يعتقد كثير من المراقبين للأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، أنّ ما كان يروّج عن التدخل الخارجي في تونس، بين نفي وتأكيد، أصبح العديد من القرائن يؤكده اليوم.
واتسع الانقسام داخل تونس وخارجها في الموقف من التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد استناداً إلى الفصل 80 من الدستور المتعلق بالخطر الداهم.
ورغم أنّ سطح الأحداث كان ما يشبه الانتفاضة يوم 25 يوليو/تموز الماضي في عدد من مدن البلاد بشعارات سياسية، أبرزها "حلّ البرلمان" واستجاب لها الرئيس قيس سعيّد، وفق قراءته للدستور، فإنّ حزب العمال (شيوعي) حذّر قبل يومين من ذلك كونه "عملاً مخابراتياً وراء دعوات التظاهر".
وقال الحزب، في بيان، يوم 23 يوليو/تموز الماضي، إنه "لا يمكن أن ينخرط أو يسير وراء دعوات مجهولة المصدر تقف وراءها أوساط غير معلومة أو مشبوهة، بعضها يجري الحديث عن علاقته بالمخابرات الصهيونية".
ووّجهت قيادات من حركة النهضة، في مؤتمر صحفي يوم 25 يوليو الماضي، الاتهام إلى الإمارات العربية المتحدة بالوقوف وراء التحريض على الحزب ورموزه، خاصة بأذرعها الإعلامية في تونس.
ومن التصريحات اللافتة في هذا السياق، دعوة كريس مورفي، العضو الديمقراطي بالكونغرس الأمريكي، الإدارة الأمريكية إلى الكشف عن الدور السعودي والإماراتي في الأحداث الجارية في تونس.
وغرّد مورفي على حسابه بتويتر، يوم 27 يوليو/تموز: "ما هو الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات في الأزمة التونسية؟ يجب أن تسعى إدارة بايدن للحصول على إجابة لهذا السؤال على عَجَل".
وشارك العضو الديمقراطي في تغريدته عناوين متطابقة في الإعلام السعودي والإماراتي حول الشأن التونسي، مثل:"تونس تنتفض على الإخوان"، و"قرار شجاع لإنقاذ تونس".
وإلى جانب ذلك طالب رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق إنريكو ليتا (2013-2014)، بالحيلولة دون الوقوع في السيناريو الانقلابي المصري في تونس.
ودوّن ليتا، وهو الأمين العام للحزب الديمقراطي الإيطالي، ثاني حزب في الائتلاف الحاكم، على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك: "تونس أمام مفترق طرق مثير؛ فإما حكم القانون والديمقراطية أو النتيجة "المصرية" قريبة".
وأضاف: "يجب على إيطاليا وكذلك الاتحاد الأوروبي تجنب هذا السيناريو، بأي ثمن، والقيام بكل شيء، حتى تعود القواعد الديمقراطية"، في إشارة إلى وجود قوى ضغط لتوجيه المسار السياسي في تونس.
تصريح تبون.. اللبيب يفهم
كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون صريحاً في الإشارة إلى وجود "ضغط" على تونس.
وصرّح تبون في حوار بثه التلفزيون الجزائري مساء الأحد الماضي، بأنّ بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي لتونس؛ لأنّها "قادرة على حل مشاكلها بنفسها، دون ضغط"، قائلاً: "لا نقبل أن يضغط على "الناس" مهما كانوا".
واعتبر المحلل السياسي التونسي الحبيب بوعجيلة، في تصريح لـ"عربي بوست"، أنّ تبون يقصد من حديثه التدخل الإماراتي، مشيراً إلى أنّ "تصريح الرئيس الجزائري جاء بعد الزيارة "عالية المستوى" للإماراتيين لقيس سعيّد".
وأضاف بوعجيلة أن "هذا دليل واضح على أنّ الجزائريين منزعجون من محاولة إرباك الترتيب الجيواستراتيجي الذي تم في المنطقة، بتعاون جزائري تركي وبموافقة تونسية، في اتجاه تحجيم الدور الإماراتي المصري في ليبيا".
