كشف مسؤول سوداني، الأحد 27 يونيو/حزيران 2021، أن بلاده تسلمت، الأسبوع الماضي، مقترح "اتفاق جزئي" من إثيوبيا حول عملية الملء الثاني لسد "النهضة" التي تشهد خلافات كبيرة بشأنها، لافتاً إلى أن الخرطوم وضعت شروطاً للقبول بهذا المقترح.
جاء ذلك خلال لقاء عقده مسؤولون سودانيون مع إعلاميين، في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة السودانية الخرطوم.
إلا أن المسؤول، وهو بوزارة الري السودانية، لم يوضح تفاصيل المقترح الإثيوبي، لكن العضو السابق في الفريق الممثل للسودان في مفاوضات سد "النهضة"، أحمد المفتي، قال في تصريحات إعلامية قبل أيام، إن إثيوبيا عرضت اتفاقاً جزئياً على السودان يمكِّن أديس أبابا من الملء الثاني لسد "النهضة" في يوليو/تموز المقبل، بتنسيق مع القاهرة والخرطوم، ويزود الأخيرتين بكل المعلومات اللازمة أثناء الملء.
الملء الثاني وتشغيل سد النهضة
المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أضاف أن بلاده وافقت على الاتفاق الإثيوبي المرحلي، الخاص بالملء الثاني وتشغيل سد النهضة، بعد مراعاة عدة شروط، وهي وجود ضمانات سياسية وقانونية مباشرة من المجتمع الدولي، وأن يستمر الالتزام الجزئي من قبل إثيوبيا حتى الوصول لاتفاق شامل وقانوني ملزم.
كما أشار المتحدث ذاته إلى أن الشروط تتضمن أيضاً "أن لا يشمل الاتفاق الجزئي اتفاق تقاسم المياه، بجانب وضع مدى زمني للتوصل إلى اتفاق شامل حول أزمة السد لا يتعدى 6 أشهر، والتوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه في الفترة السابقة"، مؤكداً أن مصر "ستكون جزءاً من المبادرة الإثيوبية والتفاوض حول الملء الثاني والتشغيل لسد النهضة".
في حين لم يصدر أي تصريح من السلطات المصرية بشأن هذا المقترح الإثيوبي الجديد حتى الساعة 18:30 ت.غ.
"تحول لافت"
سيمثل قبول السودان بهذا الاتفاق الجزئي "تحولاً لافتاً" في موقفه بالنسبة لقضية السد، خاصة أنه سبق أن اتفق مع مصر في الأسابيع الماضية على ضرورة أن يكون "الاتفاق شاملاً".
لكن المسؤول السوداني نوّه إلى أن إثيوبيا بدأت في وضع شروط وصفها بالتعجيزية بشأن تقاسم المياه، منوهاً إلى أن "سد النهضة ينبغي أن يكون وسيلة تعاون بين الدول الثلاث، وليس وسيلة للهيمنة".
أما بشأن التخوفات بشأن الملء الثاني، فقال المسؤول السوداني: "لن تحصل كارثة ومفآجات، والقيامة لن تقوم بالملء الثاني لسد النهضة كما يتصور السودانيون".
"كسب الوقت"
لكن رغم تلك التصريحات، قال مسؤول سوداني آخر، مساء الأحد، إن بلاده رفضت مقترحاً إثيوبيا بشأن الملء الثاني للسد، مؤكداً أن هذا الاقتراح "ليس حقيقياً، لأنه وسيلة لكسب الوقت"، طبقاً لما نشرته وكالة رويترز.
حيث أضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن "أي اقتراح من هذا القبيل يجب أن يكون تحت رعاية وسطاء الاتحاد الأفريقي، وأن يشمل جميع الأطراف"، منوهاً إلى أن إثيوبيا طرحت "شروطاً مستحيلة" تتعلق بتقسيم حصة المياه التي يعتبرها السودان خارج نطاق المفاوضات، وفق قوله.
التصعيد إلى مجلس الأمن
يشار إلى أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري قد صرّح، مساء السبت 26 يونيو/حزيران 2021، بأن بلاده تجري اتصالات لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بخصوص سد النهضة الإثيوبي، متوقعاً أن يكون موعد الجلسة خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليو/تموز المقبل.
كانت الخارجية المصرية قد أعلنت، في 12 يونيو/حزيران الجاري، تقديم خطاب لمجلس الأمن شمل الاعتراض على اعتزام إثيوبيا الملء الثاني، وبعد 10 أيام طالبت نظيرتها السودانية، المجلس بـ"عقد جلسة في أقرب وقت؛ لبحث تطورات الخلاف حول السد وأثره على سلامة وأمن الملايين الذين يعيشون على ضفاف النيل".
في هذا الإطار، أكد شكري، في المداخلة، أن السودان بعث بخطاب مماثل لنظيره من مصر إلى مجلس الأمن؛ لعرض تطورات القضية وطلب عقد جلسة، مضيفاً: "من المهم تعضيد موقف الخرطوم في ظل عدم الوصول لاتفاق وتوقف مسار المفاوضات (قبل أشهر)".
فيما ردَّ على سؤال بشأن موقفهم في حال عدم التزام إثيوبيا بالمخرجات المحتملة، قائلاً: "بذلك يتضح للمجتمع الدولي تعنُّت إثيوبيا، وبهذا تكون استنفدت مصر والسودان كل الوسائل السلمية المتاحة"، مشدّداً على أن "المجتمع الدولي مُدرك لخطورة القضية وعقد جلسةً العام الماضي، في ظل تعثر المفاوضات (انتهت بحثِّ المجلس على العودة للمفاوضات الإفريقية)".
بينما لم يصدر عن مجلس الأمن بيان بشأن تحديد موعد الجلسة أو تفاصيل بشأن الطلب حتى الساعة 18:30 ت.غ.
يشار إلى أن السلطات الإثيوبية أعلنت، الخميس 24 يونيو/حزيران 2021، عن رفضها طلب السودان نقل مناقشة أزمة سد النهضة إلى مجلس الأمن، مشيرة إلى أنها لا ترى حاجة لنقل ملف السد إلى مجلس الأمن، داعية الخرطوم إلى ضرورة احترام الاتحاد الإفريقي وتدخُّله في المباحثات حول تلك الأزمة.
فشل متواصل لجولات المفاوضات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني 2021، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
حينها أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوِّحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت، في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.
إذ تُصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنويتين من مياه نهر النيل.