية يوم الأحد 15 أغسطس/آب الجاري.
يُذكر أن وادي بنجشير، شمالي كابول، والذي كان له دور بارز في أفغانستان ما بعد 2001، مازال يعج بهياكل المدرعات السوفييتية التي دُمرت في معارك فاشلة لغزوه، كما صمدت المنطقة أيضاً أمام طالبان عندما حكمت الحركة أفغانستان في الفترة بين 1996 و2001.