انقلاب على انقلاب في مالي والغضبة الفرنسية.. تفاصيل تغير موازين القوى في منطقة الساحل الإفريقي

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/30 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/30 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
قوات من الجيش الصومالي/ رويترز

يبدو أن الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي ما زال بعيد المنال، لاسيما أن إحدى أبرز دُوله تعيش اضطراباً سياسياً مستمراً لقرابة عقد، كان آخره انقلاب العقيد أسيمي غوتا على رئيس المرحلة الانتقالية باه نداو قبل أيام.

ويُرجع الماليون أصل مشاكلهم دائماً إلى المستعمر السابق فرنسا، التي تسيطر على البلاد طولاً وعرضاً، وتتواجد فيه عسكرياً منذ عقد؛ بحجة محاربة الإرهاب في شمال البلاد دون تحقيق نتائج ملموسة، حسب الإعلام الفرنسي ذاته.

يقول الإمام محمود ديكو، أحد أبرز الشخصيات السياسية والدينية وقائد حراك 5 يونيو/حزيران في العاصمة المالية بماكو الذي تسبب في الإطاحة بالرئيس أبوبكر كيتا قبل أشهر بعد انقلاب عسكري قام به أيضاً العقيد أسيمي غوتا إن "فرنسا تحتل مالي احتلالاً مباشراً منذ سنوات وعليها الرحيل".

عشرية الانقلابات.. والدور الفرنسي

بعد سنوات من الهدوء النسبي عقب التدخّل الفرنسي في شمال مالي ضدّ حركة "الأزواد" الساعية للانفصال عن مالي وتأسيس ما يسمى بدولة الطوارق في الشمال، عادت بماكو إلى المربع الأول وهو مربع الانقلابات وسيطرة الجيش على السلطة.

وعقب انقلاب النقيب أمادو سانوغو على الرئيس أمادو توماني توري شهر مارس/آذار 2012، بحجة تقصيره في مواجهة ثورة الطوارق، اتفقت الدول الإقليمية والمؤثرة على العودة إلى المسار الدستوري، وانبثق عن ذلك وصول الرئيس أبوبكر كيتا للسلطة، تبعه اتفاق السلم والمصالحة الموقّع في الجزائر سنة 2015 لإنهاء الانقسام في مالي والمحافظة على وحدة البلاد وخلق توازن سياسي واجتماعي واقتصادي بين الشمال والجنوب.

وما إن عاد الهدوء نسبياً إلى مالي حتى اندلع حراك 5 يونيو/حزيران بسبب تزوير نتائج التشريعيات، وتردي الوضع الاقتصادي والتدخل العسكري الفرنسي غير المضبوط بموعد ونتائج.

ونادى الحراك بإقالة الرئيس أبوبكر كيتا وطرد الفرنسيين الذين يهيمنون على ثروات البلاد، وبعد أشهر ينقلب الجيش على كيتا وبضغط من مجموعة دول غرب إفريقيا، وتوافق فرنسي أمريكي جزائري يتم تعيين رئيس مؤقت وحكومة أغلبها من ضباط الجيش لقيادة مرحلة انتقالية لمدة 18 شهراً.

وظن الجميع أن الوضع في بماكو سائر في الطريق الصحيح، إلا أن العقيد أسيمي غوتا كان له رأي آخر، إذ أطاح بالرئيس المؤقت وحكومته بعد يوم من تشكيلها؛ بحجة عدم استشارته وخرق ميثاق المرحلة الانتقالية.

الصحافي المختص في الشأن المالي مصطفى قاسم حمَّل مسؤولية ما يجري في مالي لفرنسا، إذ قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "أي اضطراب في منطقة الساحل خصوصاً وإفريقيا عموماً عليك البحث عن فرنسا لأنها تملك معظم خيوط اللعبة في القارة لاعتبارات عدة أبرزها الاعتبار التاريخي".

وأضاف المتحدث أن "الانقلاب الأخير في مالي يبدو أنه فاجأ الفرنسيين بعدما كانوا يعتقدون أنهم سيطروا مجدداً على بماكو بعد الإطاحة بحليفهم أبوبكر كيتا".

وأكد المتحدث على أن "روسيا عارضت العقوبات التي اقترحتها فرنسا ضدّ مالي في الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن الذي عُقد بناء على طلب فرنسا".

