صُدِم الرئيس جو بايدن وكبار المسؤولين الأمريكيين الآخرين، الأحد، 15 أغسطس/آب 2021، من وتيرة سيطرة حركة طالبان شبه الكاملة على أفغانستان، وفي الوقت نفسه أصبح الانسحاب المخطط للقوات الأمريكية مهمة مُلِحة لضمان إخلاء آمن، وفقاً لما نشرته صحيفة The Independent البريطانية.
الصحيفة قالت إن سرعة انهيار الحكومة الأفغانية والفوضى التي أعقبتها شكَّلت أخطر اختبار لبايدن، شاغل منصب القائد الأعلى، وجعلته موضع انتقادات شديدة من الجمهوريين الذين قالوا إنه فشل.
وكان بايدن قد خاض حملته الانتخابية بصفته خبيراً متمرساً في العلاقات الدولية وأمضى شهوراً في التقليل من احتمالية صعود حركة طالبان، بينما كان يجادل بأنَّ الأمريكيين من جميع الاتجاهات السياسية قد سئموا من حرب استمرت 20 عاماً، وهو صراع أظهر حدود المال والقوة العسكرية لفرض ديمقراطية غربية النمط على مجتمع ليس مستعداً أو راغباً في احتضانها.
صدمة لدى إدارة بايدن
لكن بحلول يوم الأحد، أقرت شخصيات بارزة في الإدارة بأنها فوجئت بالسرعة المطلقة لانهيار قوات الأمن الأفغانية، وصار التحدي الذي يفرضه ذلك واضحاً بعدما دفعت تقارير عن إطلاق نار عشوائي في مطار كابول الأمريكيين إلى الاحتماء، بينما ينتظرون الرحلات الجوية إلى بر الأمان بعد إخلاء السفارة الأمريكية تماماً.
فيما قال وزير الخارجية أنطوني بلينكين، لشبكة CNN، في إشارة إلى الجيش الأفغاني: "لقد رأينا أنَّ تلك القوة لم تكن قادرة على الدفاع عن البلاد، وقد حدث ذلك أسرع مما توقعنا".
وفي نتيجة غير مرحب بها، تعيد الاضطرابات في أفغانستان ضبط أولويات التركيز للرئيس الذي ركز- إلى حد كبير- على أجندة محلية تشمل الخروج من الوباء، وفاز بموافقة الكونغرس على تخصيص تريليونات الدولارات من الإنفاق للبنية التحتية وحماية حقوق التصويت.
تقرير الاستخبارات الأمريكية
صحيفة WSJ الأمريكية من جهتها قالت إن مسؤولين في إدارة بايدن أعربوا سراً وعلناً عن دهشتهم من السرعة التي تقدمت بها طالبان في أفغانستان فيما نفى مسؤول أمريكي الفكرة القائلة بأن إخفاقات أجهزة الاستخبارات وحدها هي المسؤولة عن الانهيار السريع للحكومة الأفغانية، قائلاً إن عدداً من العوامل ساهم في هذه الحسابات الخاطئة، مثل سرعة انسحاب إدارة بايدن ورحيل الشركات العسكرية أيضاً.
ووفقاً لمسؤول في الإدارة، يرى المخططون العسكريون أن "السرعة تساوي الأمان". وقال: "حين اتخذنا قرار الرحيل، أعلمنا جميع الأطراف بموعد رحيلنا، بما في ذلك القوات الأفغانية وشركاؤنا".
فيما قال المسؤول الأول إن رحيل القوات الأمريكية الذي كان أسرع من المتوقع لم يوضع في الاعتبار أثناء التقييم الأصلي لأجهزة الاستخبارات، مضيفاً أن ما حدث لم يكن نتيجة فشل في التقديرات الاستخباراتية التي استندت إليه الإدارة في قراراتها، وإنما تغير في الظروف نتيجة الانسحاب الأمريكي السريع.
من جهته كشف مسؤول استخباراتي بارز إنه "من الناحية الاستراتيجية، كان استيلاء طالبان السريع على السلطة احتمالاً قائماً دوماً، والظروف التكتيكية على الأرض يمكن أن تتطور بسرعة في كثير من الأحيان"، وقال مايكل موريل، القائم بأعمال ونائب مدير وكالة المخابرات المركزية السابق في تغريدة على تويتر: "ما يحدث في أفغانستان ليس نتيجة فشل استخباراتي، بل جاء نتيجة لإخفاقات عديدة في سياسات إدارات متعددة وطوال هذه السنين، كان تقدير أجهزة الاستخبارات للوضع في أفغانستان هو الأكثر دقة إلى حد بعيد".
