تتواصل ردود الأفعال بفلسطين وخارجها بعد جريمة اغتيال الناشط السياسي، نزار بنات وذلك بالتوازي مع استمرار المظاهرات في الضفة الغربية، التي تطالب بالقصاص العادل من قتلته، ومحاكمة المتورطين في هذه الجريمة.
ودفعت حالة الاحتقان في الشارع بالسلطة الفلسطينية لإظهار نوايا بطيّ تجاه هذا الملف، إذ أصدر وزير العدل، محمد الشلالدة، تقريراً أشار فيه لانتهاء التحقيق الذي أشرف عليه بناءً على تكليف من رئيس الوزراء محمد اشتية.
وأشارت نتائج التقرير إلى أن نزار بنات توفي نتيجة إصابته بصدمة عصبية ما تسبب بوقوع فشل قلبي رئوي حاد أدى لوفاته، قبل أن يصل مستشفى عالية الحكومي في الخليل.
ولم يكشف الشلالدة عن المتهمين أو المتورطين بإصدار أمر الاغتيال وتنفيذه، ما زاد من رفع سقف المطالب من عائلة نزار بنات التي رفضت الاعتراف بنتائج التحقيق، وطالبت بتدويل القضية للقصاص من المتهمين.
من جانبها أعلنت السلطة الفلسطينية توقيف 14 عنصراً من الأجهزة الأمنية ممن شاركوا في الجريمة لامتصاص غضب الشارع الذي لا يزال يدعو لمظاهرات في مدن الضفة الغربية، آخرها الاحتشاد في مظاهرة كبيرة في دوار المنارة يوم أمس السبت 3 يوليو/تموز 2021.
عائلة نزار بنات تُشكك في الرواية الرسمية
غسان بنات، شقيق نزار بنات قال في حديثه لـ"عربي بوست" إن "رواية السلطة حول اعتقال المتورطين في تنفيذ جريمة الاغتيال كاذبة، إذ رصدنا وجود العناصر المتهمة بتنفيذ الجريمة تتجول في الشارع، وتمارس حياتها بشكل طبيعي".
وأضاف المتحدث أن "ما جرى تصديره حول توقيف عناصر الأجهزة الأمنية كذبة لامتصاص غضب الشارع والعائلة، علاوةً على أن المتورطين في الجريمة 27 عنصراً تم رصدها بكاميرات المراقبة المحيطة بالمنزل، ومطالبنا هي القصاص من المنفذ، ومن أصدر الأمر، ومن أشار بتنفيذ الجريمة".
وقال شقيق الضحية نزار بنات: "نحن أولياء الدم، لا زلنا نتعرض لابتزاز من مسؤولي السلطة يقدمون لنا عروضاً بالتنازل عن حقنا في القصاص من قتلة نزار، لكننا رفضنا أي اتصالات ومساومات في القضية، وبدأنا بإجراءات لتقديم طلبٍ لمحكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق في الجريمة، وطالبنا من السفراء الأوروبيين مساعدتنا بدعم هذا التوجه".
وتابع أن "كل ما يتعلق بإجراء حكومي بتشكيل لجنة تحقيق، أو تنفيذ أمر باعتقال، أو توقيف المتهمين مرفوض بالنسبة لنا من حيث المبدأ؛ لأن تشكيل اللجنة لم يستوفِ إجراءاته القانونية، فوزير الداخلية ذاته هو رئيس الوزراء، ويجب أن يقدم استقالته من موقعه لضمان سير نتائج التحقيق بصورة سليمة".
وأكد المتحدث أن "معلومات وصلتنا بأن السلطة ستجري تعديلات على مواقع حكومية تشمل تعديلاً وزارياً، وتغيير بعض المحافظين وقادة الأجهزة الأمنية، لامتصاص غضب العائلة، ونرى أن ذلك لا يشكل أي قيمة بالنسبة لنا كونه إجراء داخلياً حكومياً، ولن يؤثر على موقفنا في العائلة من القصاص من كل متهم في اغتيال نزار".
مظاهرات تدعو لإسقاط النظام
باتت السلطة تدرك أن اتهامها باغتيال بنات كسر حاجز الخوف بالنسبة للشارع الذي يخرج بصورة احتجاجية وغضب كبير منذ وقوع الجريمة في مظاهرات يومية لم تتوقف منذ وقوع الجريمة، واللافت في هذه الاحتجاجات الأولى منذ سنوات أنها تطالب بإسقاط النظام، ما يفسر التعامل الوحشي الذي ظهر في رد فعل الأجهزة الأمنية في فضها.
حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، قال لـ"عربي بوست" إن "مظاهرات الغضب التي تخرج في الضفة الغربية لحظة فارقة، وتعود لتراكمات من الفشل السياسي والإداري لسياسة السلطة في التعامل مع القضايا الوطنية، وتعطيل المصالحة، وقرار الرئيس تأجيل الانتخابات، وفضيحة اللقاحات منتهية الصلاحية، وأخيراً اغتيال وحشي لمرشح برلماني يتمتع بحصانة برلمانية في حال أجريت الانتخابات".
وأضاف المتحدث أن "قرار السلطة بتوقيف بعض عناصر الأجهزة الأمنية ليس كافياً، فهذه سياسة معروفة وهي تقديم بعض الأفراد الصغار أكباش فداء لحماية كبار المسؤولين.. مطالبنا كنواب سابقين وشخصيات اعتبارية أن يتم القصاص من كل متورط بالجريمة، وأن تتحلى السلطة بقدر كبير من المسؤولية الأخلاقية والسياسية في التعامل مع الهم الوطني، واحترام مبدأ فصل السلطات خصوصاً القضائية والتشريعية".
وتابع أن "قرار السلطة توقيف بعض عناصر الأجهزة الأمنية محاولة يائسة لوقف التفاعل مع قضية الاغتيال، لكن ذلك لن يمنع المواطنين من الاستمرار بالمطالبة بالقصاص العادل، والاحتجاجات ستتواصل رغم التعامل الأمني بشكل وحشي".
الخوف من تدويل القضية
رغم أن جريمة الاغتيال وقعت في ظروف لم تتمناها السلطة أن تجرى بدون أي علامات أو دليل يشير لتورطها، لكن المسار القضائي للقضية التي تم توثيقها من كاميرات المراقبة قد تطيح بكبار المسؤولين من الدائرة المقربة من الرئيس.
سرعان ما أخذت قضية الناشط نزار بنات زخماً دولياً بطلب 20 قنصلاً وسفيراً أوروبياً من السلطة الفلسطينية تقديم رواية رسمية حول ما حدث مع نزار، وخلال لقاء مدير المخابرات العامة ماجد فرج بهم أكد أن ما جرى خطأ يتكرر في بقية دول العالم.
وواصل الوفد الدبلوماسي الأوروبي زياراته لمعرفة رواية الطرف الآخر، فالتقى بعائلة بنات، في أول تطور سياسي تسبب بإحراج السلطة خشية من عقوبات أو إجراءات أوروبية.
وبات التحدي الأكبر للسلطة هو الإسراع بطيّ الجريمة، خشية دخولها بمسار جديد، قد تكون محكمة الجنايات الدولية طرفاً فيه، ما سيعرض مسؤولين كبار للاعتقال، أو حظر التنقل والسفر.
عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق لحقوق الإنسان، قال لـ"عربي بوست" إن "التعامل القضائي حتى الآن من قبل السلطة مع مسار الجريمة يؤكد أن فرضية تدويلها واردة، وبقوة، فالأمر لم يعد مقتصراً على مسؤولين في السلطة، بل إن إسرائيل جزء من الجريمة؛ لأن دخول الأجهزة الأمنية لمناطق مصنفة ضمن المناطق (ج) لم يتم دون تنسيق مسبق مع الارتباط العسكري الإسرائيلي الذي سمح لهذه الدورية الكبيرة من العناصر بالدخول لمناطق محظورة، وهي مدججة بالسلاح".
وأضاف المتحدث أن "الولاية القضائية لمحكمة الجنايات الدولية على الأراضي المحتلة التي تمت في فبراير/شباط 2021، سيشكل نقطة لصالح عائلة بنات إن قدمت طلباً رسمياً برفض نتائج التحقيق التي نشرتها السلطة، أو الاعتراف بأهلية ونزاهة لجنة التحقيق، وفي هذه الحالة سيصدر قرار بفتح تحقيق رسمي يشارك به قضاة من محكمة الجنايات لاستجواب كل مسؤول له علاقة بالحدث".
وتابع المتحدث أن "النتائج المتوقعة لهذا القرار ستكون بحظر السفر والتنقل لكل مسؤول له علاقة مباشرة وغير مباشرة بالجريمة، وسيتم الاستماع لشهادات من شاركوا فيها ونفذوها، وقد يأخذ مسار المحكمة بين 18-24 شهراً قبل صدور القرار النهائي في هذه القضية".