وصل التوتر في مدينة القدس المحتلة إلى ذروته، مع تنفيذ المستوطنين الإسرائيليين، صباح الإثنين 10 مايو/أيار 2021، مخططاً لاقتحام المسجد الأقصى دعت إليه منظمات اليمين الصهيوني، وأهمها "الهيكل" "ولهافا".
ونفذ آلاف المستوطنين اقتحاماً وحشياً للمسجد الأقصى وحائط البراق بحماية الشرطة الإسرائيلية التي قامت بإطلاق الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز؛ ما أدى إلى إصابة أكثر من 300 مقدسي، في أكبر حصيلة إصابات تسجلها مدينة القدس منذ بدء التوتر.
ورفع الفلسطينيون سقف التحدي بشكل كبير في وجه إسرائيل، وقد تأتي هبَّة المقدسيين كشرارة لانفجار الوضع على هيئة انتفاضة ثالثة، في ظل حالة الجمود السياسي وانسداد الأفق بالتوصل إلى صيغة توافق لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
التوتر في المدينة المقدسة سبقه تراكم للأحداث، إذ لبى المقدسيون دعوات الرباط داخل المسجد الأقصى، وداخل أحياء البلدة القديمة منذ بداية شهر رمضان بشكل استثنائي، والتي جاءت رداً على دعوات أطلقها حاخامات ومدارس دينية صهيونية، دعت من خلالها إلى أكبر حشد لاقتحام "الأقصى" وتدنيسه في 28 رمضان، والذي يُطلق عليه في العقيدة التوراتية "يوم القدس الموحدة".
دعم فصائلي
ينظر الفلسطينيون باهتمام إلى هذه المعركة، إذ كان من اللافت ومن المرات القليلة أن يجد المقدسيون إسناداً لمعركتهم من قِبل مستويات متعددة من قادة الفصائل المسلحة، ولعل من أهم صورها تغريدة قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام، محمد الضيف، التي توعد من خلالها إسرائيل- في حال لم تتوقف الاعتداءات على سكان حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى- بدفع الثمن غالياً.
ورفع الفلسطينيون سقف التحدي، خصوصاً أن القضية الفلسطينية فقدت بريقها وأهميتها بالنسبة للمحيط العربي والإسلامي والدولي، لذلك يعول الفلسطينيون على انتفاضة القدس لإعادة القضية إلى مكانها السابق.
عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، قال لـ"عربي بوست"، إن "الظروف التي تشهدها القضية الفلسطينية بشكل عام ومدينة القدس تحديداً، تدفع إلى الرأي السائد بأن انفجاراً ما، سيحدث في وجه إسرائيل التي أغلقت كل منافذ الحل السياسي، وقد يكون شكل هذا الغضب على هيئة انتفاضة ثالثة أو موجة ثورية تستمر عدة أشهر كما حدث سابقاً في معركة البوابات الإلكترونية".
وأضاف المتحدث أنه "بالنسبة لحركة فتح والموقف الرسمي للسلطة، فنحن في حالة اشتباك دائم مع الاحتلال الإسرائيلي، كما ندعم من خلال رؤية وطنية شاملة ضرورة التحرك على المستويين السياسي والميداني داخلياً وخارجياً؛ لتوفير الحماية لسكان القدس وحي الشيخ جراح".
وقال المتحدث: "من مصلحتنا كفلسطينيين أن نستثمر هذا الحراك المقدسي في كسر حالة الجمود السياسي على المستوى الداخلي، من خلال برنامج نضالي مشترك يقوم على مبدأ المقاومة الشعبية السلمية، تشارك فيه كل الفصائل والقوى السياسية في كل نقاط التماس والاشتباك مع دولة الاحتلال".
انتفاضة الأقصى الثانية
أعادت صور اقتحام المستوطنين ساحات الحرم القدسي إلى الأذهان حادثة تدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، للمسجد الأقصى أواخر عام 2000، والتي أدت إلى اندلاع انتفاضة الأقصى التي استمرت خمسة أعوام.
ويتشابه الظرف السياسي الحالي الذي يعيشه الفلسطينيون مع الأحداث التي سبقت انتفاضة الأقصى قبل 21 عاماً، فمن ناحية اقتصادية عانى الفلسطينيون حصاراً مالياً نتيجة عدم التزام الدول المانحة بما التزمت به في اتفاق أوسلو، الأمر الذي أدخل السلطة في أزمة اقتصادية ترافقت مع تعطيل إسرائيل المفاوضات الفلسطينية للتنقيب عن حقول الغاز في شواطئ غزة.
