يعاني أطفال غزة من صدمات نفسية جراء عمليات القصف العنيفة التي نفذتها إسرائيل، خلال حربها الأخيرة على القطاع التي استمرت 11 يوماً، وعلى الرغم من توقف القصف فإن خبراء حذروا من آثار القصف النفسية التي سترافق الأطفال لسنوات.
ويمتلئ القطاع بقصص عن رعب الأطفال، فعندما بدأ القصف في شمال غزة، كتبت الطفلة زينة ضابوس (10 سنوات) بقلم حبر باللون الأحمر رسالة ووضعتها تحت وسادة والدتها. وتقول الرسالة: "ماما حبيبتي، أنا خائفة جداً. إذا استشهدنا ضعونا معاً في القبر نفسه لأبقى في حضنك. وأريد أن أرتدي ملابس العيد".
يقول أطباء نفسيون إن الأطفال في قطاع غزة يعانون من سلسلة من الأعراض النفسية المرتبطة بالخوف من القصف كالاكتئاب والقلق والاضطرابات السلوكية والتبول اللاإرادي وعصبية المزاج وغيرها، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
الطفلة زينة قالت للوكالة إنها بدأت بكتابة الرسالة انطلاقاً من شعورها بالخوف والرعب، مضيفةً: "كانوا يقصفون محيط منزلنا، ويقصفون كل الشوارع. قبل النوم كتبت ورقة إلى أمي ووضعتها تحت الوسادة، لأنني كنت خائفة من أن أموت".
معاناة طويلة
يوجد في غزة مليون طفل، بحسب أرقام صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبينما شهد القطاع 4 عمليات عسكرية إسرائيلية في 2008 و2012 و2014، نشأ الكثير من الأطفال على أصوات القصف والغارات الجوية.
يقول جد الطفلة سعيد الضابوس: "جيل الأطفال تدمر بسبب الحروب المتتالية على غزة".
وحذرت منظمة "أنقذوا الأطفال" يوم الجمعة الفائت من أن الأطفال في غزة سيعانون لسنوات قادمة، وأضافت أن "الأطفال في غزة يعانون من الخوف والقلق، وقلة النوم وتظهر عليهم علامات القلق مثل الاهتزاز المستمر والتبول اللاإرادي".
في منزل آخر، تحاول ميساء أبوالعوف (22 عاماً) تهدئة روع شقيقها البالغ من العمر عامين ونصف العام بعد أن خسرا عدداً كبيراً من أفراد عائلتهما في قصف جوي إسرائيلي، وتقول: "عندما يسمع صوت أي انفجار يبدأ بالصراخ والبكاء. ويقول لي أحبك وأريد أن أكون معك".
تحاول ميساء تهدئته قائلة: "لا تخف، هذا صوت بالون"، وتتابع: "الجميع بحاجة إلى دعم نفسي. ابن عمي عمر (16 عاماً) استشهد جميع أفراد عائلته وتم انتشاله من بين الأنقاض بعد أن قضى 12 ساعة هناك. ومن هول الصدمة ما زال يبكي بحرقة ولا يريد الكلام".
كانت طواقم الدفاع المدني قد انتشلت عدداً من النساء والأطفال من تحت ركام منزل عائلة أبوالعوف الذي دمر كلياً، بينهما شقيقتا ميساء، طالبة طب الأسنان شيماء (20 عاماً) وروان طالبة المدرسة (17 عاماً) .
تروي مرام أبوالعوف (7 أعوام) التي نجت من تحت الأنقاض: "كنت تحت الحجارة، سألت عن ماما وعن أختي شيماء، وكنت أقول أخرجوني من تحت الردم"، ثم تضيف " أنا حزينة".
مخاوف من "صدمات هائلة"
خلال العملية العسكرية الأخيرة كان برنامج غزة للصحة النفسية يقدم نصائح للعائلات في كيفية التعامل مع الأطفال أثناء القصف عبر صفحته على "فيسبوك".
في منشور يعود تاريخه إلى 10 مايو/أيار 2021، كان البرنامج يطلب من الوالدين مشاركة المشاعر مع الأطفال، ومحاولة إشغالهم أثناء القصف بأنشطة أخرى مثل اللعب أو الرسم أو الصلاة.
ولا توجد نسبة حقيقية لعدد الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية في القطاع، لكن برنامج غزة يشير إلى ازدياد هذه الحالات بالمئات شهرياً.
من جانبه، يحذر الأخصائي النفسي محمد أبوالسبح من أن يصبح الأطفال الذين تعرضوا "لصدمات هائلة" في قطاع غزة عنيفين، ويقول: "الاضطرابات النفسية تظهر غالباً عبر اضطرابات سلوكية سيئة وعنيفة. تحدث الحروب زيادة في العنف لدى الأطفال في المدارس أو داخل البيوت".
بحسب أبوالسبح أيضاً فإن غالبية الأطفال في قطاع غزة "يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب السلوك"، محذراً من أن هناك "نسبة كارثية" من الأطفال الذين يحتاجون لإعادة تأهيل.
يُذكر أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة أسفرت عن استشهاد 279 شخصاً، بينهم 69 طفلاً، و40 سيدة، و17 مسناً، فيما أدت إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها "شديدة الخطورة".