ولفت الصحافي المختص في الشأن المالي إلى أن "الانقلاب في مالي وقبله في تشاد ما هو إلا مقدمة أولية بسيطة لما يقوم به ويخطط له المتمردون داخل الجيش الفرنسي والذين ازدادت قوتهم وباتوا ينفذون بالقوة الانقلابات في العواصم الإفريقية تمهيداً للانقلاب النهائي في باريس"، في إشارة منه إلى الحراك السياسي داخل الجيش الفرنسي والذي يؤيده اليمين المتطرف الفرنسي.

لاعبون دوليون جدد

التحرك الفرنسي الغاضب تجاه الانقلاب العسكري المفاجئ في مالي يؤكد أن باريس لم تعد اللاعب الوحيد المتحكم في خيوط اللعبة بمنطقة الساحل عموماً ومالي خصوصاً.

ووفق أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقعدة فإن "المؤشرات القادمة من مالي وباريس تشير إلى أن فرنسا لم تكُن لها يد في الانقلاب الأخير بل على العكس، فهو من حيث النتائج يضرّ بالمصالح الفرنسية، إذ هناك طبقة جديدة في الجيش المالي تدين بالولاء لجهة أخرى، والاتهام هنا موجه إلى روسيا".

وكشف بوقعدة لـ"عربي بوست" أن "اثنين من قادة الانقلاب في مالي عادا من موسكو قبل الانقلاب بيومين، كما أن الاهتمام الروسي بالمنطقة بدأ يبرز في السنوات الأخيرة بدليل توقيع بماكو لاتفاق تعاون عسكري مع موسكو مؤخراً".

ويعتقد بوقعدة أن "رد الفعل الفرنسي القوي بإدانة الانقلاب والاستنجاد بمجلس الأمن والتلويح بعقوبات نابع من تخوف حقيقي لباريس من انفلات خيوط اللعبة في مالي ودول الساحل من بين أيديها" .

ويتوقع أستاذ العلاقات الدولية بالجزائر، تدخلا سياسياً أو استخبارتياً أمريكياً في المنطقة كرد على التدخل الروسي الذي يعرف جيداً كيفية التعامل مع الأنظمة العسكرية.

وبالعودة إلى الخلف قليلاً يتبين أن هناك دوراً تركياً متصاعداً في المنطقة أصبح يزعج الفرنسيين كثيراً، إذ كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أول مسؤول أجنبي رفيع يصل إلى البلاد بعد مرور شهر واحد على انقلاب 18 أغسطس/آب الذي أطاح بالرئيس السابق إبراهيم بوبكر كايتا.

ويتخوف الأوربيون من تكرار ثنائية تركيا وروسيا في الساحل الإفريقي وإعادة سيناريو يشبه ما حدث في ليبيا وأذربيجان وسوريا.

ماكرون يهدد بالانسحاب

بمجرد أن أصدرت المحكمة الدستورية المالية قراراً بتعيين العقيد أسيمي غوتا رئيساً مؤقتاً للبلاد، حتى خرجت مظاهرات مؤيدة له في بماكو تحمل شعارات مناهضة لفرنسا ومشيدة بالجيش وروسيا.

ولأن مثل هذه المظاهرات لا تكون عفوية عادة، يبدو أن فرنسا فهمت الرسالة جيداً وهو ما يفسر تهديد الرئيس الفرنسي بسحب القوات الفرنسية من مالي.

وقال ماكرون في حوار مع صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" نشرت اليوم الأحد إنه مرّر رسالة إلى قادة دول غرب إفريقيا مفادها أنه "لن يبقى إلى جانب بلد لم تعد فيه شرعية ديمقراطية ولا عملية انتقال"، مذكراً بأنه قال قبل ثلاث سنوات في عدد من مجالس الدفاع إنه "يجب علينا التفكير في الخروج".

يذكر أن باريس تدعم  عبر عملية "برخان" التي تضم نحو 5100 عنصر، مالي التي تواجه منذ 2012 هجمات إرهابية بدأت في الشمال وأغرقت البلاد في أزمة أمنية، قبل أن تمتد إلى وسط البلاد.

تحميل المزيد