في وقت خفُت فيه الحديث عن مشروع الدلتا الجديدة، الذي أعلن عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل فترة، وسط شكوك أبداها خبراء متخصصون حول إمكانية تدبير مصادر لمياه الري التي يحتاجها المشروع العملاق، علمت "عربي بوست" من مصادر في الحكومة المصرية أن هناك تعليمات رئاسية صدرت، خلال الأيام الماضية، بإلقاء الضوء على المشروعات الزراعية التي يعلن عنها الرئيس المصري، وما تمثله من نقلة في الإنتاج الزراعي لطمأنة المستثمرين في مجال الزراعة بأن تطورات سد النهضة الإثيوبي لن تنال من خارطة مصر الزراعية أو تؤثر على حصص المياه الضرورية للري.
كان إعلان السيسي عن تدشين مشروع الدلتا الجديدة قرب منطقة محور الضبعة الشهير بالساحل الشمالي الغربي لمصر، قد رافقه العديد من علامات الاستفهام أهمها مصادر المياه التي تكفي لري المساحة المعلن عن استزراعها والتي تحتاج إلى مليارات الأمتار المكعبة من المياه في وقت دخلت فيه البلاد مراحل متقدمة في الفقر المائي؛ حيث يصل متوسط نصيب الفرد من المياه نحو 660 متراً مكعباً، وهو ما يقل كثيراً عن معدل الفقر المائي العالمي الذي حدد نصيب الفرد بـ2000 متر مكعب، وأبدى خبراء سابقون بمركز بحوث الصحراء تخوفهم من أن يلقى المشروع مصير المشروعات التنموية السابقة، مثل مشروع توشكى الذي دشّنه الرئيس الأسبق حسني مبارك وتكلف المليارات، وحتى الآن يواجه مشكلات جعلت منه مشروعاً بلا جدوى.
وهناك تقرير سابق لوزارة الزراعة تم عرضه على المسؤولين في الحكومة المصرية، يشير الى أن الفدان الواحد يحتاج إلى أكثر من 6500 متر مكعب من المياه في المتوسط سنوياً، مما يعني أن المليون ونصف المليون فدان التي تم الإعلان عن استصلاحها في مشروع الدلتا الجديدة تحتاج تقريباً إلى 10 مليارات متر مكعب.
ويعتبر قطاع الزراعة أكبر قطاع مستهلك للمياه في مصر بنحو 35.1 مليار متر مكعب خلال العام، وهو ما يمثل نسبة 76.7% من إجمالي الاستخدامات، يليه مياه الشرب الذي بلغ استهلاكه 10.75 مليارات متر مكعب، بنسبة 13.4% من إجمالي الاستخدامات.
إلا أن التصريحات الإيجابية ا لم تمنع الاستفهامات التي سألت عن فرص نجاح المشروع الجديد وإمكانية تنفيذه على أرض الواقع، خاصة أن السيسي سبق وأعلن في عام 2014 عن مشروع ضخم بزراعة 4 ملايين فدان، لكن بعد مرور سبع سنوات لم تزد الرقعة الزراعية إلا آلاف الأفدنة طبقاً لجهاز التعبئة والإحصاء.
لاسيما أن المشروع الجديد طبقاً للتصريحات يعتمد على المياه الجوفية، الأمر الذي اعتبره مصدر أكاديمي بوزارة الزراعة افتئاتاً على حق الأجيال القادمة التي لها نصيب هي الأخرى في تلك المياه.
ويؤكد المصدر أن المياه الجوفية في صحراء مصر الغربية غير متجددة، وما يتم سحبه منها لا يتراكم غيره، وبالتالي عمر هذه المياه الافتراضي محدد، ويصل العمر الافتراضي للمياه الجوفية بمنطقة شرق العوينات جنوب غرب مصر لنحو 125 عاماً، ومناطق الوادي الفارغ بوادي النطرون بالصحراء الغربية نحو 50 عاماً، فيما غالبية المناطق بالصحراء يتراوح عمر مياهها الجوفية بين 50 إلى 70 عاماً.
ويحذر المصدر من أن المياه الجوفية عنصر غير متجدد، وهذا يعرض المشروع لما حدث بالمملكة العربية السعودية، عندما توسعت في زراعة القمح، فقلّ منسوب مياه الآبار من 6 أمتار إلى 12 متراً سنوياً، ما أدى إلى وقف زراعة القمح، وتحوّلت معدات بأكثر من 100 مليار دولار إلى خردة".
