لاتزال حالة كبيرة من الجدل تسود الشارع الأردني في أعقاب قرار فصل النائب الأردني أسامة العجارمة من مجلس النواب على خلفية تصريحاته التي وصفت بالمسيئة وما تبعها من أحداث واشتباكات بين قوات الأمن وبين منتمين لعشرية النائب.
الجدل لا يتعلق فقط بتوصيف تصريحات النائب، لكنها شملت تشكيك بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الرواية الرسمية لوزارة الداخلية الأردنية، والتي أصدرتها على خلفية الأحداث المؤيدة للنائب المفصول، وأدت لتدخل الأمن واستخدامه الغاز المسيل للدموع من أجل تفريق المحتجين؛ ما أدى لنشوب حرائق في بعض المناطق.
من جهتها، أصدرت وزارة الداخلية الأردنية بياناً تبنَّت فيه الرواية الرسمية والتي جاء فيها أن "حدوث هجمات مسلحة على قوات الأمن في منطقة ناعور ضواحي العاصمة عمان، من المرجح أنّها على خلفية عشائرية، عقب تعليق البرلمان عضوية النائب العجارمة في مجلس النواب".
وفي حين قال المؤيدون للنائب البرلماني إن عملية فصله جاءت بسبب تصريحاته المثيرة للجدل حول تعرض السلطات للسيارات التي كانت في طريقها للحدود للتضامن مع الفلسطينيين بعد الحرب الأخيرة على غزة، أشار آخرون إلى أن تصريحات النائب التي وصلت إلى حد تهديد الملك غير مقبولة وتمثل إهانى لمجلس النواب والشعب.
تشكيك في الرواية الرسمية
قالت مصادر أمنية لـ "عربي بوست" إنّ "قوات الدرك الأردنية هاجمت المعتصمين السلميين، ولم يكن هناك إطلاق نار للمعتصمين على قوات الأمن في أماكن تجمع قبيلة العجارمة، على خلفية الجدل المتواصل حول النائب المفصول أسامة العجارمة".
وأضافت المصادر ذاتها أنّ "الحديث عن إصابات في صفوف قوات الأمن أصبح مثار شكوك بين رواد مواقع التواصل، لأن الدولة أبدت مخاوف كبيرة من الأحداث الأخيرة المتعلقة بالنائب العجارمة، لأنه ينطلق من منطلق عشائري مشابه لما انطلق منه الهاشميون في الأردن واستمدوا شرعيتهم منه".
وأكدت المصادر ذاتها أنّه "لا صحة عن إصابة أربعة من قوات الدرك في تلك الأحداث، مقابل ذلك هناك إصابة لرجل أمن أردني برتبة نقيب، وهو بحالة حرجة، اتضح لاحقاً أنّه أصيب في مداهمة لمكافحة المخدرات في محافظة الزرقاء ولا علاقة له بأحداث النائب المفصول أسامة العجارمة".
وأشار المصدر ذاته إلى أنّ "هناك حديثاً عن أربع إصابات طفيفة في صفوف قوات الدرك التي فّضت جموع المعتصمين تضامناً مع العجارمة، ومن خلال الصُور التي تم نشرها شكك الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بحقيقة وصحة هذه الإصابات".
حقيقة انقطاع التيار الكهربائي
تطور الأحداث المتعلقة بالنائب العجارمة بدأت بعد حادثة انقطاع التيار الكهربائي عن عموم البلاد في الأردن، والتي أدت إلى موجة غضب وتساؤلات حول السبب الحقيقي وراء قطع الكهرباء.
وحسب الرواية الرسمية، فإنّ مدير عام شركة الكهرباء الوطنية في الأردن، أمجد الرواشدة، قال خلال مؤتمر صحفي عُقد بالمشاركة مع وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي، "طيرٌ كبيرٌ وراء انقطاع التيار الكهرباء في الأردن، الأمر الذي أدى إلى تذبذب التيار الكهربائي".
الرواية التي قدمها الرواشدة لم تقنع المجتمع الأردني، مما دفع البرلمان إلى فتح تحقيق رسمي، واجتمعت لجنة الطاقة النيابية في الأردن مع المعنيين في قطاع الكهرباء لبحث أسباب انقطاع التيار الكهربائي.
