تواصل آلة قصف الاحتلال الإسرائيلي استهداف المدنيين في قطاع غزة لليوم السادس على التوالي، إذ ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 150 شهيداً، وتجاوز عدد الإصابات ألف إصابة من بينها إصابات خطيرة.
في الوقت ذاته، كشفت مصادر طبية وميدانية من غزة لـ"عربي بوست" أنه تم رصد حالات اختناق نتيجة تعرضها لغازات سامة، مصدرها صواريخ أُطلقت من الطائرات الإسرائيلية في أماكن مختلفة من القطاع، الأمر الذي يفتح الباب أمام استخدام الاحتلال الإسرائيلي لأسلحة محرمة دولية في هذه المعركة.
شهادات صادمة
أصدرت وزارة الصحة في غزة بياناً أكدت فيه وصول عدد من الشهداء والمصابين إلى المستشفيات نتيجة استنشاقهم لغازات سامة، وتم التأكد منها بعد أن تم تشريح جثامينهم من قبل الطب الشرعي وظهر أن سبب الوفاة المباشر هو الاختناق بغازات سامة.
مروان أبوسعدة مسؤول قسم الجراحة في مستشفى الشفاء الطبي في غزة قال في تصريحات صحفية إن "الطواقم الطبية لاحظت أن هناك بعض الإصابات التي تبدو من الخارج سطحية، وتعاني من جروح وشظايا بسيطة، لكنها تعاني من حالة تهتك كامل من الداخل عند التعامل معها من قبل الأطباء".
في حين كشف روحي فتوح مفوض العلاقات الدولية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أن "هناك شواهد على استخدام إسرائيل لأسلحة محرمة دولياً وفق شهادات طبية مؤكدة وصلت إلينا من داخل قطاع غزة".
أسامة النجار المتحدث باسم وزارة الصحة في رام الله قال لـ"عربي بوست" إنه "تم إشعارنا من قبل وزارة الصحة في غزة بأن هناك إصابات نتعامل معها للمرة الأولى، إذ وصل عشرات المصابين إلى مشافي القطاع يعانون من ضيق في التنفس وتشنجات عصبية، وقد طالبنا بإرسال عينات لفحصها في مختبرات وزارة الصحة برام الله لتقدير نوع المادة السامة المستخدمة في هذا العدوان للتعامل معها طبياً وقانونياً عبر تقديم هذه الشهادات لمحاكمة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية".
وأضاف المتحدث أن "تعليمات صدرت عن الوزارة لتشكيل لجنة تحقيق لمتابعة القضية، كما تم مراسلة المنظمات الدولية ذات الصلة لوضعها في صورة هذا الموقف الخطير، الذي يستدعي التدخل العاجل لإرسال ما يلزم من معدات وأجهزة فحص لمستشفيات وزارة الصحة بغزة حتى تتمكن من التعامل مع هذا النوع من الإصابات".
نسرين يوسف واحدة ممن تعرضوا لاختناق بالغازات السامة تقول لـ"عربي بوست" إنه "بعد كل عملية قصف تتم في المنطقة القريبة من المنزل نلحظ وجود سحابة من الدخان الأبيض، يؤدي إلى حرقة في العيون، وصعوبة في التنفس، واضطراب في نبضات القلب، ورعشة في الجسد، وهو ما يستدعي تدخلاً طبياً للتزود بالأوكسجين المباشر داخل أقسام الطوارئ في المستشفيات".
مجازر وسط الأحياء السكنية
في سياق متصل يروي بعض شهود العيان لـ"عربي بوست" أنه تم رصد أولى الحالات من هذا الغاز في منطقة شمال قطاع غزة، لأنه أثناء تجهز الجيش الإسرائيلي لحشد بري مساء الخميس الماضي تم إطلاق ما يشبه قنابل الغاز داخل المناطق الحدودية من الجانب الفلسطيني، في محاولة لدفع المواطنين لمغادرة مناطق سكنهم، وقد أصيب العشرات بحالات اختناق وإغماء، استدعت أن تقوم الطواقم الطبية بإخراجهم من المنطقة بسيارات الإسعاف.
أحد ضباط الإسعاف الذين عايشوا الحدث -أخفى هويته- قال لـ"عربي بوست": "تعاملنا مع حالات إصابة سطحية وشظايا بسيطة، لكن عند التعامل الميداني وتشريح الإصابة نتفاجأ أن البطن أو الأحشاء متهتكة، وهذا يمكن أن يشير إلى أسلحة تنفجر مرة أخرى عند إصابتها للأجسام، وهي معروفة لدينا بأنها مدرجة ضمن الأسلحة المحرمة دولياً".
ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة دولياً بهذا الشكل، فقد سبق أن جربت إسرائيل هذا النوع من الأسلحة في حروب غزة الثلاث الأخيرة 2008، 2012، 2014، وقد أكد تقرير القاضي غولدستون التابع للأمم المتحدة في حرب 2008 استخدام الجيش للفوسفور الأبيض على نطاق واسع في الهجوم على الفلسطينيين.
الأسلحة السامة في قصف غزة
يرى الفلسطينيون أنه في حال تم التأكد بشكل رسمي وطبي من نوع المادة السامة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في حربه الجارية على غزة، فإنه يفتح الباب أمام إدانته ومحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص بالولاية القضائية على المناطق المحتلة.
مصطفى إبراهيم منسق وحدة المناصرة في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان قال لـ"عربي بوست" إن "هذه الجرائم التي ترتكب من قبل جيش الاحتلال في حربه على غزة تأتي في سياق تاريخي يقوم على مبدأ استهداف المدنيين في مخالفة لكل قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وعدم احترام اتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين في أوقات الصراع، ونحن نتابع هذه القضية مع الجهات ذات الصلة، من خلال توثيق شهادات ميدانية لمن تعرضوا لنوع من هذه الإصابات".
دلالات عسكرية
ربما تتذرع إسرائيل بأن هناك دلالة عسكرية من استخدام هذا السلوك في المواجهة الحالية مع غزة، طبعاً دون الاعتراف بمسؤوليتها عن ذلك، لكنها تبدو قلقة من خطر تواجد عناصر المقاومة في المناطق الحدودية، سواء فوق الأرض أو تحتها، لذلك تستخدم هذا النوع من الأسلحة، لإجبار كوادر المقاومة على مغادرة مناطق تمركزهم.
رامي أبوزبيدة الخبير والمختص في الشؤون العسكرية قال لـ"عربي بوست" إن "البعد العسكري في هذا النوع من الأسلحة، هو الأكثر نجاعة في الحروب الحديثة، وهو يأتي كبديل عن النمط التقليدي في سياسة الأرض المحروقة، لأن الغازات تتسبب في أضرار صحية على المقاومين، سواء أكانوا تحت الأرض أم فوقها، كما يضمن لإسرائيل وجود عمليات نزوح جماعي من المناطق التي تطلِق عليها هذا النوع من الغازات السامة".
ورجح المتحدث أن الجيش الإسرائيلي كثف من استخدام هذا النوع من القذائف السامة والتي تم تطويرها لتكون جزءاً من المادة المتفجرة في الصاروخ، بهدف ممارسة ضغط على البنى التحتية الفلسطينية، وإجبار الناس على التواجد في مناطق الوسط، لضمان عدم تعرض جنوده لأي استهداف مباشر سواء بالصواريخ الموجهة، أم من خلال الأنفاق".