قال موقع Al-Monitor الأمريكي الخميس 15 يوليو/تموز 2021، إن استياء كبيراً يُخيِّم على القاهرة من الموقف الذي تتخذه روسيا جراء أزمة "سد النهضة"، مشيرة إلى أن أصوات بدأت تظهر لإعادة تقييم العلاقات مع موسكو التي يُنظَر إليها منذ فترةٍ طويلة باعتبارها حليفةً للقاهرة، ولكنها لم تتخذ موقفاً انتظرته مصر منها، خصوصاً في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة.
وعقد مجلس الأمن جلسةً بشأن سد النهضة في 8 يوليو/تموز الجاري، بناءً على طلب مصر والسودان، حيث قدَّمَت تونس، العضو غير الدائم في المجلس، مشروع قرار يدعو إثيوبيا إلى تعليق الملء الثاني الجاري لخزَّان السد حتى يتم التوصُّل إلى اتفاقٍ مُلزِمٍ قانوناً بشأن تشغيل السد وملئه في غضون ستة أشهر.
بحسب الموقع الأمريكي، فقد توقَّعَت مصر من روسيا وحلفاءٍ آخرين إظهار دعمهم لموقفها بشأن السد، الذي تعتبره "تهديداً وجودياً".
في الوقت الذي أقرَّ ممثِّل روسيا في المجلس بالأهمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للسد بالنسبة لإثيوبيا، في بيانٍ ربما كان أكثر "توازناً" مِمَّا كانت تحبِّذه مصر.
وأعرب فاسيلي نيبينزيا، ممثِّل روسيا، عن تفهُّمه لما وصفه بـ"المخاوف المشروعة" لكلٍّ من مصر والسودان فيما يتعلَّق بالتأثير السلبي المُحتَمَل للسد خلال سنوات الجفاف في غياب اتفاقٍ مُلزِم، داعيا إلى حلٍّ تفاوضي للمأزق، ومعرباً عن قلقه من تصعيد ما أسماه بـ"خطاب المواجهة" بين الدول الثلاث.
وقال نيبينزيا: "هذا الخطاب لا يُفضي إلى إيجاد حلولٍ قائمة على التسوية"، مضيفاً: "نحن مقتنعون بأن الاتفاقات الخاصة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب ألا تؤدِّي إلى تهديداتٍ للأمن والسلام".
موقف صادم
جاء غياب الدعم الكافي للموقف المصري بشأن السد من جانب روسيا صادماً للعديد من المراقبين المحليين.
حيث قال البعض إن مصر علَّقَت الكثير من الآمال على جلسة مجلس الأمن لوقف الملء الثاني للسد حتى يتم التوصُّل إلى اتفاقٍ مُلزِمٍ قانوناً. لكن هذا التوقُّع انهار، ويتَّهِمُ المصريون روسيا بالمساعدة في تحطيم آمالهم.
كتب عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية في 12 يوليو/تموز: "الموقف الروسي كان مفاجئاً. أدعو حكومتنا ورئيسنا إلى إعادة النظر في علاقاتنا مع العالم".
ومع ذلك، إذا كان غياب الدعم الروسي لمصر بشأن السد الإثيوبي يجب أن يلفت الانتباه إلى الاختلاف بين القاهرة وموسكو، تجدر الإشارة إلى أن جذور هذا الاختلاف ربما تمتد إلى الأسابيع الأخيرة فقط.
قال مُحلِّلون إن نفس الاختلاف قد تكون له تداعياتٌ كبيرة على العلاقات الاستراتيجية والتجارة.
وتحوَّلَت القاهرة إلى رفيقتها القديمة موسكو في أعقاب انقلاب الجيش ضد الرئيس الراحل محمد مرسي في منتصف العام 2013، حين كانت مصر منبوذةً من قِبَلِ الكثير من دول العالم، وخاصةً الولايات المتحدة.
قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "كانت روسيا مصدراً مهماً للأسلحة لمصر بعد أن أوقفت الولايات المتحدة إمدادات السلاح عام 2013". وأضاف أن "روسيا والصين واليابان أنقذت مصر من العزلة في ذلك الوقت".
وفي السنوات التالية، توسَّعَت العلاقات بين مصر وروسيا بشكلٍ كبير وبلغت ذروتها في اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وتشكِّل التجارة بين مصر وروسيا، التي تبلغ قيمتها 3.8 مليار دولار، نسبة 83% من إجمالي التجارة بين روسيا وإفريقيا، و33% من تجارتها مع العالم العربي. واشترت مصر أسلحةً بمليارات الدولارات من روسيا منذ العام 2014، بما في ذلك طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي وفرقاطات.
وستقدِّم روسيا 85% من مبلغ 25 مليار دولار هو إجمالي تكلفة بناء أول محطة للطاقة النووية في شماليّ غرب مصر، وسوف تنشئ منطقةً صناعية في منطقة قناة السويس تستقطب حوالي 7 مليارات دولار من الاستثمارات.
واعتاد الجانبان على تنسيق مواقفهما بشأن عددٍ كبيرٍ من القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك في ليبيا وسوريا.
أزمة سد النهضة
يشار إلى أن جلسة مجلس الأمن جاءت في الوقت الذي أخطرت فيه إثيوبيا دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، من دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.
وتُصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز وأغسطس/آب، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنويتين من مياه نهر النيل.
وفي أقوى تهديد لأديس أبابا، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في 30 مارس/آذار الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".
ومنذ عام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء وتشغيل سدّ النهضة، ولكن دون الوصول لنتيجة.