بحثت مصر، الإثنين 28 يونيو/حزيران 2021، مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكينيا والكونغو الديمقراطية، تطورات ملف "سد النهضة" الإثيوبي، لافتة إلى أنها لم تتسلم المقترح الإثيوبي الجديد بشكل رسمي، وبالتالي فموقفها سيظل دون تغيير.
جاء ذلك خلال اجتماعات منفصلة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، مع نظرائه الأمريكي أنتوني بلينكن، والبريطاني دومينيك راب، والفرنسي جان إيف لودريان، والكينية مونيكا جوما، والكونغولي كريستوف ليتوندالا.
فيما جرت هذه المحادثات بشأن السد على هامش اجتماع وزاري للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، انعقد في إيطاليا، وفق بيانات للخارجية المصرية.
حيث أوضحت الخارجية أن شكري تبادل مع نظيره الأمريكي بلينكن "عدداً من الملفات وعلى رأسها ملف سد النهضة"، دون تفاصيل أكثر.
كما أضافت أن شكري تباحث مع نظيره البريطاني بشأن "استمرار التنسيق الوثيق حول عدد من الملفات الثنائية والإقليمية، بينها التطورات الخاصة بسد النهضة".
إضافة إلى ذلك، بحث شكري مع نظيره الفرنسي "عدة ملفات وقضايا إقليمية، على رأسها مكافحة داعش، والملف السوري، وقضية سد النهضة".
كذلك، تناولت مباحثات شكري ونظيرته الكينية "سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والقارية، ومن ضمنها تطورات قضية سد النهضة".
وناقش شكري أيضاً مع وزير خارجية الكونغو الديمقراطية آخر مستجدات قضية "سد النهضة".
تأتي هذه المباحثات المصرية المكثفة غداة إعلان السودان تسلمه من إثيوبيا مقترحاً بـ"اتفاق جزئي" حول تنفيذ ملء ثانٍ للسد، وأنه وضع شروطاً للقبول بهذا المقترح، من دون تفاصيل أخرى.
فيما قال أحمد المفتي، وهو عضو سابق بفريق التفاوض السوداني حول السد، في تصريح صحفي، إن إثيوبيا عرضت اتفاقاً جزئياً يتيح لها تنفيذ الملء الثاني للسد، في يوليو/تموز المقبل، بتنسيق مع القاهرة والخرطوم، وتزويدهما بكل المعلومات اللازمة أثناء الملء.
يشار إلى أن الكونغو الديمقراطية تتولى حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، وهو يقود منذ أشهر، المفاوضات المتعثرة بين الدول الثلاث.
الموقف المصري بلا تغيير
من جهته، قال علاء الظواهري، عضو لجنة التفاوض المصرية حول "سد النهضة"، إنه يوجد العديد من المقترحات التي يتم تقديمها من الاتحاد الأوروبي أو الإفريقي أو أمريكا وحتى إثيوبيا، مؤكداً أنه لم يتم تقديم المقترح الإثيوبي الجديد بشكل رسمي، ولم يطلب الجانب الإثيوبي الموافقة عليه من القاهرة أو الخرطوم في إطار رسمي أو ثلاثي، وبالتالي فإن موقف مصر كما هو دون تغيير.
الظواهري أشار، في تصريح نشره موقع "مصراوي" (خاص)، إلى أنه تم إرسال هذا المقترح إلى مصر من قِبل السودان، وأن الخرطوم وضعت 4 شروط للموافقة عليه، مشيراً إلى أن أديس أبابا تحاول إرضاء الخرطوم من خلال إجراء حوار بين البلدين.
في حين استبعد الظواهري توقيع السودان على هذا المقترح الإثيوبي الجديد بشكل منفرد دون موافقة مصر، لكنه استدرك قائلاً: "هناك اتصالات بين إثيوبيا والسودان ومصر، ومن الجائز أن تكون هناك اتصالات ثنائية، إلا أن هذا ليس معناه وجود اتفاق ثلاثي".
"اتفاق جزئي"
كان مسؤول سوداني قد كشف، الأحد 27 يونيو/حزيران 2021، أن بلاده تسلمت، الأسبوع الماضي، مقترح "اتفاق جزئي" من إثيوبيا حول عملية الملء الثاني لـ"سد النهضة" التي تشهد خلافات كبيرة بشأنها، لافتاً إلى أن الخرطوم وضعت شروطاً للقبول بهذا المقترح.
جاء ذلك خلال لقاء عقده مسؤولون سودانيون مع إعلاميين، في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة السودانية الخرطوم.
إلا أن المسؤول، وهو بوزارة الري السودانية، لم يوضح تفاصيل المقترح الإثيوبي.
الملء الثاني وتشغيل "سد النهضة"
المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أضاف أن بلاده وافقت على الاتفاق الإثيوبي المرحلي، الخاص بالملء الثاني وتشغيل "سد النهضة"، بعد مراعاة عدة شروط، وهي: وجود ضمانات سياسية وقانونية مباشرة من المجتمع الدولي، وأن يستمر الالتزام الجزئي من قِبل إثيوبيا حتى الوصول لاتفاق شامل وقانوني ملزم.
كما أشار المتحدث ذاته إلى أن الشروط تتضمن أيضاً "أن لا يشمل الاتفاق الجزئي اتفاق تقاسم المياه، بجانب وضع مدى زمني للتوصل إلى اتفاق شامل حول أزمة السد لا يتعدى 6 أشهر، والتوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه في الفترة السابقة"، مؤكداً أن مصر "ستكون جزءاً من المبادرة الإثيوبية والتفاوض حول الملء الثاني والتشغيل لسد النهضة".
التصعيد إلى مجلس الأمن
يشار إلى أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد صرّح، مساء السبت 26 يونيو/حزيران 2021، بأن بلاده تجري اتصالات لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بخصوص "سد النهضة" الإثيوبي، متوقعاً أن يكون موعد الجلسة خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليو/تموز المقبل.
كانت الخارجية المصرية قد أعلنت، في 12 يونيو/حزيران الجاري، تقديم خطاب لمجلس الأمن شمل الاعتراض على اعتزام إثيوبيا الملء الثاني، وبعد 10 أيام طالبت نظيرتها السودانية، المجلس بـ"عقد جلسة في أقرب وقت؛ لبحث تطورات الخلاف حول السد وأثره على سلامة وأمن الملايين الذين يعيشون على ضفاف النيل".
يشار إلى أن السلطات الإثيوبية أعلنت، الخميس 24 يونيو/حزيران 2021، عن رفضها طلب السودان نقل مناقشة أزمة سد النهضة إلى مجلس الأمن، مشيرة إلى أنها لا ترى حاجة لنقل ملف السد إلى مجلس الأمن، داعيةً الخرطوم إلى ضرورة احترام الاتحاد الإفريقي وتدخُّله في المباحثات حول تلك الأزمة.
فشل متواصل لجولات المفاوضات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني 2021، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
حينها أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوِّحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت، في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.
إذ تُصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنويتين من مياه نهر النيل.