ويلفت المصدر أن خطة تنويع مصادر المياه المعلنة لمشروع الدلتا الجديدة عبر الاعتماد على الصرف الزراعي الذي سيتم معالجته من خلال إنشاء محطات تحلية للمياه تحتاج لرصد ميزانية كبيرة جداً، موضحاً أنه سيتم الاعتماد على محطة معالجة ثلاثية، تتعدى تكلفة الواحدة 60 مليار جنيه، لإنتاج 6.5 مليون متر مكعب مياه يومياً.
"مشروع القرن" الزراعي في مصر لا يعرف المسؤولون مساحته الإجمالية!
كان من المقرر أن يستغرق مشروع الدلتا الجديدة، أو كما يطلق عليه "مشروع القرن الزراعي"، عشرة أعوام، لكن الرئيس السيسى وجّه بالانتهاء منه خلال عامين فقط، بهدف تسريع تحقيق استراتيجية التوسع الزراعي والعمراني والأمن الغذائي.
وعلى الرغم من أنه من المشاريع القومية التنموية، ومن المفترض أن تكون هناك معلومات دقيقة عن كل ما يخصه من تفاصيل، لكن "عربي بوست" رصدت أثناء إعداد التقرير التضارب في التصريحات من جانب المسؤولين، وعلى الرغم من أن الرئيس المصري قد أعلن عنه تحت مسمى مشروع القرن إلا أن أحد المطلعين على المشروع والمشاركين بدراساته، كشف لـ"عربي بوست" أن منظمة الأغذية والزراعة، هي التي طالبت مصر بالاستفادة من مصائد الأمطار في منطقة الساحل الشمالي الغربي والتي تقدر بنحو 51 مليار متر مكعب سنوياً".
وهناك توصيات ناتجة عن دراسة أجرتها المنظمة بأن مياه الأمطار، خاصة في الفترة من أكتوبر إلى مايو يمكن الاستفادة بها في زراعة أراضي الساحل الشمالى الغربي، وصولاً إلى مرسى مطروح والسلوم لنحو 3 ملايين فدان من الأراضى المنبسطة القابلة للزراعة، خاصة المحاصيل ذات الدورات القصيرة ومنها الخضروات والشعير.
اختلفت الأرقام الرسمية حول مساحة الرقعة المزروعة التي سيضيفها في وقت كان مفترضاً أن يكون تم تحديدها بدقة! حيث يقول المسؤولون إن مساحة الأراضي الزراعية القديمة في مصر نحو 6.1 ملايين فدان موزعة في الدلتا والصعيد، في حين أن مساحة الأراضي المتوقع زراعتها في "الدلتا الجديدة" لتحقيق الأمن الغذائي لمصر والحد من استيراد السلع الاستراتيجية، ومواجهة متطلبات الزيادة السكانية تصل إلى ما يقرب من مليون ونصف المليون فدان، أي بنسبة تتراوح بين 30 إلى 35% من مساحة الدلتا القديمة البالغة 3.5 مليون فدان (بخلاف 2.6 مليون فدان في الصعيد).
على الجانب المقابل، ذكرت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أن مشروع الدلتا الجديدة يضيف 15% فقط مساحة مزروعة جديدة لمصر تستغل لتحقيق الأمن الغذائي، خاصة أنه يمتد من شمال الواحات إلى جنوب وادي النطرون، وشرق وغرب منخفض القطارة.
وفي الثالث والعشرين من يوليو/تموز الماضي، قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري، خلال مؤتمر صحفي حضره الرئيس عبدالفتاح السيسي بالإسكندرية، إن الحكومة تستهدف استصلاح مليون فدان في مشروع الدلتا الجديدة.
بينما في 30 يونيو 2021، وأثناء مشاركة السيسي في احتفالية تفقد المعدات والمركبات والآلات الهندسية لجهات الدولة المختلفة، قال الرئيس إن مشروع الدلتا الجديدة يستهدف زراعة مليونين ونصف المليون فدان.
أما الهيئة العامة للاستعلامات فقد نشرت في الثامن من يونيو/حزيران 2021 تقريراً أشارت فيه إلى أن مساحة مشروع الدلتا الجديدة تبلغ 2.2 مليون فدان، ومن المقرر الانتهاء من استزراع مليون فدان، وفي نهاية مارس الماضي، ذكر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء أن مشروع الدلتا الجديدة يستهدف استصلاح وزراعة أكثر من مليون فدان.
