قال تقرير نشرته صحيفة New York Times الأمريكية، الثلاثاء 8 يونيو/حزيران 2021، إن مسؤولي إنفاذ القانون على المستوى العالمي استطاعوا خداع أفراد الجريمة المنظَّمة في جميع أنحاء العالم وباعوا لهم هواتف محمولة، لتنظيم شحنات المخدرات الدولية، وتنسيق تهريب الأسلحة وترتيب عمليات القتل، وكانت تحت سيطرة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
إذ كان المستخدمون يثقون بأمان الأجهزة إلى درجة أنهم غالباً ما كانوا يضعون خططهم ليس في رموز، بل بلغةٍ واضحة، مع ذكر سفن تهريبٍ مُحدَّدة ونقاط تفريغ حمولة هذه السفن. لكن من دون علمهم، كانت الشبكة بأكملها في الواقع فخاً متطوِّراً يديره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بالتنسيق مع الشرطة الأسترالية.
الكشف عن عملية غير مسبوقة
مسؤولو إنفاذ القانون عالمياً كشفوا عن النطاق غير المسبوق للعملية التي استمرَّت ثلاث سنوات، قائلين إنهم اعترضوا أكثر من 20 مليون رسالة بـ45 لغة، واعتقلوا ما لا يقل عن 800 شخص، معظمهم في اليومين الماضيين، في أكثر من عشرة بلدان. وتقول أوراق المحكمة الأمريكية إنه باستخدام هذه الرسائل فتحت السلطات كمّاً هائلاً من التحقيقات الدولية في تهريب المخدرات وغسيل الأموال و"الفساد العام فائق المستوى".
تمثِّل العملية، التي أُطلِق عليها "Trojan Shield-درع طروادة"، تقدُّماً كبيراً في مجال إنفاذ القانون، الذي كافح في السنوات الأخيرة، من أجل اختراق الاتصالات السرية فائقة التقنية للمجرمين. ورغم أن السلطات اخترقت أو أغلقت المنصات المُشفَّرة في الماضي -مثل EncroChat التي اخترقتها الشرطة في أوروبا بنجاح- فهذه أول حالة معروفة يتحكَّم خلالها المسؤولون في شبكةٍ مُشفَّرة بالكامل منذ إنشائها.
أكبر عملية لإنفاذ القانون في العالم
وصفت اليوروبول، وكالة الشرطة الأوروبية، هذه الجهود بأنها "واحدةٌ من أكبر عمليات إنفاذ القانون وأكثر تطوُّراً حتى الآن في مكافحة الأنشطة الإجرامية المُشفَّرة".
قالت اليوروبول في بيانٍ لها: "سيجري تنفيذ عدد لا يُحصَى من العمليات المتفرِّقة في الأسابيع المقبلة". وأعلن مسؤولو إنفاذ القانون الأمريكيون مزيداً من الاعتقالات في لائحة اتهاماتٍ فيدرالية بالابتزاز من أجل الحصول على الأموال، كُشِفَ عنها أمس الثلاثاء.
أما في أستراليا، فأوقعت تلك الجهود جماعات الجريمة المنظَّمة المحلية والدولية، وعصابات الدرَّاجات النارية الخارجة عن القانون، إذ اعتُقِلَ أكثر من 200 شخص، بحسب تصريحات مسؤولين.
كذلك قالت السلطات السويدية في بيانٍ، إن الشرطة اعتقلت 155 شخصاً؛ للاشتباه في ارتكابهم جرائم خطيرة، وإنها منعت عمليات قتل لعشرة أشخاص. واستهدفت العملية أيضاً الجريمة المنظَّمة والمنظَّمات الدولية لتهريب المخدرات في إيطاليا، واعتُقِلَ مئات الأشخاص الآخرين بأوروبا.
قال ريس كيرشو، مفوَّض الشرطة الفيدرالية الأسترالية، الثلاثاء: "كنَّا في الجيوب الخلفية للجريمة المنظَّمة".
