من المعروف أن العمل المسرحي قبل عرضه يتطلب تدريباً طويلاً على الأداء من قِبل الممثلين، ووارد جداً أن تقع الخلافات بالكواليس، لكن بالنهاية يعرض أمام المشاهدين بسلاسة، وكذلك هو المشهد بين النظام المصري وحركة المقاومة حماس، وهنا نتحدث عن "النظام" المصري، وليست العلاقات الفلسطينية المصرية بين الشعبين كما يُروّج له، لأننا لم نكن يوماً على خلاف كي نصطلح، ولا يمثل السيسي مصر كلها بالنسبة لنا، فكل ما يحدث من وجهة نظري أداءات لزوم العمل المسرحي، بالتأكيد تطلبت جهوداً مضنية من الطرفين لمجرد لقاء بعضهما، فأحدهما لم يغلق دفاتره القديمة، ولا يمكن تحقق معجزة غلقها، هو يسير فقط حسب ما تقتضيه الظروف والمصلحة.
كفلسطينية، لم أشك للحظة بحتمية وجود نِيَّات غير معلنة حول تحركات السيسي تجاه غزة، وأن ما حدث على ما يبدو، تم بتنسيق وطلب من واشنطن وتل أبيب، وهنا مربط الفرس، فمن الواضح أن اليمين يخسر على مستوى العالم، ونتنياهو وإن فاز بانتخابات الكنيست فشل للمرة الرابعة بتشكيل حكومة، وهو حرفياً على استعداد لأن يحرق الدولة بمن فيها كي يبقى رئيساً للحكومة، فأقدم على العملية الانتحارية بغزة التي ظن أن فيها خلاصه فكانت كبرى خيباته.
والمتابع للإعلام الإسرائيلي يرى أن دور نتنياهو السياسي قد انتهى تقريباً بعد معركة غزة التي توقفت رغم أنفه، وكيف تهاوت شعبيته في الداخل، وخروج مظاهرات تطالب باستقالته، ونرى أن اليسار بقيادة بايدن شخصياً يحاول تصدر المشهد، والذي أساس فكرته للشرق الأوسط الاستقرار، ومصلحته تقتضي هدوء واستقرار كيان الاحتلال، فكلف حلفاءه بمهمة المصالحة لأن لديه مَن هو أشد عداوة، وعدوه الأساسي روسيا التي كانت سابقاً تمثل أقصى اليسار وليست الحركات الإسلامية كحماس وغيرها، فهذه الحركات العدو الأول لليمين أما اليسار فهو يفضل الاستقرار معها أي "لا صداقة ولا حرب".
وأرى أن هذا من أهم أسباب وجود علاقة بين نظام السيسي وحماس "فجأةً" الآن، فالسيسي منذ قدومه إلى السلطة يسعى إلى دورٍ حقيقي يمكن تأديته في المنطقة، ولذلك يسارع الزمن لتقديم كل البراهين على أنه الأجدر بهذه المهمة، حتى لو كان خلافاً لما روجه إعلامه على مدار سنوات، وشيطنة المقاومة الفلسطينية، وتهم "التخابر مع حماس" التي صاغها لينقلب على الرئيس محمد مرسي الذي روجوا عنه بيعه "سيناء" إلى حماس، وحتى لو كان أيضاً بالالتفاف حول كل حلفائه الذين شاركوه عداءاته ليظهر بمظهر القوي القادر على التأثير على حماس وتحقيق الاستقرار بالمنطقة.
أما عن حماس، فمن جهتها ستحاول أن تستفيد أكبر استفادة من تلك المهادنة التي لا أظنها تطول، فلا شيء من أسباب الحرب قد انتهى، والفلسطيني بالداخل المحتل يرى كم التخبطات التي تعيشها دولة الاحتلال ويشعر بغليان البركان، كما أن حماس تمد يداً للتهدئة واليد الأخرى على الزناد فهي تعي يقيناً أنها تلعب مع الثعالب في عقر دارها، وهذا ما لا يرضي الإدارة الأمريكية لأن مطلبها أن تقدر الوساطة المصرية على التأثير بشكل أكبر من ذلك لتحقيق "الاستقرار طويل المدى"، لذلك فإن البديل للسيسي ونتنياهو في هذه اللعبة قد يكون مطروحاً على الطاولة في الغرف المغلقة، وإن صح هذا فإن الأمر قد يقود لتغييرٍ ما، ليس فقط في إسرائيل، وإنما يمتد حتى إلى مصر.
أخيراً أوجه كلامي لأبطالنا في غزة، وإن كنا نعلم أن الضرورات تبيح المحظورات، وإن كان الله قد عفا عمن كفرَ مُكرَهاً خوفاً على حياته وقلبه مطمئنٌ بالإيمان، لكن صدقاً إن مشاهدة قادة النظام المصري في غزة التي شيطنوها، والاحتفاء المبالغ جداً باستقبالهم -وإن كان المعلوم بالضرورة أن هذا من فصول المسرحية- قد آذى وآلم الفلسطينيين، مع علمنا بضرورة الأمر سياسياً، فكيف بقلوب من قتل وسجن وشرد هؤلاء أبناءهم؟ وقتلوا فرحتنا جميعاً بثورتهم، وكلنا نذكر كيف أن كل مناطق فلسطين وزعت الحلوى يوم خلع مبارك لدرجة أن وصفت فرحتنا كأن فلسطين تحررت، وكذلك كان يوم فوز الرئيس محمد مرسي وكنتم أشدنا فرحاً وحق لكم ذلك، ثم يوم الانقلاب كنا بعد أهل مصر أولى الثكالى، فكيف ننسى من قال لنا أنتم منا ونحن منكم وفتح معابر وأوقف عدواناً وقالها والعالم يسمع: "لن نترك غزة وحدها".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.