تستعد الحكومة المصرية لتنظيم قطاع التوكتوك، المركبة الصغيرة ذات العجلات الثلاث، عبر إدخال نظام ترخيص على مستوى البلاد وحمل السائقين على التحول إلى حافلات صغيرة تعمل بالغاز الطبيعي، وفق ما ذكرته وكالة رويترز، الخميس 8 يوليو/تموز 2021.
إذ يثير التوكتوك انزعاج البعض وهو يتحرك ويحشر نفسه وسط المرور في شوارع المدن المصرية أو عندما يمرق بسرعة عبر الأزقة الضيقة.
لكنه بالنسبة لآخرين غيرهم وسيلة رخيصة للانتقال من مكان إلى آخر ومن نقطة إلى أخرى في زمن قصير مقارنة بالوقت الذي تستغرقه وسائل النقل العام.
فيما كان إعلان الحكومة المصرية منذ أسابيع، أنها بصدد سحب ملايين من عربات "التوكتوك" الصغيرة بشكلها المميز ذي العجلات الثلاث، واستبدالها بسيارات صغيرة أيضاً تشبه الـ"ميني فان"، قد أثار ضجة كبيرة وفق ما نشره "عربي بوست" في يونيو/حزيران الماضي.
4 ملايين توكتوك في شوارع مصر
يقدّر المسؤولون أن هناك ما يصل إلى أربعة ملايين توكتوك في شوارع مصر، لكنها إما غير مرخصة وإما مرخصة بموجب مجموعة غير منظمة أو منسجمة من القواعد المحلية.
في أغلب الأحيان يزود أصحاب عربات التوكتوك مركباتهم الصغيرة بأضواء ساطعة وبأنظمة صوت قوية، حيث يدخل سائقوها- ومعظمهم من الشباب- في مغامرات دون شعور بالخوف على الطرق السريعة، ويحشرون عرباتهم الصغيرة في فجوات ضيقة بحركة المرور وينحرفون وسط السيارات.
تقول الحكومة إن ترخيصها سيساعد في تعقُّب المسؤولين عن الحوادث أو الجرائم، ويحظر القيادة دون السن القانونية ويوفر لسائقيها تأميناً ومعاشاً بعد التقاعد.
قال طارق عوض، المتحدث الرسمي لمبادرة إحلال السيارات في وزارة المالية، إنه يتوقع أن يختار نصف السائقين استبدال التوكتوك ليأخذوا بدلاً منه شاحنات صغيرة يصفها بأنها وسيلة نقل "آمنة ومتحضرة".
"الاستغناء عن التوكتوك غير ممكن"
رحب بعض السائقين بخطة الترخيص، لكنهم عارضوا استبدال الحافلات الصغيرة بالتوكتوك. يقول السائقون والركاب إن الاستغناء عن التوكتوك غير ممكن.
قال السائق هاني خميس عبدالقادر، البالغ من العمر 39 عاماً: "ممكن أطلع بخمسة جنيهات. واحدة (امرأة) كبيرة شايلة خمس، ست شنط (حقائب) ومعها عيلين هتطلع توقف تاكسي بتلاتين جنيه عشان تطلع به خطوتين ولا هتوقف توكتوك ؟".
نادراً ما تدخل الحافلات العامة الأحياء السكنية المكتظة. وينزل الركاب على الطرق الرئيسية ليشقُّوا الطريق على أقدامهم إلى المنازل. يقول السائقون إن الحافلات مهما كانت صغيرة فلن تستطيع دخول الشوارع الضيقة لتوصيل الناس لباب البيت.
في أزقة التسوق الضيقة بحي المقطم في القاهرة لا توجد وسيلة انتقال سوى التوكتوك.
قال السائق حسام عبدالمجيد (35 عاماً): "لو في زبون.. كمان لو عايز يطلع لغاية السلم بنطلع شنطه (حقائبه) لأول السلم وننزله ونمشي، أما الميكروباص فمش هايدخله لغاية البيت.. آخره أول الشارع".
ترى أم كريم، وهي من سكان المقطم، تبلغ من العمر 56 عاماً، أن "التوكتوك نعمة"، وتقول: "والله التكاتك… راحة لينا علشان إحنا تعبانين.. رحمة للناس التعبانة والناس المريضة، وواحد رايح مصلحة ورايح شغله".
