أعلنت الحكومة الجزائرية استيلاءها على أكبر مجمع للأشغال والطرقات في البلاد، المملوك لعائلة علي حداد، أكبر رجل أعمال مقرب من عائلة عبدالعزيز بوتفليقة.
ويملك المجمع العديد من الشركات التي تشتغل في البناء، والإعلام، والطرقات، والخدمات، ويشغّل عشرات الآلاف من العمال.
ويأتي هذا القرار بعد صدور أحكام نهائية في حق علي حداد، وفشل المفاوضات السرية للتسوية كما كشفت عنه "عربي بوست" في تقرير سابق.
وعلم "عربي بوست" من مصادر موثوقة، أن الحكومة الجزائرية بصدد تأميم مجمعات أخرى، أبرزها مجمع محيي الدين طحكوت، الذي كان مقرباً من الوزير الأول الأسبق المسجون حالياً أحمد أويحيى، والذي يتكون من مصنع لتركيب السيارات من علامة "هيونداي"، وشركة إعلامية، ومصنع لتصنيع العجلات، وشركة نقل ضخمة تسيطر على النقل الجامعي.
ومن العائلات التي سيطالها التأميم أيضاً وفق مصادر "عربي بوست"، عائلة كونيناف المقربة من شقيق بوتفليقة ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، والتي تملك شركة للأشغال الكبرى، ومصنعاً للزيوت النباتية، وأكثر من 15 شركة أخرى في مختلف المجالات.
تأميم أموال الداخل.. فماذا عن الخارج؟
قالت صحيفة الشروق الجزائرية إن الرئيس تبون سيصدر قريباً مرسوماً تنفيذياً يخص تأميم المجمعات والشركات المملوكة لرجال الأعمال المسجونين، وتحويلها إلى مؤسسات وطنية تُسيَّر من طرف الدولة، مما سينتج عنه إعادة هيكلتها من جميع النواحي، وضمنها تغيير العلاقات القائمة والنظام الأساسي، والقانون الداخلي المعمول به، وجميع السجلات التجارية والعقود القائمة حالياً.
ومن شأن هذا المرسوم أن يغلق ملف استرجاع الأموال المنهوبة في الداخل، لكن الرئيس تبون أشار في آخر لقاء صحفي له مع قناة الجزيرة، إلى أن أغلب الأموال هُرّبت إلى الخارج، ما يعني أن ما سيتم استرجاعه من خلال التأميم مجرد قطرة في بحر الأموال التي تسعى الحكومة لاسترجاعها.
وحسب ما كشفت عنه وزارة العدل الجزائرية، فإن مجمل الأموال المستردة في الداخل لا يفوق مليار دولار، بينما تحدث تبون عن تهريب مئات المليارات من الدولارات.
ودعا تبون في اللقاء مع القناة القطرية، الدول الأوربية إلى مساعدة الجزائر في استرجاع الأموال المهربة من بنوكها.
ووفق مصادر لـ"عربي بوست"، فإن الجزائر باشرت مفاوضات مع بعض الدول الأوربية لاسترداد الأموال، وقد تلقت أول رد من سويسرا، التي أبدت تعاونها في الملف، مشترطةً إصدار أحكام نهائية على أصحاب الأموال المودعة في بنوكها.
ويرى الصحفي والمهتم بالشأن السياسي رضا شنوف، أن "تأميم الشركات كان حتميةً لابد منها، خاصة أن أصول هذه الشركات في الحقيقة تعود للدولة باعتبار أن أصحابها أسسوها عن طريق القروض البنكية، لِمَا كانوا يتمتعون به من امتيازات من طرف السلطات السابقة".
وقال شنوف لـ"عربي بوست"، إن "التأميم خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن يجب إخراجه من دائرة الشعبوية وتوضيح الأمر بالنسبة لعمال هذه الشركات؛ لكيلا نقع في مثل الأخطاء السابقة".
وعاد المتحدث لأمثلة سابقة عن تأميم الشركات في الجزائر، محذراً من تكرارها، خاصة أن تلك الشركات عرفت ركوداً كبيراً، وتراجعاً في الإنتاج بعد أن أصبحت ملكاً للدولة، على حد قوله.
هل ما زال هناك مجال للمصالحة؟
كثير من الأحزاب السياسية التي يُتوَقّع أن تحصد مقاعد نيابية كثيرة، ركزت على ملف التصالح مع رجال الأعمال مقابل إعادة الأموال المنهوبة.
ومن بين أكثر الأحزاب السياسية إلحاحاً في هذا الملف، حزب جبهة المستقبل الذي يُعد رئيسه عبدالعزيز بلعيد مقرباً من تبون، وهو ما يرجح أن الرئيس ليس ضد التصالح كمبدأ إذا كان سيضمن له تحقيق أحد أهم وعوده الانتخابية، وهو استرجاع الأموال المنهوبة.
ووفق ما توصل إليه "عربي بوست" من معلومات، فإن هناك اتجاهاً لسنّ قانون حول التصالح مع رجال الأعمال مقابل تخفيف الأحكام القضائية، قد يناقشه ويصادق عليه البرلمان المقبل.
ولا يستبعد المحلل السياسي فاتح بن حمو، أن يُسنّ قانون حول التصالح مع رجال الأعمال من أجل استرداد الأموال المنهوبة، لاسيما أن الخيارات محدودة أمام السلطة في هذا الملف.
ويعتقد بن حمو، الذي تحدث لـ"عربي بوست"، أن "الأهم هو استعادة الأموال وليس كيف، فالجزائر بحاجة إلى كل فلس بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه بسبب جائحة كورونا".
ويضيف المتحدث ذاته، أن "تبون وضع نفسه تحت ضغط منذ أن وعد باسترجاع الأموال المنهوبة، في أول ندوة صحفية بعد فوزه بالرئاسيات، إذ بدا واثقاً باسترجاعها وفي وقت وجيز قبل أن يصطدم بالواقع المعقد".