أما من ناحية سياسية فكانت العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية تعيش توتراً، نتيجة المماطلة الإسرائيلية في الالتزام بما جاء باتفاق أوسلو، وعدم الإيفاء ببعض البنود المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى، ومواصلة إسرائيل البناء الاستيطاني.
محمد حمادة، المرشح عن قائمة حركة حماس للانتخابات التشريعية من مدينة القدس، قال لـ"عربي بوست"، إن "ما يجري في القدس ليس صراعاً أو خلافاً سياسياً بين دولة الاحتلال والفلسطينيين كما تُصوره بعض وسائل الإعلام، بل إن المعركة باتت على الهوية الدينية والسياسية للمدينة، فالمقدسيون يدركون أنه لا يمكن القبول بأن يجري على مدينة القدس كما جرى مع الدول العربية المُطبِّعة، بتغيير الواقع لصالح إسرائيل".
وأضاف المتحدث أن "محاولات تأطير الحادثة الآن بالقدس في إطار حرب دينية عقائدية، محاولات تتجاهل السياق التاريخي للاستعمار والخطط الإسرائيلية لـ(أسرلة) المدينة، وتغاضٍ واضح عن انعدام توازن القوى المستعمرة مع المستعمَرين العزَّل في أرضهم ومدينتهم المقدسة".
وتابع المتحدث أن "شرارة الانتفاضة الثالثة انطلقت من خلال صمود المقدسيين في الدفاع عن حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، وهنالك حالة من الغضب والتعبئة العامة لدى الكل الفلسطيني؛ للوقوف بوجه أي مخططات لتهويد المدينة أو تغيير واقعها".
اليمين هو المستفيد الأكبر
لعل الاختلاف الحالي بالنسبة للوضع الإسرائيلي هو صعود اليمين المتطرف، الذي بات يقود الدولة من خلال مواقع متقدمة في مفاصل الدولة وأهمها القضاء والداخلية والأمن، كما استطاعت هذه الأحزاب رفع رصيدها السياسي في مقاعد الكنيست بالسيطرة على 20% من مقاعد البرلمان وفقا لآخر انتخابات.
عماد أبو عواد، مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، قال لـ"عربي بوست"، إن "المزاج العام في إسرائيل لا يختلف عنه بالنسبة للفلسطينيين، فهنالك حالة من الفوضى السياسية، لأن نتنياهو فقدَ كل أوراقه التي يمتلكها لمواجهة خصومه، لذلك هو يدفع باتجاه تدهور الأوضاع؛ على أمل أن يساهم ذلك في تشكيل حكومة طوارئ يكون جزءاً منها، أو تتم مساومته على منصب رئيس الدولة مقابل ضمانات بعدم محاكمته".
وتابع المتحدث أن "نتنياهو يحاول استقطاب اليمين والمتدينين من خلال إظهار الدعم لهم في اقتحام المسجد الأقصى؛ على أمل أن يبقى على كتلة صلبة تقف إلى جانبه في مشوار الانتخابات الحالي، أو بالانتخابات الخامسة في سبتمبر/أيلول القادم".
أنشيل بيبر، كاتب في جريدة هآرتس، قال إن "القدس لديها كل مقومات الانتفاضة الجديدة، لكنها لم تحدث حتى الآن، وقد أدى تلاقي الأحداث في القدس خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلى تحويل المدينة إلى برميل بارود مرة أخرى، مع وجود عمليات شرطة عدوانية من قادة عديمي الخبرة".
وأضاف المتحدث أن اندلاع انتفاضة ثالثة أمر لا مفر منه الآن، مع العلم أن ليلة القدر مرت في القدس، وهي واحدة من أقدس ليالي السنة للمسلمين، مع عنف أقل قليلاً مما كان متوقعاً، حيث سادت التخوفات من اندلاع اشتباكات خطيرة بالمسجد الأقصى وحول الحرم القدسي وباب العامود وحي الشيخ جراح في شرقي القدس، وجاءت الاشتباكات بين الشرطة والفلسطينيين أقصر بكثير وقائمة بذاتها.