قال الرئيس التونسي قيس سعيد، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، إنه لن يتحول إلى ديكتاتور، بعد سيطرته قبل أيام على كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، قائلاً إنه يكره ويمقت الديكتاتورية، مجدداً تأكيده أنه لا خوف على الحقوق والحريات في بلاده، التي بدأت تشهد مؤخراً اعتقالات وتضييقات بحق البعض.
سعيّد كرر نفيه القيام بانقلاب، مؤكداً أن "ما حدث ليس انقلاباً، لأنني أكره الانقلابات، كما أكره أيضاً ضرب الدولة التونسية من الداخل"، مضيفاً: "أعلم جيداً النصوص الدستورية واحترامها ودرّستها، وليس بعد هذه المدة كلها سأتحول إلى ديكتاتور كما قال البعض".
فيما أضاف: "من يتحدث عن خرق للدستور فهو كاذب، لأنني استشرت رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، انطلاقاً من الفصل الـ80 من الدستور، وبالتالي فكيف يتم الانقلاب على الدستور بالدستور ذاته!"، مؤكداً أن "كل الدول تعرف التدابير الاستثنائية للحفاظ على كيان الدولة، وللحفاظ على القانون والحقوق والحريات"، وفق قوله.
ورداً على تصريحات رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، بأنهم قد ينزلون للشارع لرفض قرارات سعيد، قال: "هذا مخالف للدستور وللأحكام الدستورية. نحن هنا نتحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ والشعب".
كان الغنوشي قد قال، في حوار له مع وكالة "فرانس برس"، الخميس 29 يوليو/تموز 2021، إنه "سيدعو الشارعَ من أجل الدفاع عن الديمقراطية في تونس، والتحرك لرفع الأقفال عن البرلمان"، وذلك في حال عدم الوصول لأي اتفاق بخصوص الحكومة القادمة وعرضها على البرلمان.
أول واقعة اعتقال
كما ذكر الرئيس التونسي أنه "لم يتم اعتقال أي أحد، إلا من لديه قضايا أمام القضاء، ولن أتركهم ينهبون الشعب التونسي ويهددون المؤسسات".
بينما أعلنت زوجة النائب بالبرلمان التونسي، ياسين العياري، في وقت سابق من الجمعة، أن قوات أمن بالزي المدني اعتقلت زوجها النائب، الذي أكد سابقاً رفضه لقرارات قيس سعيد، واصفاً إياها بالانقلاب العسكري.
تعدّ واقعة الاعتقال تلك هي الأولى من نوعها منذ التطورات الأخيرة التي شهدتها تونس قبل أيام.
حيث قالت سيرين فيتوري، زوجة النائب "العياري"، في تدوينة عبر صفحتها على فيسبوك: "أخذوا ياسين للتو بكل عنف"، دون مزيد من التفاصيل.
"أول إجراءات التضييق"
بدوره، قال سيف الدين مخلوف، رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" في تونس (18 نائباً من 217)، في تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك"، إنه تمت حتى الآن "مداهمة منزل النائب راشد الخياري، وتوجيه استدعاء للنائب ماهر زيد، وفتح تحقيق ضد النواب خالد الكريشي، ومبروك كورشيد، وسيف الدين مخلوف، واعتقال النائب ياسين العياري، إضافة إلى منع جميع النواب من السفر".
كان العياري قد وجَّه انتقادات سياسية متكررة في السابق للرئيس التونسي، وقال إن "قرارات قيس سعيّد انقلاب واضح، وتم تخطيطه وتنفيذه من قِبل فرنسا والإمارات، وإن الرئيس كان مجرد أداة".
جاءت خطوة اعتقال "العياري" بعد ساعات من محاولة قيس سعيد طمأنة الجميع داخل البلاد وخارجها بأنه "ملتزم" باحترام الحقوق والحريات، لافتاً إلى أنه "لم يتم اعتقال أي شخص أو حرمان أي شخص من حقوقه، بل يتم تطبيق القانون تطبيقاً كاملاً لا مجال فيه لأي تجاوز لا من السلطة ولا من أي جهة أخرى (لم يسمها)".
حيث قال سعيد، مساء الخميس، في كلمة ألقاها خلال أداء رضا غرسلاوي، في قصر قرطاج بالعاصمة تونس، اليمين الدستورية بتكليفه بتسيير وزارة الداخلية: "ليطمئن الجميع في تونس وخارجها أننا نحتكم للقانون والدستور، وليطمئن الجميع على الحقوق والحريات، وليعلموا أنني حريص عليها"، وفق قوله.
إضافة إلى ذلك، قالت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إن القضاء التونسي فتح، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، تحقيقاً مع أربعة من أعضاء حزب النهضة، بينهم حارس شخصي للغنوشي، بتهمة محاولة القيام بأعمال عنف أمام البرلمان.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.