على بُعد يوم واحد من الانتخابات البرلمانية الجزائرية، لم يعد للأحزاب السياسية والقوائم الحرة المتنافسة على أكثر من 400 مقعد في المجلس الشعبي الوطني، سوى انتظار ما سيقرره الناخبون.
ويَتوقَّع مراقبون أن تكون هذه الانتخابات الأكثر مشاركةً في تاريخ البلاد رغم الظروف المحيطة بها، وذلك بسبب عدد القوائم القياسية المشاركة والتي قاربت 1500 قائمة.
المتابع للحملة الانتخابية التي دامت ثلاثة أسابيع متواصلة، لا يمكنه أن يتوقع تشكيلة البرلمان القادم بالضبط، لكنه يستطيع أن يرسم خطوطه العريضة على الأقل.
جائزة الصراع الانتخابي هذه المرة لن تتمحور حول القدرة على تعطيل مشاريع قوانين الحكومة فقط كما تعودت المعارضة، ولا مجرد ضمان تمريرها كما دأبت الموالاة، الجائزة هذه المرَّة هي الحكومة نفسها.
تراهن عدة أطراف في الجزائر على القوائم المستقلة والمرشحين الشباب لقلب المشهد السياسي في البلاد، بعدما طغت "شبهات فساد" على العديد من نواب البرلمان المُنحل.
لكن حظوظ المرشحين الأحرار في الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان في اقتراع السبت، تبدو متباينة أمام أحزاب متمرسة على مثل هذه المواعيد الانتخابية.
ويملك المرشحون الأحرار أسبقية عددية على القوائم الحزبية، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات الجزائرية تتفوق القوائم المستقلة على قوائم الأحزاب من حيث العدد.
فمن إجمالي 2288 قائمة مترشحة توجد 1208 قوائم مستقلة، أي ما يعادل 52.8%، بينما تقدم 28 حزباً بـ1080 قائمة أو ما يمثل نحو 47.2%.
الحكومة.. الجائزة؟
ما يجعل انتخابات 12 يونيو/حزيران انتخابات غير تقليدية وأكثر تنافسية بين الأحزاب والقوائم الحرة هو ما نص عليه الدستور الجزائري الجديد.
ينصّ الدستور الذي استُفتي عليه الجزائريون بنهاية 2020 في فصله الثاني، لاسيما مواده 103 و104 و105 و106 و107، على معادلة فريدة من نوعها بالجزائر وربما في العالم لتشكيل الحكومة، إذ تُشكَّل هذه الأخيرة مما يسمى الأغلبية الرئاسية في حال فوز قوائم وأحزاب تُقرّر التحالف مع الرئيس ليعيّن منها وزيراً أولاً ووزراء القطاعات لتطبيق برنامجه ووعوه الانتخابية، بينما يرأسها رئيس للحكومة ببرنامجه الخاص في حال فازت المعارضة بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية.
أكبر الخاسرين في انتخابات 12 يونيو/حزيران بلا شك، حزب جبهة التحرير الوطني (موالاة)، الذي هيمن على الحياة السياسية منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم في 1999، وقبلها انفرد بالحكم منذ الاستقلال في 1962 إلى غاية 1991، ليمر بعدها بفترة تراجع لنحو عشرية من الزمن.
والحراك الشعبي لم يطِح فقط ببوتفليقة من الحكم، بل قاد اثنين من الأمناء العامين لجبهة التحرير الوطني (جمال ولد عباس، ومحمد جميعي) إلى السجن في 2019 و2020، مما شكَّل ثاني أكبر صدمة للحزب بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، التي أنهت عهد الحزب الواحد، وفتحت المجال أمام تعدد الأحزاب.
فرصة ذهبية للشباب
ستكون انتخابات 12 يونيو/حزيران، فرصة ذهبية بالنسبة للشباب لإثبات وجودهم في إحدى أهم مؤسسات الدولة، بحيث ذُلِّلت أمامهم كل الصعاب من أجل المشاركة في السباق الانتخابي.
ونصّ قانون الانتخابات الجديد على إلزامية أن يكون نصف القوائم الانتخابية الحزبية أو المستقلة من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة.
المستقلون.. الحصان الأسود
من إجمالي 2288 قائمة مترشحة توجد 1208 قوائم مستقلة، أي ما يعادل 52.8%، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ التشريعيات بالجزائر.
وشجّعت الحكومة القوائم الحرة من خلال التمويل وتسهيل إجراءات الترشح وتخفيض عدد التوقيعات المطلوبة للمشاركة.
ويسعى تبون من خلال هذه الإجراءات، إلى تشجيع الشباب على ولوج المؤسسات والتخلي عن الشارع كخيار وحيد من أجل التغيير.