السبب المعلن: محاربة العشوائيات
تمحورت تصريحات المسؤولين المصريين حول إعادة المظهر الحضاري للمدن المصرية، ومحاربة العشوائية التي يسببها التوكتوك بشكله وطريقة قيادته الحالية، فضلاً عن تسببه في القضاء على حِرَفٍ تركها أصحابها طمعاً في دخل مادي أكبر بقيود أقل، ما أدى إلى انتشار الجرائم.
لكن تصريحات المسؤولين لم تتطرق إلى مصير ملايين الأسر الفقيرة التي تعيش منه وعليه، وكم تتكلف خطة الاستبدال؟ ومن سيعوض الشركات المستوردة لقطع غيار التوكتوك والمصنّعة لها عن الخسائر التي ستتكبدها والتي تنتج ما يقرب من 65% منها، فضلاً عن خسائر الوكلاء وأصحاب معارض البيع وقطع الغيار والصيانة.
الأمر فتح الباب للتكهنات بأن المشروع الجديد لا يستهدف إعادة المظهر الحضاري وإنما بوابة خفية لإنعاش ما وُصف بأنه "بيزنس" سيارات الميني فان، الذي تستفيد منه جهات بعينها، كما قال أحدهم لـ"عربي بوست" إن "الحكومة كل ما تتزنق تمد إيديها في جيوب الغلابة!".
"الإنتاج الحربي" والميني فان
تواصل "عربي بوست" مع مصدر مطلع داخل الحكومة المصرية، والذي أكد بدوره أن هناك تنسيقاً مع وزارة الإنتاج الحربي لتجميع سيارات "الميني فان" في مصر.
أشار المصدر إلى أن مصانع الإنتاج الحربي ستدخل في مجال السيارات الكهربائية بمختلف أنواعها، من أتوبيسات النقل الداخلي التي تعمل بالكهرباء، والأوتوبيسات التي تعمل بين المحافظات، ومنها سيارات "ميني فان" الصغيرة التي سيتم طرحها كبديل للتوكتوك.
قال المصدر إنَّ حظر التوكتوك يحتاج تعديلات تشريعية، موضحاً أن القانون رقم 121 لسنة 2008، يعترف بالتوكتوك كوسيلة مواصلات، وهناك قرار من مجلس النواب عام 2014، أصبح بموجبه التوكتوك مشروعاً قانونياً، ومن ثَم تم العمل على ضرورة ترخيصه، وتم ترخيص البعض بالفعل، وهذه التشريعات جعلت لمالك التوكتوك المرخص موقفاً قانونياً لا يجوز المساس به.
"مشروع غير ناجح"
أبدى المصدر المسؤول بالحكومة المصرية اعتراضه على استبدال التوكتوك بميني فان، قائلاً: "قرار خاطئ جملةً وتفصيلاً، ولا أعرف لماذا الإصرار على ذلك!".
أشار إلى أن السيارات الصغيرة "الميني فان" لا تختلف كثيراً عن عربة التوكتوك، والأهم من ذلك أن التجربة باءت بالفشل عندما تم تطبيقها في بعض القرى والنجوع.
هذا الإصرار من الحكومة جعل المهندس محمد سعد الصمودي، عضو مجلس النواب عن دائرة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، يتقدم بطلب إحاطة لرئيس الوزراء ووزير الصناعة والتجارة منذ أيام، بشأن القرار الصادر بإحلال سيارات بديلة للتوكتوك التقليدي.
كما أشار إلى أنه يوجد أكثر من 5 ملايين توكتوك في مصر توفر فرص عمل ومصدر رزق لنحو 5 ملايين أسرة بطريقة مباشرة، وأكثر من 10 ملايين أسرة بطريقة غير مباشرة، تتمثل في معارض بيع التكاتك، ومحلات بيع قطع الغيار وورش الإصلاح والصيانة.
قال إن تنفيذ هذا القرار سوف يكون له العديد من الآثار السلبية والعواقب الوخيمة والأضرار الاقتصادية والاجتماعية على معظم المجتمع المصري من أصحاب المهنة الرسميين وغير الرسميين وكذا المستخدمين، الأمر الذي يستلزم سرعة التدخل لإعادة النظر في تنفيذ هذا القرار؛ لمراعاة البعدين الاجتماعي والاقتصادي وتبعات هذا القرار.