تطوي غزة شهرها الأول بعد قرار وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل دون أن تظهر بوادر عن إحراز ملف إعادة إعمار غزة أي تقدم، في ظل تواتر الخلافات بين الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً.
ومنذ انتهاء معركة "سيف القدس" في 21 مايو/أيار 2021 دخلت كل من حماس ومصر في مشاورات في ملف إعادة إعمار غزة، بينما فرضت إسرائيل شروطها، وتمسكت السلطة بأحقيتها بالإدارة المادية للملف.
ولا تزال الأسئلة المطروحة في ملف إعادة إعمار القطاع تتجلى في كيفية دخول الأموال، ومن سيُدبر العملية، بالإضافة إلى استمرار إسرائيل في إغلاق المعابر التجارية والبحرية أمام الصيادين.
مفاوضات غير مكتملة بالقاهرة
يعترض ملف إعمار غزة عوامل داخلية وخارجية كانت سبباً في تراجعه، فمصر التي ترعى الاتفاق رسمياً تتعرض لضغوط إسرائيلية لإغلاق المعابر، وعدم السماح بمرور مواد البناء خشية استغلالها من قبل حركة حماس في ترميم قدراتها العسكرية، تحديداً الأنفاق التي دُمرت خلال الحرب الأخيرة.
أيضاً تُمنع مصر من تسهيل إدخال أي مواد إلى غزة عبر المعابر من شأنها مساعدة الذراع العسكرية في ترميم مقدراتها كسلاح الصواريخ، والمعدات البحرية، وأجهزة الاتصال والتحكم.
مقابل ذلك أجرى وفد حكومي من غزة، يتكون من ممثلين عن القطاع الخاص لقاءات في القاهرة استمرت عدة أيام لترتيب الأمور الخاصة بملف الإعمار، والاتفاق على التفاصيل الفنية المتعلقة بدور الشركات المصرية والفلسطينية لمتابعة هذا الملف.
أسامة كحيل، رئيس اتحاد المقاولين وأحد المشاركين في لقاءات القاهرة كشف لـ"عربي بوست" أن "الحديث عن تراجع الاهتمام في ملف الإعمار هو حقيقة لا يمكن القفز عنها، لأننا لم نر شيئاً على الأرض يشير إلى نية الأطراف ذات العلاقة بإنجاز هذا الملف".
وقال المتحدث: "قدمنا مجموعة من الطلبات للمسؤولين المصريين، تتمثل بفتح المعابر على مدار الساعة دون أي قيود، ولكن ما يدخل غزة حتى الآن هي مساعدات إنسانية فقط، وبعض الأسمنت الذي لا يكفي لاحتياجات القطاع اليومية، دون مرور أي طن واحدٍ من الحديد الخاص بالبناء".
وأضاف المتحدث أن "مصر أبدت استعدادها لإزالة أنقاض ما دمرته الحرب، إلا أننا طلبنا منها البحث عن ملف آخر لمساعدة غزة، لأن هذه المهمة تقع ضمن اختصاصنا ومهامنا كمقاولين".
وأشار المتحدث إلى أن "الأوضاع السياسية الداخلية في قطاع غزة لا تزال أحد عوامل بطء إحراز تقدم في هذا الملف، فالسلطة تشترط أن يكون الإعمار عبرها، في حين نرفض كمقاولين بجانب حركة حماس مثل هذا الشرط".
وكشف المتحدث أنهم "قدموا رؤية جديدة للإعمار عبر الدعوة إلى تشكيل مجلس تنسيقي مصري- فلسطيني-أممي- دولي، لترسية العطاءات على الشركات الفلسطينية تكون مهمتها تنفيذ الإعمار، ويكون مجلس إدارتها مسؤولاً عن توزيع العطاءات، ومتابعة الملف بكافة تفاصيله، إلا أن هذا الاتفاق جرى التوافق عليه مع المصريين شفهياً، وهو بذلك غير ملزم لأي طرف".
من جهته، كشف محمد العسكري، مدير عام وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، لموقع Al Monitor أن "الشركات والقوى العاملة الفلسطينية ستنفذ عمليات إعادة الإعمار بالكامل في قطاع غزة، ودور الشركات المصرية والجانب المصري سيقتصر على الإشراف والدعم".
