كشف بيتر بن مبارك، الخبير في منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثة التحقيق المثير للجدل والتي أرسلتها المنظمة إلى ووهان الصينية للكشف عن منشأ فيروس كورونا، أن زملاءهم الصينيين في المنظمة ضغطوا على بقية محققي المنظمة لإسقاط فرضية تسرب فيروس كورونا المستجد من أحد المختبرات الصينية، من خلال التأثير في عرض النتائج التي توصل فريق التحقيق إليها، طبقاً لما أوردته صحيفة The Washington Post الأمريكية، الخميس 12 أغسطس/آب 2021.
حيث قال بن مبارك، خلال مشاركته في فيلم وثائقي بثَّه التلفزيون الدنماركي مساء الخميس 12 أغسطس/آب، إن الباحثين الصينيين بالفريق رفضوا أن ينص أحد التقارير الصادرة عن فريق التحقيق على نوعٍ من الربط بين منشأ وباء كورونا وأحد مختبرات الأبحاث في مدينة ووهان الصينية.
أضاف بن مبارك أن الخبراء الصينيين "كانوا في البداية يريدون ألا يتناول [التقرير] أي إشارة إلى المختبر، لكن لأن ذلك كان مستحيلاً، لم يضيعوا الوقت في هذا الأمر. ومع ذلك، فقد أصررنا على إدراج المسألة، لأنها كانت جزءاً أساسياً فيما يتعلق بالإشكالية الخاصة بنشأة الفيروس".
تسرب الفيروس من مختبر صيني
فيما أشار بن مبارك إلى أن المناقشات بشأن ما إذا كان التقرير سيتضمن أي إشارة إلى فرضية تسرب الفيروس من المختبر الصيني، استمرت حتى الساعات الثماني والأربعين الأخيرة قبل انتهاء المهمة. وفي النهاية، توافق الخبير الصيني مع بن مبارك على مناقشة فرضية تسرب الفيروس في التقرير، "بشرط ألا نوصي بأي دراسات محددة أخرى للتحقق من هذه الفرضية".
رداً على سؤاله في الفيلم الوثائقي عما إذا كانت صياغة التقرير التي نصت على أن فرضية التسرب من المختبر "مستبعدة جداً" قد جاءت بناءً على مطالب صينية، أجاب بن مبارك بالإيجاب، لكنه أضاف أن هذا لم يكن معناه أن الفرضية مستحيلة، ولا أنها ليست محتملة على الإطلاق.
كما أشار بن مبارك، في تعليقات أخرى خلال المقابلة لم يتضمنها الفيلم الوثائقي، لكن أوردها حساب القناة الدنماركية TV2 عبر موقعها على الإنترنت، إلى أن الأمر قد يكون مرجعه "خطأ بشري"، لكن النظام السياسي الصيني لا يسمح للمسؤولين بالاعتراف بذلك.
فقد نقل موقع القناة عن بن مبارك، قوله: "ربما يعني ذلك أن هناك خطأ بشرياً وراء هذا الحدث، لكنهم لا يرغبون في الاعتراف به"، مضيفاً: "ينصبُّ تركيز النظام بأكمله على تأكيد فكرة أنه نظام معصوم من الخطأ، وأن كل شيء يجب أن يكون مثالياً".
في هذا الإطار، أوضح أن هناك فرضية تقول إن "موظف مختبر أصيب في الميدان أثناء جمع عينات من كهف الخفافيش، وينتمي هذا السيناريو إلى فرضية الهروب من المختبر، وفرضيتنا الأولى الخاصة بالعدوى المباشرة من الخفافيش إلى الإنسان. لقد رأينا هذه الفرضية كفرضية محتملة".
في حين تواصلت صحيفة The Washington Post مع بن مبارك للتعليق على ما ورد بالفيلم الوثائقي، وبعد أن قال في البداية إن ما يُنقل عنه "ليست إلا ترجمة خاطئة من مقال دنماركي"، ثم رفض الإدلاء بتعليقات أخرى، وأحال الصحيفة إلى منظمة الصحة العالمية.
من جانبه، قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق ياساريفيتش، إن تعليقات بن مبارك تُرجمت بطريقة خاطئة، وإن المقابلة جرت "منذ أشهر".
"تسييس أصل الوباء"
بدورها، حثت منظمة الصحة العالمية الصين، الخميس 12 أغسطس/آب، على تعزيز تبادل البيانات حول الإصابات الأولى بفيروس كورونا من أجل دفع التحقيقات في أصل الوباء، داعيةً جميع الدول إلى عدم تسييس البحث عن أصل الوباء الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 4.3 مليون شخص، وأثر على الاقتصاد العالمي منذ ظهور الفيروس بمدينة ووهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول 2019.
جدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أرسلت فريقاً من الخبراء الدوليين إلى ووهان في وقت سابق من هذا العام، وقال تقرير المرحلة الأولى، الذي كُتب بالتعاون مع خبراء صينيين، إن فيروس "SARS-Cove-2" قد انتقل على الأرجح من الخفافيش إلى البشر من خلال حيوان وسيط.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام رسمية عن نائب وزير الخارجية الصيني قوله، الجمعة 13 أغسطس/آب 2021، إن الصين لم ترفض مطلقاً التعاون في تتبُّع منشأ كوفيد-19، لكنها ترفض تسييس مثل هذا البحث.
إذ نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن "ما تشاو شو" قوله إن الصين تواصل إجراء الأبحاث في منشأ فيروس كورونا كما جاء في تقرير مشترك مع منظمة الصحة العالمية صدر هذا العام.
قلق دولي
يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية قالت، في تقرير أصدرته في وقت سابق من هذا العام، إنه "من المستبعد جداً" أن يكون الفيروس قد تسرب عن طريق الخطأ من مختبرات "معهد ووهان لأبحاث الفيروسات" أو أي منشأة أخرى في المدينة الصينية التي عُثر فيها على حالات مصابة بعدوى الفيروس لأول مرة. وقال فريق الباحثين المشترك وقتها إنه لن يوصي بإجراء مزيد من التحقيقات في هذه المسألة.
كانت الولايات المتحدة و13 دولة أخرى قد أعربوا، الثلاثاء 30 مارس/آذار 2021، عن "قلقهم" بشأن تأخير تقرير منظمة الصحة حول "منشأ فيروس كورونا"، حيث قالوا، في بيان مشترك: "من الضروري أن نعرب عن مخاوفنا المشتركة من أن دراسة الخبراء الدولية حول مصدر فيروس كوفيد-19 قد تأخرت بشكل كبير، وتفتقر إلى الوصول للبيانات والعينات الأصلية الكاملة".
رداً على هذا البيان الدولي، قال مدير "الصحة العالمية"، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عبر "تويتر"، إن المنظمة تشعر بالقلق من أن جميع الفرضيات (بشأن أصل الفيروس) ماتزال مطروحة على الطاولة، متابعاً: "لم نعثر على مصدر فيروس كورونا حتى الآن، ويجب أن نستمر في اتباع العلم، وأن نبذل كل ما بوسعنا كما نفعل".