"منذ سنتين أو ثلاث ونحن نعاني من انهيار كبير في أثمان القنب الهندي، إذ انتقل ثمن الكيلوغرام الواحد من حوالي 10 آلاف درهم (1000 دولار) إلى أقل من ألفي درهم (200 دولار)"، يحكي الفلاح محمد عن معاناة عدد من فلاحي منطقة "فيفي" بإقليم شفشاون شمال المغرب.
بخلاف محمد، يعتقد إدريس، مزارع من منطقة كتامة (شمال المغرب) التي تعد منطقة زراعة تاريخية لنبتة القنب الهندي، أن القانون الجديد الذي يسعى البرلمان إلى المصادقة عليه قد يساعد الفلاحين على الزراعة بأمان، وبعيداً عن حصار أجهزة الأمن كما هو الأمر حالياً.
يقول إدريس، ابن قبيلة بني سدات في كتامة، التابعة لإقليم الحسيمة، الذي ورث زراعة القنب الهندي عن والده في حديث مع "عربي بوست": "وضعنا الاقتصادي هو الذي دفعني إلى مغادرة قاعات الدراسة من أجل مساعدة الأسرة على الزراعة التي كانت تعني احتمال اعتقال الوالد في أي لحظة".
إدريس يرى أن مسار تقنين زراعة الكيف في المغرب لا يحمل أي شيء يستحق كل هذا الاحتفال، إذ لا نعرف مآلات هذا المشروع، ولا حتى انعكاساته علينا نحن كمزارعين نعاني منذ سنتين دون أن يلتفت أحد لمعاناتنا، فكيف تريد منا أن نفرح لمشروع جاء لخدمة الشركات الكبرى.
ويضع مجلس النواب (الغرفة الأولى) للبرلمان المغربي لمساته الأخيرة على مشروع قانون الاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي، وحدد المجلس آخر أجل لوضع التعديلات حول مشروع قانون رقم 13.21 يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، الثلاثاء 11 أيار/مايو 2021، على الساعة الثانية عشرة ظهراً، في أفق التصويت عليه بعد عيد الفطر.
ورغم كل هذه المساعي فإن "المساحات المزروعة بنبات القنب الهندي عرفت توسعاً كبيراً، إذ تضاعفت الأراضي منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي"، يقول أحمد المليلي، ناشط مدني في إقليم شفشاون في حديثه مع "عربي بوست".
الأمل والسراب
يقضي القانون المغربي بتجريم زراعة القنب الهندي، وذلك منذ صدور ظهير 1954، وصولاً إلى إحداث لجنة وطنية للمخدرات من أجل مكافحة المخدرات (هيئة وزارية وأمنية) في تشرين الأول/أكتوبر 1977، للحد من انتشار ومحاربة المخدرات.
المساعي الحكومية تهدف من خلال مشروع تقنين استعمالات نبتة القنب الهندي (الكيف) إلى "الاستفادة من الفرص التي تمنحها السوق العالمية، وفتح البلاد لاستثمارات كبريات الشركات في هذا المجال".
وبالرغم من هذا التحول فإن المزارع محمد يعتقد أن العائد المالي للمشروع لن يُحقق استفادة كاملة لزملائه، فالعائد المالي للقنب الموجه للاستعمال الترفيهي (مخدر) لا يمكن تعويضه بالقنب الموجه للاستعمالات الطبية والصناعية".
ويتخوف المزارعون من عائدات الاستعمال الطبي لكونه يلزمهم ببيع المحصول دفعة واحدة للشركة بشكل يحرمهم من الاستفادة من كل محتويات النبتة.
يقول إدريس، ابن قبيلة بني سدات في كتامة، التابعة لإقليم الحسيمة لـ"عربي بوست"، إن "خوفنا كبير من الحصول على عائد مالي قريب من السابق (الاستعمال الترفيهي)، لكننا سنربح عدم تجريم زراعة القنب، ونتحول إلى مزارعين معترف بنا ونبيع إنتاجنا بشكل علني وأمام الجميع".
فيما يكشف الناشط المدني بإقليم شفشاون أحمد المليلي، أن "واحداً من مطالب المزارعين هو توطين مصانع القنب الهندي داخل مناطق الزراعة"، مضيفاً أن "لا معنى للقانون إن كانت المصانع التحويلية ستقام خارج المناطق الزراعية، فالمنطقة فقيرة أساساً، وشبابها عاطلون عن العمل، وسيكون منطقياً فتح المصانع هنا من أجل تشغيل العاطلين بالمنطقة".