وأضاف العسكري، الذي حضر نفس الاجتماع الذي ضّم رجال أعمالٍ ومقاولين وممثلين من وزارتي الأشغال العامة من مصر وغزة في القاهرة لمناقشة آلية إعادة الإعمار، أن "الاجتماعات الفنية في العاصمة المصرية حددت أربعة مسارات رئيسية لإعادة إعمار غزة".
وكشف المتحدث أن المسار الأول يتعلق بإعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة الإعمار، والثاني يتعلق بإعادة بناء الأبراج والمنازل التي دمرها الاحتلال كلياً أو جزئياً، والثالث عبارة عن بناء عشرة آلاف وحدة سكنية جديدة لذوي الدخل المحدود والفقراء، والرابع يتمثل في إنشاء جسرين في المفترقات المزدحمة في غزة.
وبحسب المتحدث فإن وفداً فنياً من المقاولين المصريين سيشرف على عملية إعادة الإعمار بأكملها، إذ ستزود مصر قطاع غزة بالمواد اللازمة عبر معبر رفح لتسهيل عملية إعادة الإعمار في أسرع وقت ممكن.
وكشف مصدر بوزارة الأشغال الفلسطينية لـموقع "Al Monitor" أنه "رغم الدور المصري في عملية إعادة الإعمار الذي يبدو واضحاً، فلا تزال تتخلله بعض العقبات، إذ اكتفت القاهرة حتى الآن بإرسال بعض المعدات والفرق الهندسية في 13 يونيو/حزيران 2021 لإزالة الأنقاض التي خلفتها الحرب الأخيرة، والتي يتراوح وزنها بين 200 و300 ألف طن".
السلطة عائق في الاتفاق
لا تشير الأوضاع السياسية في غزة إلى وجود ما يشير إلى نية حقيقية لمختلف الأطراف لإتمام هذا الملف، باستثناء حركة حماس، لأنه بغياب السلطة الفلسطينية والحديث من إدارة الرئيس جو بايدن والحكومة الإسرائيلية عن تقويتها مع باقي الأطراف المعتدلة لتتولى ملف الإعمار، سيكون موقف حماس التفاوضي ضعيفاً في ظل إجماع أمريكي-إسرائيلي بعدم منحها أي نقطة قوة للتحكم وإدارة هذا الملف بعيداً عن السلطة.
عاطف عدوان، القيادي في حركة حماس، والرئيس السابق للجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي قال لـ"عربي بوست" إن "الاشتراطات التي حددتها السلطة بمرور أموال الإعمار عبرها، تُعد أبرز الأسباب التي أدت لتعطيل وتأخير ملف الإعمار".
وقال المتحدث: "نحن ندرك المواقف الدولية والأمريكية والإسرائيلية بشأن تحييد حماس عن إدارة ملف الإعمار، ولكن توجسنا وقلقنا من عودة السلطة لرعاية مثل هذا الاتفاق، نظراً لمماطلتها، وتقاعسها، وسرقتها لأموال إعمار حرب العام 2014، التي تقدر بنصف مليار دولار، كانت مخصصة للقطاع".
وأضاف المتحدث أن "هناك نقاط اتفاق مع الأشقاء في مصر في الحوارات التي تجريها الحركة والمسؤولون الحكوميون، ولكن المشكلة ليست بالوعود التي تصلنا، بل بتنفيذ هذه الوعود على أرض الواقع، لذلك قدمنا طلباً ببرنامج زمني لتنفيذ ملف إعمار غزة لحربي 2021-2014، شرط استمرار إدخال مواد الإعمار دون عوائق أو اشتراطات، ولكن لم يصلنا رد حقيقي يمكن الاستناد عليه".
وقال المتحدث: "قدمنا خطة مالية لإعادة إعمار غزة وتطوير البنى التحتية، بقيمة 3 مليارات دولار، منها مليار دولار تذهب لإعادة إعمار المباني السكنية والمنشآت الاقتصادية التي دُمرت في حربي 2014-2021، ومليارا دولار هي مشاريع بنى تحتية متفق عليها مع أطراف دولية وإقليمية، ولكن تفاجأنا بأن السلطة قدمت طلباً للحصول على هذا المبلغ كمنحة، بوضع شرط أن تقوم بتنفيذ هذه المشاريع من الموازنة التطويرية، وهذا ما رفضناه".