وذكّر الحبيب بوعجيلة بتصريح سابق للرئيس تبون، كشف فيه أنّ الجزائر كانت ستتدخل عسكرياً لمنع سقوط طرابلس بأيدي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
وأضاف بوعجيلة: "الجزائريون لا يخفون رفضهم للتدخل المصري الإماراتي في المنطقة".
وقد باتت هرولة أنظمة عربية معروفة بعدائها لثورات "الربيع العربي"، إلى تونس للتعبير عن دعم الرئيس قيس سعيّد في قراراته، علامة للكثيرين على ضلوع هذه الأنظمة في ما جرى في بلاد الياسمين، أو عملها على توجيه الأحداث وفق رؤيتها المعادية للثورات ولـ"الإسلام السياسي".
وكان لافتاً تطابق عبارات حشد الدعم للرئيس سعيّد من قِبل مسؤولين في كل من الإمارات، والسعودية، ومصر، والبحرين.
وكان سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قد نقل لقيس سعيدّ، يوم 3 أغسطس/آب الحالي، رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي مفادها "الدعم المطلق للإجراءات التاريخية التي اتخذها رئيس الجمهورية لتحقيق إرادة الشعب، وضمان استقرار تونس، ورعاية مصالحها".
وأفاد وزير الخارجية المصري بأن بلاده "تثق في حكمة رئيس الدولة وقدرته على قيادة هذا المسار الدستوري السليم"، بما يعني دخول الجانب المصري في الجدل الدائر في تونس حول تأويل الفصل 80 من الدستور.
ومن جانبه، أكد أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، لدى استقباله في قصر قرطاج، يوم 7 أغسطس/آب 2021، أنّ الإمارات "تتفهم القرارات التاريخية لرئيس الجمهورية وتدعمها، وهي تدرك أيضاً أهميتها للحفاظ على الدولة التونسية والاستجابة لإرادة شعبها"، حسب ما نقله بلاغ لرئاسة الجمهورية التونسية.
واحتفى أنور قرقاش بما يجري في تونس، ووصفه بأنّه "لحظة تاريخية"، مُشدداً على أن "الإمارات على ثقة بقدرة رئيس الجمهورية على عبور هذه المرحلة وحماية الدولة التونسية من كل ما يهددها"، حسب المصدر نفسه.
وإلى جانب ذلك أعرب عبداللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية البحريني، عند استقباله من قبل قيس سعيّد، يوم 9 أغسطس/آب 2021، عن "ثقة دولة البحرين، قيادة وشعباً، في حكمة فخامته (قيس سعيّد) ورؤيته الصائبة".
وأكّد الزياني وقوف البحرين إلى جانب تونس "ومساندتها لقرارات رئيس الجمهورية، وثقتها في قدرته على قيادة تونس بحكمة وكفاءة، واتخاذ القرارات المناسبة لفائدة الشعب التونسي لتجاوز هذه الفترة الصعبة"، حسب ما نقله بلاغ لرئاسة الجمهورية التونسية.
أمّا الموقف السعودي فقد ورد في برقية لوكالة الأنباء السعودية يوم 27 يوليو/تموز الماضي، جاء فيه أنّ "المملكة تؤكد ثقتها في القيادة التونسية، ووقوفها إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار الجمهورية التونسية". وهي العبارات نفسها التي وردت في لقاء الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية السعودي، عند استقباله من قِبل الرئيس قيس سعيّد، يوم 30 يوليو/تموز 2021، حسب ما نقله بلاغ لرئاسة الجمهورية التونسية.
ويؤكّد الحبيب بوعجيلة لـ"عربي بوست" أنّ "التدخل الإماراتي في تونس ليس جديداً، فقد انطلق منذ 10 سنوات مع الثورة التونسية".
وأشار بوعجيلة إلى تصريح للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي تحدث فيه عن المال الإماراتي الذي ساهم في توجيه الرأي العام في الانتخابات الرئاسية سنة 2014 لصالح مرشح المنظومة القديمة الباجي قائد السبسي.
