خلصت دراسة علمية حديثة إلى أن الملوثات بالدخان المتصاعد من حرائق الغابات تتسبَّب في ارتفاع حصيلة الإصابة والوفاة بفيروس كورونا المستجد، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 13 أغسطس/آب 2021.
فقد وجدت الدراسة، التي أجراها باحثون بجامعة هارفارد الأمريكية، ونُشرت في دورية Science Advances الأمريكية، أن ما يقرب من 20% من حالات الإصابة بفيروس كورونا تعرضت لنسب مرتفعة من تلوث الجسيمات الدقيقة الموجودة في الدخان الناجم عن حرائق الغابات، حيث تُعزى نصف وفيات كوفيد-19 في بعض الأماكن إلى التلوث.
يشار إلى أن دراسة أخرى أجريت خلال العام الماضي، أكدت أن 15% من جميع وفيات "كوفيد-19" حول العالم تُعزَى إلى الهواء الملوث.
الباحثون القائمون على الدراسة الجديدة توصلوا، في هذا الإطار، إلى أن حرائق الغابات الضخمة في غرب الولايات المتحدة تتسبَّب على الأرجح في زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا، والوفيات في العديد من الولايات الأمريكية، وبالتالي يمكن ربط نسب الوفيات العالية بدخان حرائق الغابات التي شهدتها مقاطعات معينة في أمريكا.
كانت النيران قد التهمت، في العام الماضي، ما يزيد على 10 ملايين فدان من الغابات، وخمسة من أصل أضخم ستة حرائق مُوثَّقة على الإطلاق في كاليفورنيا حدثت في غضون بضعة أشهر فقط. وانبعث من احتراق الأشجار والشجيرات والمباني أعمدة ضخمة من الدخان تحتوي على جزيئات صغيرة من السخام.
فيما اكتشفت الدراسة الجديدة أن انتشار هذه الجسيمات الدقيقة، المعروفة باسم PM2.5 نسبة إلى حجمها وهو 2.5 ميكرون، ربما تسبب في ارتفاع الإصابات بـ"كوفيد-19″، وكذلك الوفيات الناجمة عنه في أجزاء من غرب الولايات المتحدة.
تصاعد دخان حرائق الغابات
من جهتها، قالت فرانشيسكا دومينيتشي، الأستاذة في كلية تي إتش تشان للصحة العامة بجامعة هارفارد، والتي شاركت في الدراسة: "في بعض المقاطعات الأمريكية كان الرابط قوياً جداً بالفعل؛ ففي الأيام التي تصاعد فيها كثير من دخان حرائق الغابات، ارتفعت حالات كوفيد كثيراً. ويمكن أن يكون للجمع بين حرائق الغابات والوباء تأثير كارثي حقاً، يدعو للقلق".
في حين وجدت الأبحاث السابقة، التي شاركت فيها فرانشيسكا أيضاً، أن الارتفاع الطفيف في تعرُّض الأشخاص على المدى الطويل لتلوث الهواء يرتبط بزيادة بنسبة 11% في الوفيات الناجمة عن كوفيد.
كما أكد الباحثون أن هناك حاجة لمزيد من العمل لتأكيد الصلة بين الأمْرين تأكيداً كاملاً، لكن هناك الآن أدلة دامغة على أن الهواء الملوث يؤدي إلى تفاقم تفشي فيروس كورونا المستجد. ويُعتقد أنَّ الملوثات المُنبَعِثة يمكن أن تساعد في انتشار العدوى، بينما تُضعِف أيضاً رئتي الأشخاص قبل الإصابة بالفيروس؛ مما يزيد من احتمالية إصابتهم بمرض شديد أو وفاتهم.
إذ حلّلت أحدث ورقة بحثية البيانات من 92 مقاطعة في جميع أنحاء كاليفورنيا وواشنطن وأوريغون، وسعت إلى عزل أسباب زيادة الإصابات بـ"كوفيد-19″ بخلاف حرائق الغابات القريبة.