ضغوط داخلية على حماس
وبالرغم من أن هذا الملف بات يشكل ضغطاً داخلياً على حركة حماس التي تُدير قطاع غزة، نظراً لاستمرار معاناة عشرات الآلاف من الأسر التي دمرت منازلها في الحرب الأخيرة، إلا أن تصريحات رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار قبل ساعات من الآن تشير إلى أن هذا الملف لا يزال عالقاً رغم الجهود السياسية التي بذلتها الحركة في الأسابيع الأخيرة، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات مفتوحة لعودة التوتر من جديد في القطاع.
وأشار السنوار عقب لقائه منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية سلام الشرق الأوسط، تور وينسلاند، الذي وصل صباح الإثنين 21 /5 /2021 إلى غزة إلى أن "اللقاء كان سيئاً ولم يكن إيجابياً"، مضيفا أن "دولة الاحتلال تُحاول ابتزاز المقاومة وسكان غزة، ولا توجد أي بوادر لحل الأزمة الإنسانية في غزة".
ولم يتأخر الرد الإسرائيلي لإظهار الرسالة التي نقلتها إسرائيل عبر وينسلاند للحركة، إذ أشار وزير الدفاع بيني غانتس بقوله: "ما كان ليس ما سيكون بدون الأولاد (يقصد الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس)، واستعادة الاستقرار الأمني لغزة لن يتم بإعمارها اقتصادياً".
من جهته، يرى مصطفى الصواف، المحلل السياسي المقرب من حماس ورئيس تحرير صحيفة فلسطين سابقاً، لموقع Al Monitor أنه "رغم أن آلية إعادة الإعمار لم تتضح بعد، فيتوقع أن يقودها أكثر من طرف واحدٍ، لتعدد الجهات المانحة من قطريين وكويتيين ومصريين".
وأضاف الصواف أنه "يوجد مقترح بإنشاء لجنة وطنية فلسطينية مستقلة من غزة تضم رجال أعمال ومقاولين وشركات ونقابات ومهندسين للإشراف على عملية إعادة الإعمار، لكن الفكرة لا تزال قيد المناقشة. وستُكلَّف اللجنة بالإشراف على عملية إعادة الإعمار لتحاشي الفساد".
وأشار المتحدث إلى أن "السلطة الفلسطينية تحاول السيطرة على الأموال لإنفاقها بالشكل الذي تراه مناسباً، على غرار ما حدث مع أموال إعادة الإعمار بعد حرب 2014 التي استخدمتها لتغطية بعض البنود في ميزانية الدولة الخاصة بالسلطة الفلسطينية".
شروط إسرائيلية
إياد القرا، رئيس التحرير السابق لصحيفة "فلسطين" المقربة من حماس قال لـ"عربي بوست" إن "ملف إعمار غزة جزء لا يتجزأ من رزمة ملفات على طاولة المفاوضات غير مباشرة بين الحركة ودولة الاحتلال".
وأضاف المتحدث أن "لكل طرفٍ وجهة نظرٍ في هذا الملف، فالحركة تطالب بعودة الوضع الذي كانت عليه غزة قبل الحرب، مع الأخذ بعين الاعتبار إنهاء ملف إعمار غزة ضمن رؤية شاملة يكون من بينها إنهاء الحصار، وإدخال جميع السلع المحتجزة لدى الجانب الإسرائيلي، وفتح المعابر وإدخال المنحة القطرية".
وأكد المتحدث أن "الرؤية الإسرائيلية مختلفة عن الرؤية التي تطالب بها حماس، إذ تشترط إسرائيل أن تتم مناقشة ملف الإعمار كجزء من مفاوضات الجنود الإسرائيليين لدى حركة حماس، وهو ما ترفضه الحركة من حيث المبدأ، لذلك نحن الآن في مرحلة التفاوض تحت النيران، وكل طرف سيفرض رؤيته في الميدان، بما يجبر الأطراف الإقليمية والدولية على إرغام الاحتلال على خفض شروطه للتفاوض".
مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي الذي يعمل في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة قال لموقع Al Monitor: "خلاف فلسطيني داخلي ودولي يوجد حول من سيتولى عملية إعادة الإعمار في غزة، إذ تربط إسرائيل القضية بالإفراج عن الجنود الإسرائيليين الذين تحتجزهم المقاومة في غزة، وهو ما أعاق تقدم المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل بشأن صفقة تبادل وإعادة إعمار غزة بوساطة مصرية". وأضاف المتحدث أنه "لم يُعقد أي مؤتمر دولي لتحديد آليات إعادة الإعمار والتمويل، ناهيك عن مناقشة التطورات السياسية الداخلية المتعلقة بالمصالحة الفلسطينية".