لا يزال مرور الموازنة العامة للدولة الليبية لعام 2021، التي اقترحها رئيس الحكومة الموحدة عبدالحميد الدبيبة على البرلمان يواجه صعوبات متزايدة، ولم تحصل الموازنة على الموافقة مجدداً، بعد فشل مجلس النواب الليبي في الموافقة على مشروع الميزانية التي قدمتها حكومة الوحدة الوطنية.
تكرر تأجيل جلسات المجلس لعدة أسباب، أحدها كان بسبب أن الميزانية ضخمة جداً لا تناسب فترة الحكومة، وثانيها أنها لا تتضمن زيادة رواتب بعض الفئات، وثالثها أنه يتم إعاقتها لأنها لم تتضمن بنوداً للإنفاق على المؤسسة العسكرية التي يقودها خليفة حفتر وغيرها، وهو ما يعتبره مراقبون فشلاً متكرراً لمجلس النواب في الموافقة على مشروع الميزانية.
مسارات الحل السياسي تعطلت
بتأجيل الإعلان عن مشروع الميزانية لمرة جديدة تكون كل مسارات "الحل السياسي الأممي" قد تعطلت، فلم يحدث تقدم في مسألة فتح الطريق الساحلي، رغم شهور من تولي الحكومة والرئاسي مقاليد الأمور، ومن ثم لم يحدث تقدم في قضية المناصب السيادية، التي أصبحت محل مساومة يستخدمها بعض أعضاء البرلمان ضد الحكومة، وأصبحت القضية الأهم لهم.
وميزانية الحكومة التي يعتبرها نواب "ضخمة"، إذ تتجاوز حاجز الـ20 مليار دولار، ونحو 96 مليار دينار ليبي، ليس فيها بند يخص زيادة الرواتب للتخفيف من معاناة الأسر الليبية.
خطاب للنواب بشأن تضمين زيادة الرواتب في الميزانية
في خطاب وجّهه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إلى رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، تحدث عن مطالبة عدد كبير من النواب بضرورة تضمين القوانين الصادرة عن مجلس النواب، والتي تنصّ على زيادة الرواتب في الميزانية، إضافة نحو 25 مليار دينار إلى بند الرواتب المقدم من الحكومة، والبالغ 34 ملياراً، ليصبح مجموع بند الرواتب 59.1 مليار دينار.
حسب مصادر "عربي بوست" فإن عقيلة صالح يحاول الضغط على الحكومة لتسمية موالين له في مناصب رئيس هيئة الرقابة، محافظ مصرف ليبيا، والمؤسسة الوطنية للنفط، نظير تمرير ميزانية الحكومة.
ما حدث في جلستي مجلس النواب لمناقشة الميزانية ومفاجأة التأجيل
في آخر جلساته، التي كانت مغلقة، يوم الثلاثاء 15 يونيو/حزيران 2021، بمدينة طبرق شرق ليبيا، تقرر تعليق جلسة مجلس النواب التي كان سيُناقش فيها إقرار مشروع الميزانية واستدعاء الحكومة، المقررة في 29 من الشهر الجاري، مع تأكيد المجلس على ضرورة إدراج القوانين الصادرة عن مجلس النواب، والتي تم التأكيد عليها فيما يخص الباب الأول من مشروع قانون الميزانية العامة للدولة، وهي زيادة رواتب قطاعات التعليم والداخلية والنفط بحسب الناطق باسم مجلس النواب.
وأفاد النائب بمجلس النواب وعضو اللجنة المالية عبدالوهاب زويلة، لعربي بوست، بتعليق الجلسة بسبب ما سمّاه بتدخلات من طرف رئاسة المجلس وحكومة الوحدة الوطنية بشأن الميزانية المقترحة.
وقال زويلة: "لقد تفاجأنا بتدخلات وتواصل بين رئاسة المجلس والحكومة من خلال وفد وزاري حضر إلى طبرق لمناقشة الميزانية مع بعض أعضاء من اللجنة المالية، وهو ما أدى إلى تعليق الجلسة، كون موضوع الميزانية تم عرضه داخل قاعة مجلس النواب، ولا يجوز قانوناً أن تتم مناقشته خارج قاعة المجلس، وهذا ما أدى إلى تأخير اعتماد الميزانية وتعليق الجلسة إلى موعد لاحق". مشيراً إلى أن جلسة البرلمان القادم قد تعقد بمدينة طرابلس برئاسة النائب الأول لرئيس البرلمان فوزي النويري، والنائب الثاني احميد حومة.
وتابع مصدر خاص من مجلس النواب -فضل عدم ذكر اسمه- أن بعض النواب حاولوا أثناء مناقشة قانون الميزانية في الجلسة المغلقة، إثارة موضوع زيارة وزير الدفاع التركي والتدخل التركي من جديد، وبعض النواب مازالوا مصرين على ربط المناصب السيادية بالميزانية، كما طرح بعض النواب بموضوع إعادة النظر في استقالة بعض النواب واحتمال رجوعهم للمجلس.
