قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، في تقرير نشرته الأربعاء 19 مايو/أيار 2021، إن الجولة الأخيرة من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني أثارت مستويات- لم تكن متصورة سابقاً- من الانتقادات العلنية من أعضاء بالحزب الديمقراطي تجاه حكومة تل أبيب.
إذ اتهم مشرعون أمريكيون إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، من داخل قاعة مجلس النواب الأمريكي. وبالنسبة للمفكرين الفلسطينيين الرائدين والنشطاء الداعمين للفلسطينيين، فيرون أن تغير الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية لم يحدث بين عشيةٍ وضحاها.
اختلال القوى والظلم في فلسطين
حيث يقول يوسف منيِّر، وهو زميل غير مقيم، بالمركز العربي في واشنطن: "أصحاب الضمير الذين ينظرون إلى هذه القضية يُدرِكون على الفور اختلال القوى، والظلم، ويجاهرون بالحديث عن الأمر. لم يكن هذا هو الحال دوماً هنا، في الواقع، لقد كان العكس تماماً".
وفي حين كان يُنظَر طويلاً إلى المجاهرة بالحديث دعماً للفلسطينيين باعتبارها من المحظورات التي لها ثمن سياسي فوري، يحاجج منيّر بأنَّ المسؤولين المنتخبين الآن يرون ثمناً لعدم الحديث عن الأمر.
حيث يقول: "هذا أمر مختلف جداً، وسببه وجود تغير كبير في الاتجاهات بشأن هذه القضية، ليس فقط لدى قاعدة الحزب الديمقراطي، لكن أيضاً في موقف الأمريكيين من هذه القضية. إنَّهم يرون شيئاً ظالماً بشكل جوهري في الإنكار المستمر للحقوق الأساسية للناس بلا نهاية".
تفهمات لما يحدث في فلسطين
من جانبها تعتقد سيمون زيمرمان، مديرة منظمة "بتسيلم الولايات المتحدة"، وهي الفرع الأمريكي لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية غير الربحية لحقوق الإنسان، أنَّ أعضاء الكونغرس لديهم تفهُّم متزايد بأنَّ أحداث الأسابيع الماضية مرتبطةٌ بعضها ببعض.
حيث تقول زيمرمان: "هذا ما يبدو عليه نظام الفصل العنصري (الأبارتيد). إنَّه قمع وسلب، والأمر يبدو مختلفاً في مناطق مختلفة، لكنَّه كله يهدف إلى دعم التفوق اليهودي في مختلف أنحاء الأرض. ومن الرائع أن نرى أناساً يدركون هذه الروابط ويعبِّرون عن غضبهم".
كما تشير الى إنَّ الحزب الديمقراطي وجمهور الناخبين قد تغيَّروا في الأعوام السبعة التالية لحرب غزة 2014. وتضيف متساءلةً: "الديمقراطيون في موقع مختلف منذ ذلك الحين. فكيف يمكن أن يتحدث التقدميون عن نزع التمويل عن الشرطة وإنهاء حروبنا الأبدية بالخارج ثم يتركوا إسرائيل خارج كل ذلك وحسب؟ هذا في الواقع يؤدي إلى التعامل مع إسرائيل بمعايير أدنى، والتقدميون يدركون ذلك حقيقةً".
تنوع وسائل الدعم
من ناحية أخرى تجلى الدعم الديمقراطي في مجموعة متنوعة من الوسائط، التي تتراوح بين المنشورات بمنصات التواصل الاجتماعي دعماً للفلسطينيين، مروراً بخطاب غير مسبوق يحظى بدعم واسع النطاق إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والذي ينتقد إسرائيل، وصولاً إلى الانتقادات المُطلَقة الأعلى صوتاً لإدارة بايدن من داخل الحزب منذ توليه الرئاسة.
تقول زيمرمان: "هذا التحول من التصريحات الفارغة إلى الأفعال الملموسة ودعوات المحاسبة يُظهِر كم أنَّ المعايير في حياتنا السياسية متدنية. فما يزال تأكيد أنَّ الفلسطينيين بشر يستحقون كل الحقوق التي يستحقها أي كائن بشري آخر، فكرة ثورية جداً في السياسة الأمريكية".
