أعلن رؤساء الحكومة اللبنانية السابقون، وبينهم سعد الحريري، الأحد 25 يوليو/تموز 2021، دعمهم ترشيح رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة قبل الاستشارات النيابية الملزمة والمقررة غداً الإثنين 26 يوليو/تموز.
جاء ذلك في بيان أصدره "نادي رؤساء الوزراء اللبنانيين السابقين"، عقب اجتماع لمناقشة آخر المستجدات السياسية في البلاد، وضم نجيب ميقاتي، وسعد الحريري، وتمام سلام، وفؤاد السنيورة الذي تلا نص البيان.
حسب البيان، جاء موقف المسؤولين السابقين "في خضم الانهيارات الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والنقدية التي يعاني ويئن منها الشعب اللبناني، والتي أطاحت بعيشه الكريم، وأصبح بالتالي لا يثق بدولته ولا يثق بالمنظومة السياسية في أقداره على الخروج من الويلات التي تعصف به".
"مبادرات إيجابية"
البيان أضاف: "في هذا الأتون المحتدم ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر مبادرات إيجابية من قبل الجميع تأتي انطلاقاً من المبادرة الفرنسية واستكمالاً لها، وإلى مبادرة الرئيس نبيه بري بحيث يصار إلى تكليف شخصية بنتيجة استشارات نيابية ملزمة تكون قادرة على أن تؤلف حكومة من مستقلين غير حزبيين من أصحاب الاختصاص بعيداً عن تسلط القوى والأحزاب السياسية، تحت ذرائع أثلاث معطلة أو غيرها تدفعها إلى الاستقالة".
في حين شدّد البيان على ضرورة أن تكون الحكومة الجديدة "منسجمة ومتضامنة، وتحظى بثقة اللبنانيين وثقة المجتمعين العربي والدولي، وتستطيع أن تقود لبنان خلال المرحلة القادمة، وذلك استناداً إلى القواعد التالية التي يستعاد خلالها الاعتبار والاحترام والالتزام".
كما حدّد بيان رؤساء الحكومة اللبنانية السابقون مجموعة من المبادئ تمثلت في "وثيقة الوفاق الوطني واستكمال تطبيقها، وبالدستور اللبناني بعيداً عن البدع والانتهاكات التي أصبحت تخرق الدستور اللبناني، وكذلك في الممارسة الحكومية التي يجب أن تكون مبنية على احترام كامل للنظام الديمقراطي البرلماني".
وأشار إلى "استقلالية القضاء بما يعيد الاعتبار لدولة القانون والنظام، ويؤكد على محاربة الفساد والإفساد".
كذلك دعا إلى أن تتولى الحكومة الجديدة "العمل على البدء بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية والسياسية، ومن ضمن ذلك المسارعة إلى البدء بإجراء حوار وتعاون شفاف وجدِّي ومجدٍ مع صندوق النقد الدولي، وكذلك مع المؤسسات العربية والدولية والمالية والتنموية والدول الشقيقة والصديقة، بما يسهم باستعادة النهوض والاستقرار للأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية".
انطلاقاً من الالتزام الكامل بهذه المبادئ والقواعد، أوضح رؤساء الحكومات اللبنانية السابقون أنهم يدعمون ترشيح "نجيب ميقاتي ليتولى مهمة تأليف الحكومة، استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة على أن تتم عملية التأليف حسب ما تمليه القواعد الدستورية والقانونية وتحاكي توقعات اللبنانيين وأشقائهم العرب وأصدقائهم في العالم".
الاستشارات النيابية
كانت الرئاسة اللبنانية قد أعلنت، الإثنين 19 يوليو/تموز 2021، أن الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة الجديد ستبدأ يوم الإثنين 26 يوليو/تموز الجاري؛ وذلك في محاولة جديدة لدفع السياسيين المنقسمين في البلاد لتشكيل حكومة عقب اعتذار الحريري.
جرت العادة في لبنان على أن يتولى رئاسة الوزراء مسلم سُني، ورئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، ورئاسية مجلس النواب (البرلمان) مسلم شيعي، وذلك بحسب اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990)، وكرّس معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصات المكوناتية التي توزع المناصب الرئيسية بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة.
جدير بالذكر أنه يتعين على عون اختيار المرشح الذي يتمتع بأكبر دعم من أعضاء مجلس النواب، الذي يشكل حزب الله وحلفاؤه السياسيون أغلبية فيه.
اعتذار الحريري
كان الحريري قد أعلن اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة، يوم الخميس 15 يوليو/تموز، بعدما تقدم الأربعاء بتشكيلة وزارية ثانية إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن الأخير طلب تعديلاً بالوزارات وتوزيعها الطائفي، وهو ما رفضه الحريري.
في المقابل، قالت الرئاسة، في بيان، إن الحريري "رفض كل التعديلات المتعلقة بتبديل الوزارات والتوزيع الطائفي لها والأسماء المرتبطة بها".
يشار إلى أنه على مدار نحو 9 أشهر، حالت خلافات بين عون والحريري دون تشكيل حكومة لتخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/آب 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي في مرفأ العاصمة بيروت.
فيما تركزت هذه الخلافات حول حق تسمية الوزراء المسيحيين، مع اتهام من الحريري ينفيه عون بالإصرار على الحصول لفريقه، ومن ضمنه جماعة "حزب الله" (حليفة إيران)، على "الثلث المعطل"، وهو عدد وزراء يسمح بالتحكم في قرارات الحكومة.
"أسوأ أزمة اقتصادية"
يأتي ذلك بينما يعاني لبنان، منذ نحو عامين، أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، مع تدهور مالي ومعيشي، وانهيار للعملة المحلية (الليرة) مقابل الدولار، وشح في السلع الغذائية والأدوية والوقود.
على إثر ذلك، وصف البنك الدولي، مطلع يونيو/حزيران الماضي، الأزمة في لبنان بأنها "الأكثر حدة وقساوة في العالم"، وصنفها ضمن أصعب 3 أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر.
إلى ذلك، تضغط الحكومات الغربية على السياسيين اللبنانيين لتشكيل حكومة يمكنها الشروع في الإصلاح. وهددت دول غربية بفرض عقوبات وقالت إن الدعم المادي لن يتدفق قبل بدء الإصلاحات.
في هذا الصدد، تشهد مناطق لبنانية عدة بين الحين والآخر احتجاجات شعبية غاضبة يتخللها قطع طرقات؛ اعتراضاً على الواقع المعيشي وتصاعد الأزمة الاقتصادية.