اقترضت 30 ملياراً وقد تضطر الحكومة لإعلان فشلها
وكان الدبيبة قد أكد بعد لقائه بالنائب الأول لرئيس مجلس نواب طبرق فوزي النويري، قبل انعقاد جلسة مجلس النواب، الإثنين 14 يونيو/حزيران 2021، أن الحكومة تعمل على تضمين جميع ملاحظات مجلس النواب، على مشروع قانون الميزانية، وأن الميزانية للشعب، ووفقاً لاحتياجاته، أما تضخمها فهو ناتج عن تغير سعر الصرف في ليبيا.
وأكد أن مسألة الميزانية ليست خلافاً بين الحكومة ومجلس النواب، فالطرفان مسؤولان أمام الشعب، مؤكداً أن الحكومة بعد هذا البيان المُعلن لتوضيح الحقائق لم تعد تستطيع الوقوف أمام الشعب وهي شاعرة بالعجز عن التصرف.
وألمح الدبيبه إلى أن التأخر في اعتماد الميزانية قد يضطره للخروج إلى الشعب لإعلان الفشل عن إدارة أموره وتنفيذ وعوده لهم، مؤكداً أن الحكومة عاجزة من دون اعتماد الميزانية، وستعجز في الأشهر المقبلة.
فيما قال الناطق باسم رئيس الحكومة، محمد حمودة، إن حساب الميزانية تم بناء على اعتبار أن 98% من الدخل يأتي من تصدير النفط، وبتقدير إنتاج بين مليون و1.1 مليون برميل يومياً، وبمتوسط سعر قدره 50 دولاراً للبرميل، مشدداً على أن حجم الميزانية وصل إلى نحو 20 مليار دولار، وهي أقل من السنوات الأخيرة، ما عدا السنة الماضية بسبب حالة الحرب، وليس مبالغاً فيها كما يروج البعض.
النخبة السياسية تسوي خلافاتها
يقول الكاتب الصحفي بدر أشنيبة، إن النخبة السياسية المسيطرة على المشهد السياسي الليبي تستغل كل فرصة من أجل الحصول على مكاسب سياسية جديدة، ومجلس النواب هو مكان خصب للمناكفات والمزايدات السياسية بين أعضائه، لهذا السبب يماطل مجلس النواب في تمرير ميزانية حكومة الدبيبة من أجل مساومتها، مع ملفات أخرى لعل أبرزها ملف تعيين المناصب السيادية مع المجلس الأعلى للدولة.
إذ يربط أعضاء من البرلمان إقرار الميزانية بالتوافق على تسمية تلك المناصب، التي تم الاتفاق على آلية تعيينها العام الماضي في بوزنيقة المغربية، كذلك يحاول بعض الأعضاء مساومة تمرير قانون الميزانية للضغط على الحكومة، من أجل الحصول على حصة من المحاصصة في مناصب وكلاء الوزارات المختلفة، والتي بدأ تعيينها مؤخراً، وتريد بعض الجهات السيطرة عبرها على صفقات إعادة الإعمار والخدمات وضمان تواجدها فيها.
ويؤكد أنه رغم الاختلاف بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وبين حفتر، فإنه مازال يعتبر الجناح السياسي له، وبالتالي لا بد من وجود بعض التنسيق في هذا الإطار، خاصة في ظل التسريبات التي تتحدث عن مطالبة حفتر للحكومة بضرورة تخصيص أموال ضخمة لصالح قيادته العسكرية في الميزانية العامة، كأحد شروط تمرير الميزانية.
اعتماد الميزانية بداية النهاية لمجلس النواب
يعتبر رئيس مركز أسطرلاب للدراسات، عبدالسلام الراجحي، أنه في حال اعتماد الميزانية فإن مجلس النواب لن يكون له دور مستقبلي في المشهد السياسي الليبي، وأن اعتماد الميزانية هو آخر ورقة لمجلس النواب في السلطة، مشيراً إلى أن أعضاء من المجلس -وخص بالذكر رئيس المجلس عقيلة صالح- يمارسون الابتزاز على الحكومة، للحصول على مناصب لأشخاص موالين لهم في هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي.
ويؤكد الراجحي أن اعتماد الميزانية سيمنح للحكومة فرصة النجاح في الترتيبات للانتخابات المزمع عقدها في نهاية هذا العام، إضافة إلى دعم المصالحة الوطنية، وحل مشكلات المواطن، التي لطالما كان يعاني منها طيلة السنوات الست الماضية، وهذا ما يتعارض مع رؤية أغلبية أعضاء هذا المجلس.
ميزانية معطلة، ومناصب سيادية تخضع للمساومة، ومرتزقة لا يزالون في البلاد، وانتخابات تُنظر قوانينها، فما مستقبل الاتفاق السياسي الليبي في ظل استمرار الوضع الراهن في ليبيا.