بعد مرور 10 أشهر على المباحثات بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية، حول خيارات محاكمة المتهمين بجرائم الحرب في دارفور، بات من المرجح أن تسلم الخرطوم محكمة لاهاي المتهمين، وأبرزهم رئيس البلاد السابق عمر البشير.
هيئة الدفاع عن المتهمين اعتبرت، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن المحكمة مخلب قط لتنفيذ أجندة دولية، وأن القضية ذات طابع سياسي أكثر من كونه قانونياً.
أعلنت وزارة الخارجية السودانية، الثلاثاء 10 أغسطس/آب 2021، أن الحكومة قررت تسليم المطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية، وذلك بعد أن صادقت على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية.
والبشير ليس وحده، معه متهمون آخرون، والي شمال كردفان السابق، أحمد محمد هارون (56 عاماً)، ووزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين (72 عاماً)، وعبدالله بندة (58 عاماً) أحد قادة المتمردين في دارفور.
ويقول عضو فريق الدفاع القانوني عن المتهمين، النذير الشيخ لـ"عربي بوست": "المطالبة بتسليم المتهمين قديمة ومتجددة، ولا قيمة لها إلا في اتخاذ قرار التسليم من قبل من يمسكون السلطة بالسودان"، مشيراً إلى أن قرار التسليم مرتبط بالإرادة السياسية للحكومة، بعد صدور أوامر القبض من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
خلاف على تسليم المطلوبين
يتابع الشيخ أن هناك خلافاً في التسليم ما بين المكون العسكري والمدنيين في الحكومة، المكون العسكري يرفض التسليم لأنهم كانوا جزءاً من النظام السابق، ويمكن أن يلاحقهم التسليم إذا أقدموا على الخطوة، ومن الممكن أن يلتف حبل الجنائية الدولية حول رقابهم.
وأنه ليس هناك أي علاقة بين مصادقة مجلس الوزراء السوداني وقرار تسليم المطلوبين للجنائية الدولية، لأن القانون لا يسري بأثر رجعي، ورغم إجازة مجلس الوزراء السوداني مشروع قانون الانضمام إلى ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المصادقة لم تتم بعد في المجلس التشريعي الانتقالي، وحتى إذا افترضنا أنه تمت المصادقة على انضمام السودان، فهذا لا علاقة له بقرار إحالة المتهمين بجرائم الحرب في دارفور.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، في 2007 و2009 و2010 و2012، مذكرات اعتقال بحق كل من الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم حسين، ووزير الداخلية الأسبق أحمد محمد هارون، بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
أين يوجد المطلوبون؟ وهل يمكن تسليمهم بسهولة؟
في داخل سجن كوبر، وسط العاصمة السودانية الخرطوم، يتواجد ثلاثة من أبرز المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، بينما لا أثر للمطلوب الرابع، أحد قيادات حركات دارفور، عبدالله بنده أبكر نورين.
وأُودع البشير سجن "كوبر" عقب عزل الجيش له من الرئاسة، في 11 أبريل/نيسان 2019، بعد 3 عقود في الحكم، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الوضع الاقتصادي.
كما تتحفظ السلطات السودانية على أحمد هارون وعبدالرحيم محمد حسين في سجن كوبر، منذ أن بدأت في 21 يوليو/تموز 2020 أولى جلسات المحاكمة، بعد أن وجهت إليهم اتهامات ينفونها، بينها تدبير "انقلاب"، و"تقويض النظام الدستوري".
وفي 5 مايو/أيار 2021، أعلن أحمد هارون، وزير الداخلية السوداني الأسبق، أحد مساعدي الرئيس المعزول عمر البشير (1989-2019) أنه يُفضل المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي بهولندا، بدلاً من أن تتم محاكمته في بلاده.
وتابع حينها: "أنا حريص بقدر حرص الآخرين ممن تأثروا بتلك الحرب على معرفة حقيقة ما جرى، ومن هو المتسبب فيها، ومقدار مسؤولية كل طرف في ذلك سواء حكومة أو حركات متمردة".
ويقول عضو فريق الدفاع عن المتهمين النذير الشيخ: "يمكن للحكومة أن تسلمهم لأنهم بحوزتها داخل السجن، هذه القضية غير قانونية، هذه القضية سياسية".
وفي 16 مارس/آذار 2011، أعلن قضاة المحكمة الجنائية الدولية أن عبدالله بندة وصالح جربو -من قيادات الحركات في إقليم دارفور- سيمثلان للمحاكمة بتهمة الضلوع في قتل 12 من قوات حفظ السلام الدولية في الإقليم عام 2007، وقد أسفر الهجوم وقتها عن مقتل 12 فرداً وإصابة 8 آخرين من أفراد قوات حفظ السلام الإفريقية في دارفور.
وفي 8 يونيو/حزيران 2010، وصل عبدالله بنده أبكر نورين، وصالح محمد جربو جاموس طواعية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمواجهة ثلاث تهم من جرائم الحرب ارتكبت خلال الهجوم الذي وقع في مخيم حسكنيتة في ولاية جنوب دارفور عام 2007.
ولم تتوصل المحكمة حينها لقرار، على أن تتواصل الجلسات متى ما طرأ تقدم في الأدلة والشهود.