معركة الأرض
المشروع الذي يناقشه البرلمان المغربي يهدف إلى نقل زراعة القنب الهندي من دائرة المنع والتجريم إلى نطاق الاستعمالات المشروعة، ويلزم المزارعين بتأسيس تعاونيات فلاحية، على أن تُبرم عقوداً مع شركات تبيعها المحصول على وجه الإلزام.
وأوكل مشروع تحديد مناطق زراعة الكيف إلى وزارة الداخلية، وهو الأمر الذي أثار مخاوف لدى مناطق الزراعة، وفتح المجال لمنافسة شرسة بين تنسيقيات المناطق التاريخية في مقابل المناطق الحديثة نسبياً.
في هذا الإطار أطلق القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة (يميني معارض) العربي المحرشي، وعضو مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) في لقاء مع "تنسيقية أبناء بلاد الكيف" النار على من يريد استفادة المناطق التاريخية لزراعة الكيف قبل غيرها من المناطق.
هذا الهجوم ردت عليه التنسيقية المقابلة، وهي "تنسيقية المناطق الأصلية للكيف"، التي لم تتردد في مهاجمة البرلماني، ودعته إلى الابتعاد عن تسييس ملف زراعة القنب الهندي.
ويقسم الخبراء مناطق زراعة الكيف إلى ثلاث مناطق رئيسية، وكلها في شمال المغرب، انطلاقاً من سنوات ظهور الزراعة، فالمنطقة الأولى وفق هذا الرصد تضم المناطق التاريخية لنبتة الكيف، التي تضم قبيلة بني خالد في إقليم شفشاون، وقبائل كتامة وبني سدات في إقليم الحسيمة.
وتوسعت المنطقة الثانية بمحاذاة الأولى، حيث امتدت إليها زراعة الكيف منذ عقود قليلة، أرجعها أحمد المليلي إلى سنوات 1986، وتتكون من باقي تراب إقليم شفشاون والجزء الغربي لإقليم الحسيمة.
وتشمل المنطقة الثالثة أجزاء من أقاليم تطوان، وتاونات، ووزان، والعرائش، وطنجة، وسيدي قاسم.
ويدفع محمد بأن "المشكلة الكبيرة التي تواجه المزارعين هي ضيق حقول الكيف في المناطق التاريخية، لذلك ففتح المجال أمام مناطق جديدة يحرم الفلاحين من الاستفادة، خاصة أن المناطق الجديدة تضم حقولاً أكبر، وأكثر خصوبة وتوفراً على المياه".
المسكوت عنه
لم تكن الأراضي المعنية بالزراعة وحدها التي سكت عنها مشروع القانون الجديد، إذ لم يتطرق إلى وضعية المتابعين أمام المحاكم أو الموجودين في حالة اعتقال.
وتقدر تقارير صادرة عن تنسيقيات زراعة الكيف، أن المتابعين يقدرون بحوالي 60 ألف شخص، وهذا واحد من الاعتبارات التي دفعت فريق العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) إلى طلب رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الموضوع، بحسب مصادر حزبية.
ووفق تقديرات تقريبية فإن ما بين 80 إلى 120 ألف أسرة في أقاليم شمال المغرب تعيش على هذه الزراعة.
وطالب عدد من الفرق النيابية في مجلس النواب بإطلاق مصالحة مع أبناء المناطق المنتجة للقنب الهندي، من خلال تضمين القانون -في حال صدوره- عفواً عاماً عن السجناء والمتابعين على حد سواء.
يقول الناشط الميداني في إقليم شفشاون، محمد المليلي، إن "القانون الجديد ظل محافظاً على العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للمزارعين، إذ إن عدداً من المواد الواردة فيه تُشدد العقوبات الموجودة أصلاً".
وأضاف المتحدث أن القانون المغربي الجديد أسند عقوبات جديدة إلى الظهير الشريف الصادر أيار/مايو 1974، إذ تم تخصيص الباب التاسع من قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وضم المواد من 49 إلى 55 للعقوبات الجديدة.
في هذا الاتجاه يذهب الناشط الميداني أحمد المليلي إلى أن "القانون الجديد مخيب للآمال والانتظارات، فلقد أبقى على العقوبات السجنية، ولم يزل التجريم عن الممارسات السابقة".