وفي مداخلة للنائب أسامة العجارمة داخل قبة البرلمان الأردني، أكدّ أنّ "قطع الكهرباء كان لوقف الجهود ضد مسيرة العشائر الأردنية نحو الحدود؛ نصرة للقضية الفلسطينية".
وبيّن العجارمة أن "قطع الكهرباء عن كافة أرجاء الأردن منعاً لوصول حشد العشائر الأردنية إلى عمّان، إذ انطلقت 20 ألف مركبة من التجمع، وتمّ حجزها في شوارع المحافظات، وقطع الوقود عنها، الأمر الذي تسبب في وصول 4 آلاف مركبة فقط إلى الحدود".
في المقابل أكدّت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أنّ "ما أورده النائب العجارمة عن السبب الحقيقي لانقطاع التيار الكهربائي عن عموم البلاد في الأردن كان صحيحاً، كون الحكومة تعمدت عدم الكشف عن السبب الحقيقي من وراء انقطاع الكهرباء".
يذكر أن شركة الكهرباء الوطنية المملوكة للحكومة الأردنية تشتري الغاز من إسرائيل، إذ ذهبت بعض التحليلات إلى أن توريدات الغاز من إسرائيل قد يكون السبب وراء انقطاع التيار الكهربائي.
تعدي العجارمة على الملك
لكن تصريحات العجارمة لم تتوقف لاحقاً عند مشكلة انقطاع الكهرباء، بل وصل به الأمر إلى إطلاق تصريحات قوية ضد نظام البلاد وصلت إلى حد الإساءة للملك الأردني.
النائب في مجلس النواب موسى هنطش قال في حديث لـ"عربي بوست" إن "العجارمة تعدى على شخصية الملك الأردني، وتعدى على كثير من العشائر الأردنية، وحرض شباباً من عشيرته ومن شباب الأردن ضد البلاد".
وأضاف المتحدث أنّ "الأردن لا يريد أن ينجر إلى ما حصل في بعض الدول العربية، والتي أدت إلى انهيارها من الداخل، فعمد المجلس إلى لملمة الأمر واتخاذ قرار صارم بحق النائب العجارمة".
وفي سياق متصل أكد الصحفي والكاتب الأردني رحال الصبيحات، أن "أحداث ناعور جاءت على خلفية تقديم النائب أسامة العجارمة استقالته، ومن ثمّ فصله رسمياً بقرار صادر بالأغلبية من مجلس النواب الأردني، وتضامن بعض العشائر معه، الأمر الذي استبقته الدولة".
وقال الصبيحات إنه "في ليلة أمس السبت، قامت قوات الأمن، دون التعرض لأي اعتداء، بإطلاق غاز مسيل للدموع على هذه الجموع، وتفريقها، وهو ما أثار الشكوك، والصور التي نشرتها قوات الأمن لإصابة 4 أفراد، شكك فيها أيضاً المتابعون، وتحدثوا عن أنّها ليست إصابات حقيقية".
وكشف الصبيحات أنّه "تواصل شخصياً مع العديد من المتواجدين في تجمع عشيرة العجارمة، الذين أكدوا أنّ قوات الأمن هي من بدأت الهجوم ليلة أمس، وأنّهم لم يطلقوا رصاصة واحدة كما أدعت بعض المواقع المحسوبة على الدولة، ولا حتى حجراً، وهناك مقاطع فيديو توثق بداية الهجوم على المعتصمين".
وقال المتحدث: "قد نختلف أو نتفق مع ما يقوله النائب العجارمة، إلا أنّ الدولة كفلت حق التظاهر السلمي في قوانينها، لكن في الواقع يبدو أنّ الدولة في حالة خوف، وموضوع حق التظاهر السلمي بات حبراً على ورق".
وكانت مديرية الأمن العام في الأردن قالت في بيان صادر اليوم الأحد 6 يونيو/حزيران 2021 إنّ "أربعة من عناصر الأمن جرحوا مساء السبت في أعمال شغب في منطقة ناعور جنوب عمَّان، قام بها أنصار النائب الأردني أسامة العجارمة، الذي استقال من البرلمان، بعدما جمدت عضويته لمدة عام بسبب تطاوله على هيبة مجلس النواب".