قرر الرئيس التونسي، قيس سعيد، الإثنين 26 يوليو/تموز 2021، منع التظاهر والتجمعات لأكثر من ثلاثة أشخاص في الساحات العامة، مع تعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية.
حيث قالت الرئاسة التونسية إن سعيد أصدر "أمراً رئاسياً يقضي بمنع جولان (تجوال) الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السابعة مساء إلى الساعة السادسة صباحاً، وذلك ابتداءً من اليوم الإثنين إلى يوم الجمعة 27 أغسطس/آب المقبل، باستثناء الحالات الصحية العاجلة وأصحاب العمل الليلي، مع إمكانية تعديل هذه المدّة ببلاغ يصدر عن رئاسة الجمهورية".
وفق هذه القرار، "يحجر تنقُّل الأشخاص والعربات بين المدن خارج أوقات منع الجولان، إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة، كما يُمنع كل تجمُّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة".
البيان الرئاسي أضاف: "تُضبط هذه الحاجيات الأساسية ومقتضيات ضمان استمرار سير المرافق الحيوية طبقاً للأحكام المتعلقة بضبط الحاجيات الأساسية ومقتضيات ضمان استمرارية المرافق الحيوية في إطار تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل".
تعطيل العمل بمؤسسات الدولة
كما قرر الرئيس التونسي تعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية لمدة يومين بداية من يوم الثلاثاء 27 يوليو/تموز الجاري، مع إمكانية تمديد مدة تعطيل العمل ببيان يصدر عن رئاسة الجمهورية.
فيما أكدت رئاسة الجمهورية التونسية أن "هذا الأمر الرئاسي يتيح لكل وزير معنيٍّ أو رئيس جماعة محلية اتخاذ قرار في تكليف عدد من الأعوان بحصص حضورية أو عن بُعد. كما يُلزم الهياكل الإدارية التي تُسدي خدمات إدارية على الخط بتأمين استمرارية تلك الخدمات مع تمكين الرئيس المباشر بكل هيكل إداري أن يُرخّص في بعض الخدمات الإدارية الأخرى أو القيام ببعض إجراءاتها عن بُعد ولاسيّما عبر التراسل الإلكتروني".
بينما يُستثنى من هذا الأمر الرئاسي أفراد قوات الأمن الداخلي والعسكريون وأفراد الديوانة، والعاملون بالهياكل والمؤسسات الصحية العمومية، والعاملون بمؤسسات التربية والطفولة والتكوين والتعليم العالي الذين يخضعون لتراتيب خاصة.
جاءت تلك القرارات عقب لقاء قيس سعيد، مع كل من نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، وسمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وإبراهيم بودربالة رئيس الهيئة الوطنية للمحامين، وعبدالمجيد الزار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وراضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، ونائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.
"ليس انقلاباً"
خلال هذا اللقاء، دعا الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة، الشعب التونسي إلى "عدم الخروج للشوارع، وأن يلتزموا الهدوء، وعدم الرد على الاستفزازات، مشدّداً على أن قراراته الأخيرة ليست انقلاباً، بل تطبيقاً لنص الدستور، فالمسؤولية اقتضت أن ألجأ إلى الفصل 80 من الدستور"، على حد قوله.
وقال: "لا أريد أن تسيل قطرة دم واحدة، وهناك من حوّل الانفجار الثوري إلى غنيمة، وتم السطو على إرادة الشعب، وهناك من اعتقد أن الدولة لقمة سائغة"، مضيفاً: "رأيتم إلى أي وضع مُهين للتونسيين تحولت المؤسسة النيابية".
سعيد أضاف: "نطمئن التونسيين بأن الدولة قائمة، ونؤكد ألا مجال للتعدي على الدولة، ولا يمكن أن تستمر مؤسسات الدولة بالشكل الحالي"، داعياً التونسيين إلى "التعقل والانتباه لمن يدعو للفوضى وإراقة الدماء"، وشدّد على أنه "لا مجال للتسامح مع من نهب أموال الدولة".
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014 الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسي الوزراء والبرلمان.
سعيد قال إنه اتخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيد، إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء؛ طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية، إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً إلى أنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة"، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس بأنها "خرق جسيم للدستور"، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (قومية).