وأسقطت المحكمة الجنائية الدولية التهم عن صالح جربو بعد وفاته، في 19 أبريل/نيسان 2013، في معارك مسلحة بدارفور، لكن بنده لم يعثر له على أثر، وظلت المحكمة تبحث عنه.
المدعي العام للجنائية الدولية يصل الخرطوم لإجراء مباحثات حول إمكانية تسلم المطلوبين
وعقد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان، الذي وصل العاصمة السودانية الخرطوم، مساء الإثنين، في زيارة تستمر حتى الخميس مباحثات مع وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، والنائب العام مبارك محمود ووزير العدل نصرالدين عبدالباري.
وقالت وزيرة الخارجية السودانية لخان: "إن مجلس الوزراء السوداني قرر تسليم المطلوبين للجنائية الدولية، وأجاز مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وسوف يعرض الأمران في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء -دون تحديد موعد- للموافقة على التسليم والمصادقة على القانون".
وجددت دعم السودان للمحكمة الجنائية الدولية وحرصه على استقلالية المحكمة، للاضطلاع بدورها فى إنفاذ القانون الدولي، وأكدت على التعاون مع المحكمة الجنائية لتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور، معربة عن استعداد وزارة الخارجية للعمل على تسهيل مهامها وفقاً لبنود مذكرة التفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة.
ومنتصف فبراير/شباط 2021، وقع السودان والمحكمة الجنائية الدولية مذكرة تفاهم بشأن محاكمة علي محمد علي عبدالرحمن، المعروف بـ"علي كوشيب"، أحد زعماء ميليشيا "الجنجويد" السودانية، الذي سلّم نفسه للجنائية، في يونيو/حزيران 2020.
وبحث المدعي العام للجنائية الدولية مع النائب العام السوداني التعاون حول جرائم الحرب ورموز النظام السابق المطلوبين للعدالة الدولية، وفق الوكالة السودانية الرسمية.
من جانبه أكد النائب العام السوداني مبارك محمود استعداد النيابة العامة للتعاون المطلق مع الجنائية في كافة القضايا، وخاصة قضية ضحايا حرب دارفور وتحقيق العدالة لهم.
واتفق الجانبان على مواصلة العمل المشترك بما يمكن من إنجاز كافة الملفات وتتويج التفاهمات بتقديم المتهمين للعدالة.
وذهب وزير العدل السوداني في ذات طرق وزيرة الخارجية والنائب العام السوداني، وأكد اهتمام الحكومة الانتقالية بتحقيق العدالة في السودان، والعمل مع المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة لضحايا الحرب في دارفور.
هل يمكن أن يكون تسليم المطلوبين هو الخيار الوحيد؟
أعلنت الحكومة السودانية، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أنها بحثت مع المحكمة الجنائية الدولية ثلاثة خيارات لمحاكمة متهمي جرائم إقليم دارفور، غربي البلاد.
وقال عبدالباري: "بحثنا ثلاثة خيارات مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، حول محاكمة المتهمين في جرائم دارفور".
وأوضح أن الخيارات الثلاثة تشمل: "تشكيل محكمة خاصة، أو محكمة هجينة (مختلطة بين السودان والمحكمة)، أو مثول المتهمين أمام المحكمة في لاهاي".
وتابع: "المقترحات ما زالت قيد الدراسة، واتفقنا على الاستمرار في المباحثات، بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة تلبي حقوق الضحايا وإرادة الحكومة السودانية وفق القانون الدولي".
وفي الثاني من يونيو/حزيران 2021، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، قبل أيام من مغادرتها موقعها عدم اعتراض المسؤولين بالحكومة السودانية على تسليم المتهمين بارتكاب جرائم الحرب في دارفور.
واندلع في دارفور، عام 2003، نزاع مسلح بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
ويقدم المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، تقريراً لمجلس الأمن الدولي حول تحقيق العدالة في إقليم دارفور غربي السودان، في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
جاء ذلك خلال لقاء "خان" مع عضوي مجلس السيادة السوداني الهادي إدريس، والطاهر حجر، في القصر الرئاسي بالخرطوم، كلاً على حدة، وفق بيان للمجلس تلقى "عربي بوست" نسخة منه.
وأردف: "سنقوم بإنجاز مهمتنا بما يحقق توقعات المجتمع الدولي، خاصةً فيما يتعلق بقرارات مجلس الأمن لتحقيق العدالة تجاه أبطال دارفور الضحايا والأحياء الذين هم جوعى لتحقيق العدالة ومحاسبة الذين ارتكبوا الجرائم في دارفور".
وطلب خان من "أي شخص لديه معلومات حول الأحداث في دارفور، أن يتصل بمكتبه"، معرباً عن "حرصه على التعاون مع الحكومة السودانية".
وتولى المحامي البريطاني كريم خان، في 16 يونيو/حزيران 2021، مهامه مدّعياً عاماً للمحكمة الجنائية الدولية، خلفاً للغامبية فاتو بنسودا، فهل يستطيع خان أن يقنع الحكومة السودانية بما عجزت عنه بنسودا في تسليم المطلوبين أمام محكمة لاهاي؟