بدأ آلاف الأشخاص عبر العالم يتساءلون عما إذا كانوا قد حصلوا على المناعة والأجسام المضادة الكافية التي تقيهم من الإصابة بفيروس كورونا أم لا، بعد أن حصلوا على أحد اللقاحات، بينما قرر عدد كبير منهم الخضوع لاختبار الأجسام المضادة، وهو الأمر الذي أحدث انقساماً بين الأطباء وعلماء المناعة.
حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021، فإن الغالبية العظمى حصلت فعلاً على الأجسام المضادة الكافية، إلا أن ذلك لم يمنع الحشود من الاصطفاف أمام العيادات المحلية؛ للخضوع لاختبار الأجسام المضادة. ولكن للحصول على إجابة موثوقة حول فعالية الاختبار، يتعين على الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح إجراء نوع معين من الاختبارات، وفي الوقت المناسب.
ماذا يقول العلماء؟
إذا أجريت الاختبار في وقت أبكر من اللازم، أو اعتمدت على أحد الاختبارات التي تبحث عن الأجسام المضادة الخاطئة، في ظل المجموعة الكبيرة من الاختبارات المربكة المتوافرة حالياً، فقد تعتقد أنك لا تزال عرضة للخطر عندما لا تكون كذلك.
في الواقع، يفضل العلماء ألا يخضع الشخص الحاصل على التطعيم لأي اختبار للأجسام المضادة على الإطلاق، باعتباره أمراً غير ضروري. في التجارب السريرية، حققت اللقاحات المصرّح بها في الولايات المتحدة نتائج استجابة قوية للأجسام المضادة بجميع المشاركين تقريباً.
تقول أكيكو إيواساكي، أخصائية الأمراض المناعية بجامعة يال: "معظم الأشخاص ليس عليهم حتى القلق بخصوص ذلك".
لكن اختبارات الأجسام المضادة قد تكون مهمة وحاسمة بالنسبة لمن يعانون من ضعف جهاز المناعة أو من يتناولون أدوية معينة، ويتضمن ذلك مجموعة واسعة تشمل ملايين الأشخاص الذين حصلوا على تبرّع بالأعضاء، أو يعانون من بعض أنواع سرطان الدم، أو الذين يتناولون المنشطات أو الأدوية الأخرى التي تثبط جهاز المناعة. يشير عدد متزايد من الأدلة إلى أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأشخاص لا تنتج أجسامهم استجابة كافية من الأجسام المضادة بعد التلقيح.
إذا كنت تحتاج إلى الخضوع لاختبار، أو تريد ذلك، فمن المهم أن تحصل على الاختبار المناسب.
تقول إيواساكي: "أشعر بالتردد في أن أوصي الجميع بإجراء الاختبار، لأنهم إن لم يفهموا ما يفعله الاختبار حقاً، فقد يعتقد الأشخاص على نحو خاطئ، عدم تطوير أي أجسام مضادة".
اختبارات الأجسام المضادة
في وقت مبكر من بداية الجائحة، صُممت العديد من الاختبارات التجارية للبحث عن الأجسام المضادة لبروتين فيروس كورونا المسمّى Nucleocapsid (أو N فقط)، لأنه بعد الإصابة بالعدوى تكون تلك الأجسام المضادة وفيرة في الدم.
لكن تلك الأجسام المضادة ليست قوية على غرار الأجسام المضادة المطلوبة لمنع الإصابة بالعدوى الفيروسية، ولا تدوم طويلاً. والأهم، لا تنتج الأجسام المضادة للبروتين N عند الحصول على اللقاحات المعتمدة في الولايات المتحدة، بل تحفز تلك اللقاحات إنتاج أجسام مضادة لبروتين آخر على سطح الفيروس، يُسمّى Spike (أو S).
إذا حصل أشخاص لم تسبق لهم الإصابة بالعدوى الفيروسية على اللقاح ثم خضعوا لاختبار الأجسام المضادة للبروتين N بدلاً من البروتين S، فقد يشعرون بالصدمة.
حُجز ديفيد لات، (46 عاماً)، كاتب قانوني من مانهاتن، في المستشفى بسبب الإصابة بعدوى كوفيد-19، لمدة ثلاثة أسابيع في مارس/آذار 2020، وقام بتأريخ معظم رحلته المرَضية واستشفائه على منصة تويتر.
وعلى مدار العام التالي، خضع "لات" لاختبار الأجسام المضادة عدة مرات؛ على سبيل المثال، عندما ذهب إلى أخصائي أمراض الرئة أو طبيب القلب للمتابعة، أو للتبرع بالبلازما، كانت مستويات الأجسام المضادة الخاصة به مرتفعة في يونيو/حزيران 2020 ولكنها انخفضت بشكل مطرد خلال الأشهر التالية.