"التأثير الأكبر"
على أثر ذلك، وجدت أن حرائق الغابات كان لها التأثير الأكبر على معدل الإصابات بمقاطعتي بوت في كاليفورنيا، وويتمان بواشنطن. في حين رُصِد التأثير الأكبر في وفيات "كوفيد-19" بمقاطعتي بوت وكالافيراس في كاليفورنيا.
تعقيباً على هذا، أضافت فرانشيسكا: "بحثنا فقط في المقاطعات الغربية، لكنني أتوقع أنه لا يهم مكان وجودك؛ فطالما تتعرض لمستويات عالية من PM2.5 من دخان حرائق الغابات في نيويورك، فستخضع للتأثير الكارثي نفسه. إنه أمر مقلق للغاية. أنصح أي شخص يعيش في مكان متأثر بحرائق الغابات بالحصول على التطعيم في أسرع وقت ممكن. وعلى المدى الطويل، هذا أمر آخر يوضح لنا أهمية مكافحة تغير المناخ".
بدوره، قال جورج ثورستون، الخبير في الطب البيئي بجامعة نيويورك، والذي لم يشارك في البحث: "نتائج الدراسة معقولة جداً، إذ من المعروف جيداً أن جزيئات الدخان الصغيرة تلتقط السموم الأخرى الموجودة في الهواء وتنقلها إلى أعماق الرئة".
ثاني أكبر حريق في تاريخ كاليفورنيا
كانت السلطات الأمريكية قد أعلنت، مساء الأحد 8 أغسطس/آب 2021، أن "حريق "ديكسي"، الذي اشتعل منذ 3 أسابيع، شمال ولاية كاليفورنيا، مازال مستعراً ليصبح ثاني أكبر حريق في تاريخ الولاية، خاصةً أنه امتد إلى ما يقرب من 500 ألف فدان، وأسفر عن إصابة ثلاثة من رجال الإطفاء.
حيث قالت إدارة الغابات والحماية من الحرائق بكاليفورنيا (CalFire)، في تغريدة عبر تويتر، إن "ديكسي" المشتعل شمال شرقي مدينة سان فرانسيسكو، امتد إلى 489287 فداناً من نحو 274000 فدان في منتصف الأسبوع الماضي، لافتة إلى أن رجال الإطفاء يواصلون معركتهم ضد 11 حريقاً في الغابات والأبنية بأنحاء الولاية الواقعة غربي البلاد.
فيما يشارك في جهود إخماد حريق "ديكسي" أكثر من خمسة آلاف رجل إطفاء.
يعدّ هذا ثاني أكبر حريق غابات بالولاية بعد حريق هائل اندلع في أغسطس/آب 2020، وأتى على ما يزيد على مليون فدان.
جدير بالذكر أن حريق "ديكسي فاير" أثار ذكريات مؤلمة خلَّفها حريق "بارادايس فاير"، وهو أكثر حريق دمويةً في تاريخ كاليفورنيا الحديث.
موجة شديدة الحرارة
كانت موجة شديدة الحرارة بالغرب الأمريكي قد أدت منتصف الشهر الماضي، إلى ارتفاع درجات الحرارة نحو معدلات قياسية مع تسجيل منطقة ديث فالي في ولاية كاليفورنيا درجة حرارة بلغت 54 درجة مئوية، لتصبح إحدى أكثر المناطق حرارةً على كوكب الأرض.
هذه الحرارة الشديدة، التي امتدت عبر معظم المناطق الشمالية الغربية المطلة على المحيط الهادي، تسببت في الضغط على شبكات الكهرباء وتأجيج حرائق الغابات الرئيسية، ومن ضمنها حريق في جنوب ولاية أوريجون شكَّل تهديداً للمنازل وأدى إلى قطع الكهرباء.
حينها أصدرت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية تحذيرات من ارتفاع درجات الحرارة في معظم أنحاء المنطقة، محذرةً السكان من أن درجات الحرارة المرتفعة قد تمثل خطراً على صحتهم، لاسيما الأطفال الصغار وكبار السن.
في هذا الإطار، أرجع العلماء حدوث موجات من الجفاف بالمنطقة إلى التغير المناخي، ما جعل البيئة أكثر عرضة للحرائق الضخمة والمدمرة.