ورغم أن القوائم الحرة قليلة الإمكانات والخبرة، فإنَّ ترشُّح عدد لا بأس به من الشخصيات المستقلة التي تتمتع باحترام كبير لدى الشباب، من شأنه أن يجعلها منافساً حقيقياً للأحزاب التقليدية في الولايات الكبرى، على غرار العاصمة وسطيف وعنابة وقسنطينة ووهران.
أما العائق الوحيد أمام القوائم المستقلة فهو "العتبة"، إذ حدّد قانون الانتخابات الجديد نسبة العتبة بـ5%؛ لمنع تفتيت مقاعد البرلمان على عدد كبير من الكتل السياسية، وهذا يخدم الأحزاب الكبيرة ويمثل مقصلة للقوائم الحرة.
المقاطعون.. ماذا يريدون؟
قررت أغلب الأحزاب العلمانية مقاطعة الانتخابات التشريعية، بسبب أن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يسمح بإجرائها، على حدّ تعبيرها.
وترى هذه الأحزاب أن التشريعيات لا تتوفّر على شروط النزاهة، كما أنها لن تغيّر من الوضع القائم شيئاً، وفق بياناتها.
وتذهب أحزاب مثل "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"العمال" و"الاتحاد من أجل التغيير" و"الرقي"، إلى أن الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها غداً مجرد فرصة من الفرص الضائعة التي دأب النظام على تفويتها على الجزائريين.
وكانت الأحزاب المقاطعة أو ما تسمى الآن الأحزاب الراديكالية، تطمح إلى ما تسميه إعادة تأسيس الجمهورية عن طريق حل جميع المؤسسات، ومن ضمنها مؤسسة الرئاسة، والذهاب نحو انتخاب مجلس تأسيسي لصياغة الدستور والدخول في مرحلة انتقالية.
وينادي أحد أهم الأحزاب المقاطِعة وأقدم حزب معارض في البلاد (تأسس سنة 1963) جبهة القوى الاشتراكية بالذهاب نحو حوار شامل، مع اعترافه بالمؤسسات الموجودة حالياً، ويعتبر هذا الحزب الأقلَّ راديكالية في الأحزاب المقاطعة للتشريعيات.
حظوظ القوى التقليدية
من المتوقع أن تحصد الأحزاب التقليدية حصة الأسد من كعكة البرلمان؛ لِما تملكه من خبرة في مثل هذه المواعيد الانتخابية وقاعدة جماهيرية ثابتة لا تتغيّر في الغالب بتغيّر الظروف.
ويبدو أن التنافس بينها سيكون محموماً، بسبب دخول القوائم المستقلة على الخط وهو ما سيقلص عدد المقاعد المتنافَس عليها بين الأحزاب الكبرى.
وبحسب حصيلة التجمعات الشعبية والمؤتمرات الميدانية، يبدو أن التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم إضافة إلى حركة البناء الوطني وجبهة المستقبل، القوى الأساسية التي ستشكل المجلس الشعبي الوطني الذي ستُعرف تشكيلته الرسمية بعد أيام قليلة.
وتوقع رئيس حركة البناء الوطني (إسلامي) أن يفوز حزبه بأغلب المقاعد النيابية، داعياً إلى تشكيل تحالف شامل دون معارضة خلال الفترة المتبقية من حكم تبون؛ وذلك لإنقاذ البلاد اقتصادياً وأمنياً، على حد قوله.
وأبدت أحزاب أخرى، على غرار حركة مجتمع السلم (إسلامي) وجبهة التحرير الوطني، تخوُّفها من التلاعب بالنتائج، مؤكدةً أنها لن تسكت في حال تم التزوير وتغيير إرادة الناخبين.
فرص الإسلام السياسي
غازل الرئيس عبدالمجيد تبون، في آخر لقائين صحفيين مع كل من مجلة لوبوان الفرنسية وقناة "الجزيرة" القطرية، تيار الإسلام السياسي، كما أبدى إعجابه بالتجربتين التركية والتونسية.
وأشاد تبون بالإسلام السياسي في الجزائر، مؤكداً أنه تيار يلتزم بقوانين ومبادئ الجمهورية وهو المطلوب من أي حزب يمارس السياسة بالبلاد.
ويُفهم من تصريحات تبون أنه يتوقع فوز الإسلاميين في التشريعيات، لذلك غازلهم كذا مرة؛ أملاً في التحالف معهم في حال حصدوا الأغلبية البرلمانية واستطاعوا تشكيل الحكومة حسب ما ينص عليه الدستور.
ويشارك التيار الإسلامي بثلاثة أحزاب رئيسية تنتمي جميعها فكرياً إلى "الإخوان المسلمين"، وهي: حركة مجتمع السلم وهو الحزب الأكبر والأقدم، وحركة البناء الوطني وهي منشقة عن حركة مجتمع السلم، إضافة إلى جبهة العدالة والتنمية.