كما تحدث الباجي قائد السبسي نفسه عن رفضه شروطاً إماراتية "باهظة الثمن" لدعم تونس، وهي التراجع عن الديمقراطية، ومشاركة حركة النهضة (الإسلامية) في الحكم، يضيف بوعجيلة.
تدخل قديم في تونس
يرى الكاتب التونسي بحري العرفاوي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "هناك من يدفع الرئيس قيس سعيّد بقوة لتوريطه ويبالغ في "الإجراءات الاستثنائية"، وأنّ الزيارات المتلاحقة من محور معيّن (الإمارات والسعودية ومصر والبحرين) تؤكّد وجود ضغوط خارجية لا تكف عن إغراء سعيّد".
وأضاف العرفاوي: "يبدو أنّ قيس سعيّد يقاوم كي لا يكون أداة بيد أي طرف داخلي أو خارجي وربّما أبلغ الرئيس الجزائري تبون بذلك".
ويعتبر العرفاوي أنّ الحالة التونسية واقعة "ضمن مدار صراع المحاور، ومن يتهمون سعيّد بكونه ضمن محور إماراتي فرنسي مصري سعودي، عليهم تذكر أنهم متهمون بكونهم ضمن محور تركي قطري أمريكي بريطاني".
لكن المحلّ السياسي الحبيب بوعجيلة يرى أنّ "المحور الأمريكي والأوروبي، باعتباره ثابتاً على خطابه، هو على نقيض المحور المعادي للثورات. فالتصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية ومسؤولين أوروبيين بخصوص الشأن التونسي تُكرّر الخطاب التقليدي للغرب الديمقراطي، ولذلك لا يمكن اعتبارها تدخلاً، إنّما تعبيراً عن مواقف مبدئية"، حسب بوعجيلة.
وأضاف المتحدث أن "مواقف العالم الحرّ بخصوص قرارات الرئيس قيس سعيّد هي تعبير عن الحرص على أن تبقى الديمقراطية محفوظة، خاصة في التجربة التونسية التي حرصت الإدارة الأمريكية على رعايتها حتى لا يبقى العالم العربي بؤرة احتقان، ولتكون الديمقراطية سبيلاً لحماية جنوب المتوسط من عدوى الأنظمة الاستبدادية التي لم تكن ضامنة للاستقرار"، حسب تعبير الحبيب بوعجيلة.
جدير بالذكر أنّ منصة "إيكاد" لنشر الحقائق ورصد الأخبار المزيفة، كشفت وقوف حسابات مصرية وسعودية وإماراتية خلف الوسم التونسي المتصدر "تونس تنتفض ضد الإخوان"، وذلك بهدف رسم توجهات المشهد التونسي.
وبيّن التحليل الرقمي أنّ الوسم أسسته حسابات مصرية غامضة، وتبعها في التفاعل حسابات خليجية أغلبها وهمي.
وأوضح النشاط الرقمي المتطابق للجان الإلكترونية يومي 25 و26 يوليو/تموز 2021، أنّ 1,5% فقط من التفاعلات مع الوسم المذكور كانت من تونس، في حين أنّ 98,8% كانت من خارج البلاد، أهمّها حسابات سعودية وإماراتية ومصرية. وكذلك من اليمن والمكسيك والبرازيل وجنوب إفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية. وجرت عملية التفاعل وفق نمط آلي.
ويوم 6 أغسطس/آب الحالي، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن استخدام السعودية برنامج "بيغاسوس" الخاص بشركة "NSO" الإسرائيلية للتجسس على رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي.
واعتبرت حركة النهضة، في بيان، أنّ "استهداف" رئيسها راشد الغنوشي من قِبَل جهة أجنبية، "اعتداء على الدولة التونسية وسيادتها". ودعت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، إلى "التحقيق في الموضوع واتخاذ الموقف الرسمي المطلوب ضد هذا الاعتداء الخارجي".