دعا رئيس البرلمان التونسي، زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الرئيسَ التونسي قيس سعيّد للتراجع عن "حافة الهاوية"، والمشاركة في الحوار، محذراً من أنّ شرعية ثورة 2011 قد صارت في خطر.
في مقال رأي نشره الغنوشي بصحيفة The Independent البريطانية، الثلاثاء 10 أغسطس/آب 2021، اتّهم زعيم حركة النهضة، الرئيس بـ"الاستيلاء على السلطة، بطريقة تُعرّض رحلتنا الهشة والناشئة تجاه الديمقراطية للخطر".
الأسبوع الماضي قال الرئيس التونسي إنه لا عودة إلى الوراء، ولا حوار إلا مع من وصفهم بـ"الصادقين"، في إشارة إلى رفضه الحوار مع خصومه الذين انتقدوا قراراته بالسيطرة على السلطة التنفيذية وتجميد البرلمان، ووصفها البعض بالانقلاب.
أصعب أزمة سياسية منذ الثورة
إذ أدخل الرئيس قيس سعيّد البلاد الشهر الماضي في أصعب أزماتها السياسية منذ عقدٍ كامل، حين أقال رئيس الوزراء، ووزيري الدفاع والعدل، وجمّد البرلمان. كما نُشِرَ الجنود حول مبنى البرلمان لمنع أعضائه من دخوله، وحُظِرَت التجمعات الكبيرة.
فقد وصف العديد من الخبراء وأشد منتقدي الرئيس -خاصةً في حركة النهضة- تلك الخطوات الدراماتيكية بأنّها "انقلاب".
لكن سعيد استنكر هذا الوصف بشدة قائلاً إنّه يستجيب لمطالب المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع قبل الأزمة، ودعوا إلى استقالة رئيس الوزراء وحلّ البرلمان، وذلك في أعقاب الاستجابة الكارثية للجائحة والأوجاع الاقتصادية.
صحيفة The Independent البريطانية قالت إنها تواصلت مع مكتب الرئاسة، لكنّها لم تحصل على ردٍّ فوري.
دعوة جديدة للحوار
كتب راشد الغنوشي: "رفض الرئيس حتى الآن دعواتنا للحوار، لكنَّنا نأمل أن تسود الحكمة في النهاية، ندعو الرئيس قيس سعيد إلى التراجع عن حافة الهاوية، والانخراط في حوار ومشاركة سياسيين حقيقيين شاملين".
كما قال راشد الغنوشي إنَّ هذا يجب أن يتضمَّن إلغاء تعليق البرلمان، وتسمية رئيس وزراء وحكومة يصوت عليهما البرلمان الذي يجب استشارته بشأن الإصلاحات السياسية.
رئيس البرلمان التونسي أضاف: "تنطفئ الديمقراطية التونسية، منارة الأمل للعالم العربي، بنمطٍ مألوف تماماً أمام أعين المجتمع الدولي. لا يمكننا السماح بحدوث ذلك".
لطالما بُشِّرَ بتونس باعتبارها قصة نجاح انتفاضات الربيع العربي في 2011، التي شهدت الإطاحة بالرئيس التونسي الذي حكم طويلاً زين العابدين بن علي، لكنَّها منذ ذلك الحين تنتقل من أزمة إلى أخرى.
قيس سعيّد يرفض الحديث عن انقلاب
عانت تونس من ارتفاع البطالة، التي تزايدت على مدار العام الماضي من الجائحة لتصل إلى نحو 18% في المتوسط و40% بين الشباب. وتلقى قطاع السياحة في البلاد ضربة كبيرة بعد هجمات متكررة من جانب ما يُسمَّى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
نفى سعيد، وهو محامٍ دستوري سابق، بشدة، تحريضه على انقلاب، وقال إنَّه مضى قدماً بالإجراءات استجابةً لدعوات الشارع.
بينما كان معظم الغضب في الاحتجاجات التي عمَّت أرجاء البلاد وصولاً إلى التعليق المثير للبرلمان مُوجَّهاً نحو النهضة، التي تملك الكتلة الأكبر في البرلمان. وجرى اقتحام مكاتب النهضة ومقراتها المحلية، بل وأُضرِمت النار فيها خلال المسيرات.
فيما نفى راشد الغنوشي أن يكون سعيد تحدث إليه عن الإجراءات، لم يقل رئيس الوزراء السابق هشام المشيشي شيئاً في أول الأمر، لكنَّه قال لاحقاً إنَّه لن يكون "عنصراً مُعطِّلاً أو مشكلة"، وإنَّه سيسلم السلطة "متمنياً كل التوفيق للفريق الحكومي الجديد".
نبرة "أكثر تصالحية" من راشد الغنوشي
فقد نشرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التونسية، يوم الخميس الماضي، 5 أغسطس/آب، صوراً للمشيشي في أول ظهور علني له منذ إقالته في 25 يوليو/تموز.
حسب الصحيفة البريطانية، بدا أنَّ صور هيئة مكافحة الفساد، التي نُشِرَت على موقعها، ترمي لتبديد التقارير غير المؤكدة التي تحدثت عن كونه قيد الإقامة الجبرية.
لكنَّ الغنوشي استخدم في مقاله نبرة أكثر تصالحية، ومن اللافت أنَّه تجنَّب استخدام كلمة "انقلاب" ولم يدع المجتمع الدولي للتدخل بأي شكل.
حذَّر من "الديكتاتورية" بسبب ما قال إنَّه اقتحام مكاتب وسائل الإعلام، وإقالة الوزراء والولاة، والقيود على وسائل الإعلام، وفرض منع سفر بالجملة على القضاة والمحامين والسياسيين ورجال الأعمال ونشطاء المجتمع المدني.
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي كتب: "لا يمكننا أن نسمح بأن تؤدي هذه التحديات إلى ديكتاتورية أخرى. قدَّم عدد لا يُحصى من التونسيين أرواحهم وضحّوا لبناء نظام ديمقراطي يمكنه حماية الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة".