عام على انفجار مرفأ بيروت.. القاضي يخوض معركة لاستجواب المسؤولين المتورطين و”الحصانة” تمنعه

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/05 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/05 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
انفجار مرفأ بيروت، أغسطس 2020/ رويترز

عام على التفجير الذي هز بيروت، وأودى بحياة 218 مواطناً وأكثر من 6500 جريح، في وقت كان يعاني فيه لبنان من أزمات خانقة، وكأن لم يكن ينقصه إلا انفجار المرفأ، ومنذ ذاك التاريخ والتدهور هو العنوان الأبرز لوصف الحالة التي يعيشها البلد الذي كان مقصداً سياحياً عالمياً.

وعقب الكارثة التي وصفت أنها ثالث أكبر انفجار في العالم، وعد وزير الداخلية والبلديات محمّد فهمي الشعب اللبناني أن التحقيق سيستغرق 5 أيام كحدّ أقصى لمحاسبة كل من ارتكب هذا الجرم بحقّ الضحايا والعاصمة بأكملها. 

لكن اللبنانيّين حينها، وأهالي الضحايا كما الجرحى، أدركوا أن كلام الوزير كان مجرد حبر على ورق، فتجارب اللبنانيين السابقة مع الحكومات المتعاقبة لم تَشِ بما يترك مجالاً للتفاؤل، وحسن الظن، فاغتيال الحريري لغز لم يحاسب عليه أحد حتى اليوم.

القضاء يتجرّأ على السياسيين

وكان القضاء في عهد قاضي التحقيق العدلي السابق فادي صوان قد قام في 10 يناير/كانون الأول من العام المنصرم باستدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، ووزيري الأشغال السّابقين يوسف فينيانوس -المحسوب على تيار المردة حليف نظام الأسد- وغازي زعيتر -المحسوب على رئيس البرلمان نبيه بري- ولكنهم فوجئوا بهذه الاستدعاءات ورفضوا المثول أمام المحكمة. 

فيما هرع حينها رئيس الحكومة السّابق سعد الحريري إلى مقرّ رئاسة الحكومة حيث دياب للتأكيد على أن موقع رئاسة الحكومة مقدّس ولا يحق لأحد المساس به، اتفقت الطبقة السياسية من خلال أذرعها القضائية على إقالة القاضي صوّان بحجة أن منزله تضرر من انفجار المرفأ وبالتالي لن يكون منصفاً أثناء التحقيق. 

وفي 19 يناير/كانون الثاني 2021، تم تعيين المحقّق العدلي الحالي القاضي طارق البيطار لمتابعة قضية انفجار المرفأ والذي سار على خطى صوّان في الاستدعاءات، كما أنه وسّع رقعة الاستدعاءات لتطال مدير الأمن العام اللبناني اللّواء عباس إبراهيم ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، بالإضافة للمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا لكنها اصطدمت برفض إعطاء تصاريح ملاحقة القادة الامنيون ورفع الحصانة عن النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر.

الحصانة تقف أمام المحاسبة

يؤكد مصدر مطلع على المسارات القضائية لـ"عربي بوست" أن القاضي طارق البيطار سيستدعي كل من يرى في إمكانه كشف حلقة مخفية في القضية، والأسماء كثيرة لديه، لكن الحصانات تُشكل سدّاً منيعاً أمامه ولا يمكنه أن يتخطى الحصانة النيابية مثلاً إلا بقرار من المجلس النيابي ضمن دورة انعقاد المجلس أما بعدها فحديث آخر.

ووفق المصدر فإن الجميع يفترض أن يمثلوا أمامه إذا استدعاهم، ووحده رئيس الجمهورية يفترض أن يحضر لسؤاله كشاهد إذا أراد القاضي ذلك، أما رئيس الحكومة يفترض أن يمثل أمامه إذا استدعاه كمدعى عليه.

وبحسب المصدر فإنه لا تمرّ أي معلومة أمام قاضي التحقيق ويهملها، بل يعمل على تأكيدها أو نفيها، لذا من المفترض أن يستمع إلى كل من يرى ضرورة الاستماع إليه، وليس كل من يُستدعى للاستماع له ضلع في الجريمة، لكن الإحاطة بالملف كاملاً يقتضي هذا، لذلك وفق المصدر فإن القاضي بيطار يعد لوائح أسماء جديدة لاستدعائها والتحقيق معها ضمنها أسماء كبيرة في الدولة، وأن الملفات شارفت على الانتهاء بانتظار خطوات رفع الحصانات عن النواب غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق، بالإضافة لإعطاء الإذن لملاحقة مدير عام الأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​ والمدير العام لأمن الدولة ​اللواء طوني صليبا​.

وبحسب المصدر فإن المحقق العدلي القاضي طارق بيطار بات يمتلك تصوراً واضحاً عن كيفية شراء شحنة ​نترات الأمونيوم​ وأصحابها الحقيقيين، وأسباب دخول شركات وهمية على خط شراء النترات من ​جورجيا​، ومن يقف وراء هذه الصفقة، والأسباب الكامنة وراء تحويل وجهة الباخرة من ​موزمبيق​ إلى ​مرفأ بيروت، وبحسب المصدر فإنه يتوقع أن ينتهي الملف من حيث التحقيقات والقرار الاتهامي مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي حيث من المتوقع أن يشكل صدمة إيجابية للبنانيين وصادمة للمسؤولين في الدولة.

الالتفاف حول الحصانات

فيما يحاول المسؤولون من وزراء ونوّاب وكبار الموظّفين في الدولة اللبنانيّة المشتبه بهم في قضية المرفأ، الالتفاف على قضية رفع الحصانات، فقانونياً، تتفرّع الحصانات إلى 4 أجزاء.

يوضح المحامي أيمن رعد لـ"عربي بوست" أن الحصانة النقابية هي للوزراء المحامين الذين إذا شغلوا منصب الوزارة يجب ألا يعملوا في مهنة المحاماة حتى انتهاء ولايتهم ـ مثال غازي زعيتر ويوسف فنيانوس ـ إلا أن حلول التمسّك بهذه الحصانة كحجّة للهروب من التحقيق لم تعد مجدية، فقد أعلنت نقابة المحامين قبل أسبوع تقريباً رفع الحصانة عنهما. 

أشار المحامي أيمن رعد إلى أن المجلس النيابي اليوم في حالة انعقاد دائم بسبب وجود حكومة مستقيلة، ومتى تشكّلت الحكومة يعود المجلس النيابي إلى عمله التشريعي الطبيعي فترفع الحصانات عن النواب تلقائيّاً. 

أما مدعي عام التمييز القاضي حاتم ماضي، فيؤكد لـ"عربي بوست" أن مجلس النوّاب يناقش تشكيل لجنة تحقيق برلمانيّة يعتبرونها فرصة لتأجيل قرار المحقّق العدلي، لكن رأي ماضي معاكس لهذا الطرح، إذ يعتبر القاضي ماضي أنهم أمام خيارين: إمّا استكمال موضوع اللجنة البرلمانية، أو تسليم أسماء المتهمين للهيئة العامة التي بدورها تطلب من المحقّق العدلي، أي القاضي بيطار، رفع الحصانة عنهم.

الوزراء وكبار موظّفو الدولة: الحصانة الزائفة 

وفي القانون، لا يتمتع الوزراء ورئيس الوزراء بأي حصانة، ففي حال أي من الوزراء أخلّوا بمهامهم الوظيفية، يحوّلون إلى محكمة خاصة وهي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. 

وعن كبار الموظّفين، كمدير الأمن العام اللبناني اللواء عبّاس ابراهيم وقائد الجيش السّابق جان قهوجي، لا يمكن ملاحقتهم إلا بإذن من رؤسائهم، أي أن الوزراء وفي حالة اللّواء إبراهيم، يجب على وزير الداخلية، وهو محمّد فهمي في الوقت الحالي، إعطاء الإذن للمحقّق العدلي بملاحقته. 

ما جرى هو أنّ فهمي رفض إعطاء الإذن للملاحقة، وهنا يستند رعد إلى النصوص القانونية، مشيراً إلى أنه  بحسب المادة 61 التي عدّلت عام 2020 تنصّ على أحقيّة النيابة العامّة أو المحقّق العدلي تقديم إذن النيابة العامّة، والنيابة العامّة لها الحق -رغم رفض الوزير إعطاء الإذن- بأن تمنحه الإذن بمهلة لا تتجاوز 15 يوماً. 

استطرد رعد قائلاً إن أول نقطة يستند إليها القاضي غسان الخوري، نائب مدعي عام التمييز، هي أن النيابة العامة التمييزيّة هي الطرف المدّعي في ملف المرفأ وبالتالي لا يسمح لها بإعطاء الإذن، وأنها إشكالية خطيرة لأنها "استبعدت صلاحية النيابة العامة التمييزية بإعطاء الإذن للاستجواب".