تزويد العصابات بالهواتف المشفرة
وفقاً لوثائق المحكمة، التي كشفت عنها وزارة العدل يوم الإثنين 7 يونيو/حزيران 2021، فإن عملية مكتب التحقيقات الفيدرالي تعود إلى أوائل عام 2018، بعد أن فكَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي خدمة تشفيرٍ مقرها كندا، تسمَّى Phantom Secure. وقال المسؤولون إن تلك الشركة زوَّدَت عصابات المخدرات، مثل عصابات سينالوا المكسيكية وغيرها من الجماعات الإجرامية، بالهواتف المُشفَّرة.
جنَّدَ مكتب التحقيقات الفيدرالي موزِّعاً سابقاً في خدمة تشفير Phantom Secure، وطوَّر هو بدوره نظاماً للاتصالات المُشفَّرة يُدعَى Anom. ووافق الموزِّع على العمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، مقابل احتمالية تقليص عقوبة السجن، ووفقاً لوثائق المحكمة فقد تلقَّى من مكتب التحقيقات الفيدرالي 120 ألف دولار مقابل التعاون.
كانت أجهزة Anom عبارة عن هواتف محمولة جُرِّدَت من الوظائف العادية للهواتف. وأُخفِيَ تطبيق العمل الوحيد لديها في شكل آلة حاسبة، وبعد إدخال رمز في هذه الآلة الحاسبة يمكن للمستخدمين إرسال الرسائل والصور بتشفيرٍ من الطرف المرسل إلى الطرف المرسل إليه.
بيع آلاف الأجهزة
على مدار ثلاث سنوات، بيعَ أكثر من 12 ألف جهاز Anom لأكثر من 300 عصابة إجرامية تعمل في أكثر من 100 دولة، وفقاً لـ"اليوروبول". وتنوَّعَت تكلفة الأجهزة حسب الموقع، ولكنها كانت تُباع، كما أفادت أوراق المحكمة، على اشتراكاتٍ تمتد لستة أشهر، وكانت متاحةً مقابل 1700 دولار في الولايات المتحدة.
من خلال العمل مع السلطات الأسترالية، طوَّر مكتب التحقيقات، مع الموزّع المذكور، "مفتاحاً رئيسياً" يسمح له بإعادة توجيه الرسائل إلى دولةٍ ثالثة وفك تشفيرها، وفي النهاية اعتُرِضَت أكثر من 27 مليون رسالة.
اعتمدت السلطات على المخبرين لتوصيل الأجهزة إلى الشبكات الإجرامية شديدة الانعزال. وبدأ الموزِّع في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في تقديم الأجهزة لثلاثة موزِّعين آخرين على صلةٍ بالجريمة المنظَّمة في أستراليا.
قال مسؤولو إنفاذ القانون إن خطوةً كبرى أُنجِزَت عندما تمكَّنوا من إيصال أحد الأجهزة إلى يد جوزيف هاكان أيك، وهو أسترالي فرَّ من البلاد قبل عقدٍ من الزمان وتعتقد الشرطة أنه كان يوجِّه واردات المخدرات من تركيا. وحُدِّدَ أيك باعتباره المتهم الأول في لائحة الاتهام التي كُشِفَت في سان دييغو، مع 16 متهماً آخرين من أستراليا وفنلندا والسويد وكولومبيا والمملكة المتحدة وهولندا.
قال جان فيليب لوكوف، نائب المدير التنفيذي لـ"اليوروبول"، إن العملية منحت السلطات "نظرةً ثاقبة استثنائية على المسرح الإجرامي".
من خلال الهواتف المحمولة المُشفَّرة، نظَّم المجرمون نقل شحنة من الكوكايين من الإكوادور إلى بلجيكا ، وفقاً لوثائق المحكمة الأمريكية. وهُرِّب الكوكايين أيضاً في مظاريف دبلوماسية فرنسية مختومة من العاصمة الكولومبية بوغوتا.
قالت اليوروبول إنه إضافة إلى 800 عملية اعتقال، أدَّت العمليات التي أُجرِيَت في الأيام الماضية، بـ16 دولة إلى 700 عملية تفتيش للمنازل، ومصادرة أطنان من المخدرات، و250 قطعة سلاح ناري، و55 مركبة فاخرة، و48 مليون دولار في صورة عملات متعدِّدة وعملات مُشفَّرة.