دعم غير خجول للفلسطينيين
ربما كانت خطابات النظام الخاص التي جرت في مجلس النواب الأمريكي هي المثال الأبرز على السياسيين الذين يُقدِّمون دعماً غير خجول للفلسطينيين. إذ أدان ما يقرب من 10 مشرعين تصرفات إسرائيل، ليس على مدار الأسابيع القليلة الماضية وحسب، بل منذ نشأة الدولة. وردَّ تكتل آخر من الديمقراطيين الداعمين لإسرائيل على خطاباتهم.
في حين وصل الموقف الداعم للفلسطينيين لهؤلاء المشرعين إلى مستويات غير مسبوقة، الأربعاء، بعدما قدَّم النواب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز ورشيدة طليب ومارك بوكان مشروع قانون لمنع صفقة أسلحة بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل، وهي أول محاولة على الإطلاق من جانب أعضاء ما يزالون في فترة ولايتهم بالكونغرس لمنع صفقة كهذه.
كان من أبرز عناصر التصريحات في الأسابيع الأخيرة، تنوُّع الطرق التي استخدمها هؤلاء المشرعون لإيجاد رابط مع الفلسطينيين. إذ ناقشوا تجاربهم الخاصة مع وحشية الشرطة، ومواجهة التمييز الديني والعرقي، وكونهم أطفالاً للاجئين لجأوا بسبب الحرب، ومعاناتهم من إسهام المساعدة الأمريكية في عنف الدولة.
يشير هذا، بالنسبة لمنيّر، إلى كم أنَّ موجة دعم الفلسطينيين هذه طبيعية. ويقول: "يتنازع الناس حقيقةً مع التناقضات الواقعية للغاية بين هذه القيم الطموحة والأمور الحقيقية التي تجري على الأرض، وهم يربطون أنفسهم بها بطرقهم الخاصة".
تجارب شخصية
من جانبها تؤكد نورا عريقات، وهي باحثة قانونية ومحامية حقوق إنسان فلسطينية أمريكية، أنَّ جزءاً كبيراً من عملية تحديد المشرعين للسياقات المناسبة يأتي من واقع تجاربهم الشخصية الخاصة وأوجه فهمهم للكيفية التي تؤثر بها السياسة الأمريكية على العالم.
تقول: "حتى ألكساندريا أوكاسيو كورتيز تدين قتل الأطفال الفلسطينيين، وقد ربطت بين ذلك وإساءة معاملة الأطفال المهاجرين عند الحدود الأمريكية، لاسيما في ظل إدارة ترامب".
كذلك ترى عريقات أنَّ سبباً آخر لهذا التحديد السياقي هو الحماية من الخلط المحتمل بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية.
تقول: "حين يضعون السياق في هذا الشكل العالمي: (أنا ضد مذبحة الروهينغا، أنا ضد مذبحة الإيغور، أنا ضد عنف الشرطة في كولومبيا لقمع الاضطرابات، أنا أدعم تلك الانتفاضات تماماً مثلما أدعم الفلسطينيين)، فإنَّ هذه تكون إشارة. إنَّهم يردون على خطاب دَرَجَ على تحويل أي انتقاد لإسرائيل إلى سلاح من خلال اعتباره معادياً للسامية بشكلٍ ما وغير مقبول".
الأمريكيون يفهمون ما يدور في فلسطين
تعتقد عريقات أنَّ الأمريكيين يفهمون ما يجري في فلسطين الآن بشكل أفضل، بفضل حركة "حياة السود مهمة" والصور والنقاشات الحاضرة دوماً حول وحشية الشرطة.
مع ذلك، تعتقد عريقات أنَّ التدفق الأخير للدعم لا يعكس بالضرورة لحظة تاريخية، بل يُوضِّح فقط كم أنَّ أعمال العنف الإسرائيلية جلية. وتقول إنَّ هذا التدفق جزء من تحوُّل ثابت، يتجلى في دعم السيناتور بيرني ساندرز للفلسطينيين خلال ترشحه للرئاسة، واختيار غالبية مرشحي الرئاسة الديمقراطيين عدم حضور مؤتمر سياسة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية خلال موسم الانتخابات التمهيدية.