وفي حين أن موقع الرئاسة المصرية ذكر في يناير أن مشروع الدلتا الجديدة يشمل مشروعي مستقبل مصر، وجنوب محور الضبعة، بمساحة 500 ألف فدان لكل منهما، صرح وزير الزراعة السيد القصير بأن المشروعات الجاري تنفيذها قد تصل بإجمالي المساحات التي تضاف إلى الرقعة الزراعية خلال عامين إلى أكثر من 2 مليون فدان.
هل المشروع الجديد مختلف أم سيلقى مصير المشروعات السابقة؟
الملفت أن هناك خبراء ومسؤولين يروّجون للمشروع الجديد باعتباره المنقذ من الجوع الذي سينتج عن شح المياه، ويؤكدون أن هناك فارقاً كبيراً بين مشروع الدلتا الجديد والمشروعات الزراعية التي فشلت في زيادة الرقعة الزراعية، فمشروع الدلتا الجديد، ثبت من خلال الدراسات التي أجريت على المنطقة والأرض نجاح الزراعة فيه، وتبين من الدراسة التى أجريت على مساحة 688 ألف فدان أن أكثر من 90% من المساحة صالحة للزراعة.
وهناك إمكانية للتوسع المستقبلى فى المساحة وفقاً لمدى توفر مصادر مياه إضافية، وأن زراعة فدان واحد ضمن مشروع زراعة مليوني فدان في الضبعة، يحتاج إلى مياه تأتي من محطات معالجة والحصول عليها من أماكن منخفضة سواء في بحر البقر أو في منطقة الحمام، هذا بجانب توفر المياه الجوفية بالمنطقة بشكل كبير.
لم يلتفت هؤلاء الى أن الإعلان عن تدشين مشروع الدلتا الجديدة سبقه تحقيق منشور في جريدة المصري في الثامن والعشرين من يونيو/حزيران الماضي تحت عنوان "العطش يحاصر 65 ألف فدان فى قرى قطاع مريوط الزراعى غرب الإسكندرية" قال إنها مهددة بالبوار والتصحّر وتلف الزراعات نتيجة تباعد مناوبات الري، التي تصل في بعض الأحيان إلى 30 و40 يوماً بدلاً من 15 يوماً، مقابل 5 أيام في المعتاد، إلى جانب مياه الصرف الزراعى التى يتم رى الزراعات بها، والتي تتسبب بدورها في تلف المحاصيل وضياع إنتاجية الأفدنة، خاصة من محاصيل "القمح والأناناس والطماطم والباذنجان والبطاطس والبرسيم".
تواصلت "عربي بوست" مع عّم عبد الحميد، أحد المزارعين بقرية الجلاء التابعة لقطاع مريوط، والذي كشف عن حنقه الشديد مما يجري، مشيراً إلى أنهم يروون أراضيهم بالمياه المالحة "الصرف الزراعى" لعدم توفر المياه العذبة "لا نزرع ولا نقلع واندثرت العديد من الزراعات كالبطاطس والأناناس بسبب عدم وجود مياه للري فضلاً عن إلحاق الضرر بالمواشى لأنها تتغذى على محاصيل مروية بالمياه المالحة وتفتقر إلى العناصر الغذائية المطلوبة، وكان هذا القطاع يسهم فى إنتاج ما يقرب من 6 ملايين طن قمح سنوياً، لكن في الوقت الحالى لا زراعة ولا قمح ولا محاصيل".
وكشف المزارع أنهم جربوا هذا العام زراعة الأناناس والطماطم، إلا أن المحصول تلف وذبُل وهو في مكانه، ورغم مرور أكثر من 50 يوماً على زراعة نبات الذرة، وهو ما يعادل ثلث عمره، فإنه لم يظهر في الأرض وأسهم العطش في خفض إنتاجية الفدان من محصول القمح إلى 8 و10 أرادب بدلاً من 20 و28 إردباً في السنوات السابقة.
غموض حول تمويل المشروع
مشكلة أخرى رصدتها "عربي بوست" وهي توفير الاعتمادات المالية، حاولنا التواصل مع عدد من المسؤولين لمعرفة تكلفة ومصادر تمويل المشروع؟ وهل هناك دراسات جدوى تؤكد ربحيته، لكن أحداً ممن تواصلنا معهم لم تكن لديه إجابة عن تلك الأسئلة، أو على الأقل رفض مشاركتها معنا.