الإشكالية الأخرى هي أن المحقق ليس مخولاً بالادعاء في هذه الملفات لأنها وظيفة النيابة العامة، وهذا قانونيّاً غير صحيح لأن المادة 263 أيما كانت صفتهم ومناصبهم.

نقاط يرى فيها رعد أنها تخدم المتهمين والمسؤولين؛ إذ تشكل محاولة للالتفاف على القانون لحماية المتورّطين لأن أي شهادة من الممكن أن تفتح باباً لمحاسبتهم في قضايا فساد أخرى.

القرار المبدئي خلال شهر؟ 

المحصلة أن القرار المبدئي في قضية انفجار مرفأ بيروت من المفترض أن يصدر خلال شهر سبتمبر/أيلول، لكنه مرتبط أيضاً برفع الحصانات، لاسيما أن عمل القاضي طارق البيطار -والمخول بإصدار الحكم في القضية- متوقّف حاليّاً إلى حين البتّ فيما يخصّ الحصانات. 

ففي حال رفعت الحصانات عن النواب وأعطي إذن الملاحقة بحق القادة الأمنيين، فذلك يعني الاستماع إلى المتهمين والشهود، وهذا قد يفتح أبواباً كثيرة للمزيد من الشهود والمشتبه بهم، ما يعني أن التحقيق سيطول أكثر نتيجة معلومات جديدة قد يحصل عليها بيطار ليتم إضافتها على الملف الذي بحوزته. لذا، يتوقّع القاضي ماضي أنه في حال رفعت الحصانات، صدور القرار الظنّي نهاية العام الحالي. 

أما في حال لم ترفع الحصانات، فمن المتوقع أن يصدر القرار خلال شهر أو شهرين كحدّ أقصى مع الوضع في الاعتبار أنه ربما يكون قراراً مبيناً على معلومات غير مكتملة؛ نظراً لمنعه من استجواب عدد كبير من المسؤولين المتورطين على المستوى الأمني والسياسي.

لمن تشير أصابع الاتهام؟

يصرّح مصدر سياسي مطلع لـ"عربي بوست" بأن قصة المواد المتفجرة والسفينة تعود لمرحلة سحب السلاح الكيماوي من نظام الأسد في سوريا برعاية وتغطية من الولايات المتحدة وروسيا وبإشراف الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2013 عقب مجزرة الغوطة الشرقية.

وبحسب المصدر والذي رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، أن روسيا استبدلت السلاح الكيماوي الممنوع دولياً بنيترات الأمونيوم والتي كان يستخدمها نظام بشار الأسد ضد السوريين عبر البراميل المتفجرة والقذائف المصنعة محلياً، وأن هذا المواد التي رست في مرفأ بيروت تم تهريب الجزء الأكبر منها لسنوات عبر حزب الله المسيطر فعلياً على المعابر والمرفأ وبسكوت محلي سياسي وأمني، فيما يرى المصدر أن المسؤولين اللبنانيين الذين ذُكرت أسماؤهم في الاستدعاءات القضائية هم شركاء للحزب في الجريمة.

فيما يتساءل رئيس حزب الكتائب اللبنانية المعارض سامي الجميل أنه لماذا أتت مادة النيترات إلى بيروت؟ من أرسلها؟ ولمن؟ لماذا بقيت 8 سنوات بالمرفأ؟ لماذا لم تتم إزالتها؟ لماذا الكمية التي انفجرت 550 من أصل 2700 طن؟ وأين ذهبت الكمية المتبقية؟ كيف خرجت من المرفأ؟ بشاحنات من؟ بعلم من؟ وإلى أين نُقلت؟" والسؤال الكبير بحسب الجميل: "هل حزب الله حوّل العنبر رقم 12 لمستودع متفجرات، وهل كان يزوّد النظام السوري بالنيترات ليحوّلها براميل متفجرة لرميها على رأس شعبه؟ ما الذي أشعل الحريق؟ ما الذي انفجر في أول انفجار؟

ينتظر اللبنانيون إجابات عن كل هذه الأسئلة، وينتظرون رفع الحصانات عن كل مسؤول كان يعلم بوجود المواد المتفجرة سواء كانوا رؤساء أجهزة أم نوّاباً أم وزراء أم رؤساء حاليين أو سابقين وألا يكون أحد فوق المساءلة.

تحميل المزيد