فيما قال بيل روجيو، الباحث البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الذي يتابع تقدم طالبان منذ سنوات، إن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق الرئيس بايدن، وقال روجيو: "في النهاية، أعتقد أن قراره بالانسحاب كان قراره وحده"، واستدرك قائلاً: "لكن المعلومات التي قُدمت له وساهمت في اتخاذ قراره كانت معيبة إلى حد كبير"، كما قال إن مسؤولي المخابرات والجيش الأمريكيين أخفقوا في إيلاء الاهتمام الكافي لاستراتيجية طالبان، التي بدأت عام 2014، والمتمثلة في بناء قوتها في المناطق الريفية استعداداً للهجوم الحالي.
ومن جانبه، قال أسفانديار مير، خبير الشؤون الأفغانية في معهد الولايات المتحدة للسلام، إن "أي تقييم استخباراتي عن استمرار الجمهورية الأفغانية كان من الضروري أن يركز على تأثير الانسحاب العسكري الأمريكي على التماسك السياسي للقيادة السياسية والعسكرية الأفغانية. ولن يكون أي تقييم مكتملاً في غياب هذه النقطة. ولذلك أنا مندهش كثيراً من أن الإدارة لم تأخذ في الاعتبار تأثير سياستها على استمرار الحكومة الأفغانية".
ورداً على سؤال في برامج الأخبار يوم الأحد 15 أغسطس/آب عما إن كان هجوم طالبان السريع يعد فشلاً استخباراتياً، أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن على قوة طالبان وقال في مقابلة مع برنامج "Meet the Press" على شبكة NBC: "كنا نعلم طوال الوقت أن طالبان في أقوى حالاتها منذ عام 2001. وحين وصلنا إلى المنصب، كانت هذه هي الحقيقة. وقلنا طوال الوقت، وحينها، إنه توجد فرصة حقيقية لأن تحقق طالبان مكاسب كبيرة في أفغانستان".
وأضاف بلينكن لشبكة ABC News أيضاً أنه رغم إنفاق الولايات المتحدة مليارات الدولارات لبناء قوات الأمن الأفغانية على مدى 20 عاماً، جاء انهيارها وعجزها عن الصمود أمام قوات طالبان "بسرعة أكبر مما توقعنا".
خطاب متوقع لبادين
ووفقاً لمسؤولين كبار في البيت الأبيض، ظل بايدن في منتجع كامب ديفيد يوم الأحد، حيث تلقى إحاطات منتظمة حول أفغانستان وعقد مكالمات مُؤمّنة عبر الفيديو مع أعضاء فريق الأمن القومي التابع له، وأصدرت إدارة بايدن صورة واحدة له بمفرده في اجتماع افتراضي مع خبراء عسكريين ودبلوماسيين واستخباراتيين. وستكون الأيام القليلة القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على استعادة مستوى معين من السيطرة على الموقف.
وتجرى مناقشات حول إلقاء بايدن خطاباً علنياً، وفقاً لاثنين من كبار المسؤولين في الإدارة الذين طلبا عدم الكشف عن هويتهما لأنهما يكشفان عن محادثات داخلية. ومن المتوقع أن يعود بايدن، الذي من المقرر أن يبقى في المنتجع الرئاسي حتى الأربعاء 18 أغسطس/آب، إلى البيت الأبيض إذا قرر إلقاء خطاب.
انتصار طالبان
أقرّ الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي فرّ إلى خارج أفغانستان، مساء الأحد، بأنّ "حركة طالبان انتصرت"، في حين أظهرت مشاهد تلفزيونيّة مقاتلين من الحركة وهم يحتفلون بـ"النصر" من القصر الرئاسي في كابول.
وبعد عشرين سنة تقريباً على طردها من السلطة، بات انتصار طالبان العسكري كاملاً مع انهيار القوّات الحكوميّة في غياب الدعم الأمريكي.
كما أعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، عبر تويتر، أن "وحدات عسكرية من إمارة أفغانستان الإسلامية دخلت مدينة كابول لضمان الأمن فيها".
من جهتها، كشفت حركة "طالبان" أنها ستعلن قريباً "إمارة أفغانستان الإسلامية" من القصر الرئاسي في العاصمة كابول، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
فقد استولت طالبان على كل أفغانستان تقريباً فيما يزيد قليلاً عن أسبوع، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" على مدى ما يقرب من 20 عاماً، لبناء قوات الأمن الأفغانية.
ومنذ مايو/أيار الماضي، بدأت طالبان توسيع رقعة نفوذها في أفغانستان، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس/آب الجاري.