يقول "لات": "لم يكن هذا التراجع يُقلقني. قيل لي أن أتوقع هذا التضاؤل، لكنني كنت سعيداً لأن نتائج الاختبارات لا تزال إيجابية".
حصل "لات" على الجرعة الثانية من اللقاح في 22 مارس/آذار الماضي، لكن اختبار الأجسام المضادة في 21 أبريل/نيسان، الذي طلبه طبيب القلب، كان بالكاد إيجابياً. ذُهل السيد "لات": "كنت أعتقد أنه بعد التطعيم بشهر سيصل عدد الأجسام المضادة إلى رقم قياسي".
لجأ "لات" إلى منصة تويتر بحثاً عن تفسير، سأله فلوريان كرامر، أخصائي الأمراض المناعية بمدرسة طب ماونت سيناي في نيويورك، عن نوع الاختبار المستخدم.
يقول "لات": "وقتها نظرت إلى التعليمات الموضحة على الاختبار، وأدركت أنه للأجسام المضادة للبروتين N وليس للبروتين S".
أضاف: "لم أفكر عند طلب الاختبار أن أحصل على نوع مختلف، فأعطوني اختبار الأجسام المضادة للبروتين N بشكل تلقائي".
في شهر مايو/أيار، حذّرت إدارة الغذاء والدواء من استخدام أي اختبارات للأجسام المضادة لتقييم الاستجابة المناعية، القرار الذي نال انتقادات بعض العلماء، وقدمت بعض المعلومات الأساسية عن الاختبارات لمقدمي الرعاية الصحية. لا يزال العديد من الأطباء غير مدركين للفوارق بين اختبارات الأجسام المضادة المختلفة، أو حقيقة أن الاختبارات تقيس أحد أشكال المناعة ضد الفيروس.
تقدم الاختبارات السريعة المتوافرة نتائج (إيجابية/سلبية) فقط، وقد لا ترصد المستويات المنخفضة من الأجسام المضادة. بينما يوجد نوع معين من الاختبارات المعملية، يُسمى اختبار "مقايسة امتصاصية مناعية للإنزيم المرتبط" (ELISA)، يقدم تقديراً شبه كمِّي للأجسام المضادة للبروتين S.
من المهم أيضاً الانتظار لمدة أسبوعين على الأقل، من الحصول على الجرعة الثانية من لقاحي Pfizer-BioNTech أو Moderna؛ حتى ترتفع كمية الأجسام المضادة إلى مستويات كافية قابلة للرصد. أما بالنسبة لمن حصلوا على لقاح Johnson and Johnson، فقد تمتد تلك المدة إلى أربعة أسابيع.
تقول إيواساكي: "إنها مسألة تتعلق بالتوقيت والمستضد والحساسية، وكلها عوامل في منتهى الأهمية".
ما هي حدود هذه الاختبارات؟
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وضعت منظمة الصحة العالمية معايير لاختبار الأجسام المضادة، تسمح بمقارنة الاختبارات المختلفة.
يقول كرامر: "هناك كثير من الاختبارات الجيدة الآن؛ رويداً رويداً، أصبحت كل جهات التصنيع تحاول التكيُّف مع المعايير الدولية".
ويذكر دكتور دوري سيغيف، أخصائي جراحة زراعة الأعضاء والباحث بجامعة جون هوبكينز، أن الأجسام المضادة مجرد جانب وحيد من مقاييس اختبار المناعة. ويضيف: "هناك كثير مما يحدث تحت السطح لا تقيسه اختبارات الأجسام المضادة بشكل مباشر". يحافظ الجسم أيضاً على ما يسمى المناعة الخلوية، وهي شبكة معقدة من المدافعين الذين يستجيبون أيضاً للأجسام الغريبة الغازية.
مع ذلك، على حد قول دكتور سيغيف، بالنسبة لشخص يحصل على اللقاح ولكنه يعاني من نقص المناعة، قد يكون من المفيد معرفة أن الحماية من الفيروس ليست كما ينبغي. على سبيل المثال، قد يتمكن مريض زراعة أعضاء لديه مستويات منخفضة من الأجسام المضادة، من استخدام نتائج الاختبار لإقناع صاحب العمل بأنه يجب عليه مواصلة العمل عن بُعد.
لم يسعَ "لات" للخضوع لاختبار آخر، كان مطمئناً برغم نتائج الاختبار من أن اللقاح أكسبه زيادة جديدة في أعداد الأجسام المضادة، ويقول: "أثق بأن اللقاحات تعمل على أكمل وجه".