ويتخوّف البعض من أن تتحول تكلفة استصلاح الدلتا الجديدة إلى رمال متحركة جديدة تغرق البلاد في المزيد من الديون، ويتحمل تكلفتها المواطن البسيط، خصوصاً أن تكلفة استصلاح الفدان الواحد تناهز 200 ألف جنيه، بينما ترتفع التكلفة الإجمالية حال إضافة تكلفة محطات معالجة مياه الصرف الزراعي والرفع وإنشاء الترع سواء مكشوفة أو مغطاة لتوصيل المياه للأراضي، إلى جانب تكاليف الاستصلاح وشبكة الطرق والكهرباء وغيرها من البنى التحتية اللازمة لتأهيل الأراضي.
الملفت أن التصريحات المعلنة حول التكلفة متضاربة، فتارة يصرح د. عبدالله زغلول، رئيس معهد بحوث الصحراء، بأنها تحتاج لاستثمارات بنحو 200 مليار جنيه بتكلفة 200 ألف جنيه للفدان الواحد، على أساس أن المساحة المستهدف زراعتها مليون فدان فقط.
بينما قال السيد القصير وزير الزراعة إنها تحتاج لاستثمارات بقيمة 300 مليار جنيه ما يعني أن تكلفة الفدان سوف تبلغ حوالي 300 مليار جنيه، وباقي المساحة مشروعات متكاملة.
ويؤكد الدكتور محمد الوكيل، أستاذ خصوبة الأراضى بكلية الزراعة، أن هذا المشروع يحتاج إلى مئات المليارات، سواء لإنشاء محطات معالجة مياه الصرف الزراعى ومحطات الرفع وإنشاء الترع سواء مكشوفة أو مغطاة لتوصيل المياه للأراضى، بالإضافة إلى تكاليف استصلاح الأراضى وشبكة الطرق والكهرباء وغيرها من البنية التحتية اللازمة لتأهيل أراضي المشروع للزراعة.
وقال الرئيس السيسي إن الحكومة تستهدف إقامة الدلتا الجديدة باستصلاح 2.5 مليون فدان تقريباً وتكلفة استزراع هذه المساحة كبيرة جداً، لأننا سنستخدم معالجة ثلاثية لمياه الصرف الصحي ومحطات الرفع وهذا يكلف الدولة مليارات الجنيهات.
وأضاف أن مياه الري الحالية تجري بشكل طبيعي من خلال انحدار المياه من أعلى إلى أسفل، أما عملية استزراع الدلتا الجديدة فتتطلب أن نُسيّر المياه عكس الانحدار الطبيعي لها بما يستلزم محطات رفع وتكلفة عالية جداً.
وطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي، ملاك الأراضي الزراعية، بالحفاظ على ما تبقى من الرقعة الزراعية الموجودة حالياً، مشيراً إلى أن عملية الاستصلاح تتطلب تكلفة مالية عالية جداً تُرهق الميزانية العامة للدولة وتعطل الحكومية عن توجيه الموارد إلى مشروعات تنموية كبرى.
فورة المشروعات الزراعيّة تثير التخوفات
ثمة اختلاف في الرأي بين الخبراء، حيث يرى بعضهم أن مشروع الدلتا الجديدة ضروري للخروج من الوادي الضيق المحيط بضفتي نهر النيل، والذي تعيش في نطاقه غالبية السكان، حيث تلعب فكرة المشروع على الموقع والسعي إلى خلخلة توزيع السكان في الدلتا القديمة، التي فقدت مساحات شاسعة من الأراضي منذ الثورة نتيجة البناء عليها، بينما لم تنجح الجهود التي امتدت لعقود في إخراج سكانها إلى مساحة أكثر رحابة في الصحراء.
ويشير السيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، إلى أن هذا المشروع القومي العملاق يتميز بموقعه العبقري لوجوده بالقرب من الدلتا القديمة، وبالقرب من شبكة ضخمة من الطرق والموانئ، ويربط بين عدد من المحافظات ومن ثم سيُسهم في إعادة توزيع السكان وجذب عدد كبير من المواطنين، لتخفيف التكدس السكاني في الوادي والدلتا، وتوفير الكثير من فرص العمل في كل نواحي الأنشطة سواء الزراعية أو الحيوانية أو التصنيع الزراعي، فضلاً عن ارتباط ذلك بإقامة مجتمعات سكنية متكاملة.
يعلق حاتم محمد، أستاذ بكلية الزراعة، على تصريحات الوزير، فيقول في تصريحات لـ"عربي بوست" إن غرب الساحل الشمالي منطقة واعدة كاستثمار زراعي رشيد، لقربها من البحر، خاصة أن الدلتا الجديدة بالضبعة تمثل امتداد ترعة الحمام الخاصة بتنمية الساحل الشمالي، ويمكن أن تستخدم في ري المشروع أيضاً، ما يعزز الوفرة المائية لتلك المنطقة، فضلاً عن أن التربة هناك جيدة بها عرق "طمي وطفلة" وتحتفظ بالمياه، ومتشبعة بكربونات الكالسيوم؛ مما يجعلها صالحة لأغلب الزراعات، بشرط أن تكون مقاومة للجفاف والملوحة وأن يتم وضع استراتيجية للاستفادة القصوى من المياه وحساب كمية المياه المستهلكة.
ويشير إلى أن الشيء الإيجابي في المشروع هو عموميته، فلا يمكن تصنيفه باعتباره يخدم منطقة يعينها على مستوى التشغيل. مثل "توشكى" الذي كان يخدم أهالي الوادي الجديد الأقرب لموقعه، أو النوبارية التي ظل الحضور الأبرز فيها لسكان محافظة البحيرة، لكن الدلتا الجديدة تتفرد بموقع استراتيجي لقربها من الدلتا القديمة وشبكة الطرق والموانئ، حيث تتاخم محور "روض الفرج– الضبعة" الذي يربط محافظات القاهرة الكبرى بالساحل الشمالي الغربي مباشرة وفي نطاق الحدود الإدارية لمحافظات مرسى مطروح والبحيرة والجيزة.
وكشف أن نتائج الدراسات التفصيلية لأراضي الدلتا الجديدة التي قامت بها وزارة الزراعة المصرية أظهرت أنها تصلح لزراعة المحاصيل الاستراتيجية، على رأسها القمح والذرة الصفراء والبقوليات ومحاصيل الخضر وأنواع مختلفة من الفاكهة.
لكن الأكاديمي كشف عن تخوّفه من كثرة المشاريع وتزامنها، موضحاً أن دلتا الضبعة الجديدة يواكبه تنفيذ مشروع مستقبل مصر الذي تبلغ مساحته 500 ألف فدان، والذي يقع شمال وجنوب محور الضبعة. الذي بدأ تنفيذه بالفعل باستغلال المياه الجوفية المتاحة بالمنطقة. من خلال زراعة 200 ألف فدان حالياً يتوقع أن تصل إلى 350 ألف فدان مع بداية 2022، الأمر الذي يزيد من مخزون المياه الجوفية في تلك المنطقة سنوياً، ويؤدي إلى وفرة في مياه الري، ويزيد من نجاح المشروع أن هذه المنطقة منبسطة تساعد على زيادة احتياطيات الخزانات الجوفية من المياه بكفاءة عالية.
تتوازى مع ذلك مشروعات يتم تنفيذها في مناطق أخرى في شمال ووسط سيناء في الشرق، وتوشكى في الجنوب، والوادي الجديد في الغرب، ومشروع الريف المصري في الظهير الصحراوي لعدد من المحافظات.
ويشير الى أن التسرع في تنفيذ مشروعات مجتمعة سيكون تكراراً لسيناريو مشروع ترعة السلام في سيناء، وتوشكى في الصحراء الغربية جنوب مصر، حيث تم سحب مخصصات ترعة السلام لصالح توشكى، وفي النهاية لم يتم تنفيذ أي من المشروعين بنجاح.
ويتخوف من أن تتعامل الحكومة مع المشروع بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الصوب الزراعية، والمزارع السمكية، حيث يشارك في تنفيذ تلك المشروعات كل من جهاز الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، وهما جهتان غير متخصصتين، مذكراً المسؤولين بأن العشوائية في قطاع الزراعة تسببت في إحراج القاهرة أكثر من مرة في مختلف الأسواق الدولية والإقليمية خلال السنوات الماضية، بعد تكرار التحذيرات ضد صادراتها من الحاصلات الزراعية بشكل يكاد يفقدها القدرة على النفاذ إلى مختلف الأسواق الخارجية.