كشفت مصادر مصرية مطلعة، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، عن بعض تفاصيل ونتائج "الجولة الاستكشافية" للمشاورات الثنائية بين تركيا ومصر، والتي عُقدت في القاهرة على مدى يومي الأربعاء والخميس 5 و6 مايو/أيار 2021، منوهة إلى أنه قد يتم الوصول لتطبيع كامل في العلاقات بين البلدين قبل نهاية العام الجاري، وأن ملف المعارضة المصرية كان حاضراً خلال تلك المحادثات.
المصادر لفتت إلى أن أجواء تلك الاجتماعات وُصفت بـ"الطيبة والإيجابية"، وقد بدأت بوجود عدد كبير من المصورين الصحفيين لالتقاط الصور قبل أن يتم إخلاء القاعة لاحقاً من الجميع باستثناء الوفدين والمترجمين.
وفقاً للمصادر، تركز الحديث بين الجانبين بشكل رئيسي على أهمية المفاوضات الجارية، وقام كل وفد بطرح رؤيته لآلية تطبيع العلاقات، والشروط التي يطلبها من الطرف الآخر والتنازلات التي يمكن تقديمها.
وجرت هذه "المُباحثات الاستكشافية" بين وفدي مصر وتركيا، برئاسة نائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا، ونظيره التركي السفير سادات أونال، بالإضافة إلى حضور 5 أشخاص من الخارجية المصرية، و4 أشخاص من الجانب التركي.
عودة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل
فيما تحدث في بداية اجتماع يوم الأربعاء 5 مايو/أيار الجاري، السفير حمدي لوزا لمدة 20 دقيقة تقريباً، وقد شرح فيها طلبات مصر لتطبيع العلاقات مع تركيا، وعودة السفارات والعلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، متعهداً بأن يبذل الجانب المصري أقصى جهوده، لكي تنتهي عملية التفاوض بنجاح، وفقاً لتصريحات المصادر المطلعة.
كان من بين الطلبات التي طرحها الوفد المصري تسليم بعض من وصفهم بالمتهمين في قضايا الإرهاب في مصر، وتمت تسمية أشخاص بعينهم خلال تلك المباحثات، ووقف وسائل إعلام المعارضة المصرية، التي تبث من الأراضي التركية، وملفات أخرى، طبقاً لما أوردته المصادر.
في حين تطرق نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال إلى أهمية المفاوضات بين البلدين، مشيراً إلى أن بلاده حريصة على عودة العلاقات الطبيعية مع مصر، لكنها لا تستطيع تسليم أحد من المعارضة المصرية في تركيا.
ملف المعارضة المصرية
أيضاً كشفت المصادر عن أن الوفد التركي أبدى استعداد بلاده لـ"لعب دور تفاوضي بين النظام المصري والمعارضة الخارجية بصورة أو بأخرى، بما يضمن استعادة الوضع السياسي المستقر في مصر، وتخفيف حدة الانتقادات الحقوقية الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان الموجّهة للقاهرة، إلا أن الوفد التركي لم يتلق تعهدات مصرية في هذا الصدد، باعتبار أن الوفد المصري هو وفد فني وليست له صلاحيات الموافقة على قرارات سياسية أو استراتيجية".
المصادر ذاتها أوضحت أن "الوفد المصري وعد بإدراج احتمالية قيام تركيا بوساطة ما بين النظام والمعارضة ضمن الاجتماعات الوزارية التي سيتم اعتمادها خلال الجولة الثانية التي ستحدث بعد الجولة التشاورية الاستكشافية"، لافتة إلى أن "هناك مساعي في تلك المفاوضات لتحويل ملف المعارضة المصرية من ملف خلافي إلى ملف توافقي يساهم في تحسين الأوضاع المصرية الداخلية، وتطبيع العلاقات بين مصر وتركيا وقطر التي قد تبذل جهوداً أيضا في هذا الشأن".
وتابعت: "بخصوص ما طُرح في ملف التعاون في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني بين مصر وتركيا، تم التأكيد على عدم مخالفة القوانين التركية أو المصرية بهذا الخصوص"، منوهة إلى أن "الوفد التركي رفض فكرة تسليم المعارضين المطلوبين للجهات المصرية، استناداً إلى أن هذا الأمر يخالف القوانين التركية المحلية، فضلاً عن الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تلتزم بها أنقرة وصادقت عليها سابقاً، وبالتالي فلا يمكن للحكومة التركية القيام بذلك خلال المرحلة الحالية أو المقبلة، خاصة أن إقامة هؤلاء المعارضين في تركيا شرعية وقانونية، وبالتالي باتت لهم حقوق وعليهم واجبات في ضوء القوانين التركية".
وأشارت المصادر إلى أن الوفد التركي تحدث عن أن "المعارضة المصرية متواجدة في الكثير من دول العالم، وليست تركيا فقط، وأن مصر لديها علاقات جيدة مع هذه الدول"، منوهة إلى أن "مصر بها عدد من المعارضين الأتراك، وبعض هؤلاء شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في 15 يوليو/تموز 2016".
وسائل إعلام المعارضة المصرية
أما رداً على مطلب إغلاق وسائل إعلام المعارضة المصرية التي تبث من إسطنبول، أوضحت المصادر أن "أونال ذكر أن تركيا ضغطت على وسائل إعلام المعارضة لعدم توجيه إساءات للدولة المصرية، لكنه لم يعط الجانب المصري أي وعود بشأن مطالبه، إلا أنه أكد على أن تركيا لن تقبل الإساءة لمصر من أراضيها، وأن أنقرة سبق أن طالبت وسائل الإعلام المصرية المعارضة بالالتزام بميثاق الشرف الإعلامي".
إلى ذلك، نوّهت المصادر إلى أن "اجتماعات اليوم الأول اقتصرت على عرض الرؤى والتصورات والمطالب بشكل عام دون الخوض في التفاصيل"، مشيرة إلى أن "الجانبين اتفقا على استمرار الاجتماعات مرتين أو ربما ثلاث مرات كل شهر، في مصر وتركيا وربما تكون في دولة ثالثة".
قضايا إقليمية
كما لفتت المصادر إلى أن اجتماع يوم الخميس 6 مايو/أيار الجاري كان أطول وأوسع من اجتماع يوم الأربعاء، وقد ركّز على مناقشة الدورين المصري والتركي في القضايا الإقليمية، وخاصة تطورات الأوضاع في ليبيا وسوريا.
وذكرت أن "وفد الخارجية المصرية قال إن الدولة التركية لم تقم بسحب قواتها ومَن وصفهم بالقوات غير الشرعية من ليبيا، مطالباً أنقرة بضرورة فعل ذلك كخطوة مهمة قبل الاستمرار في المفاوضات حتى نهايتها".
فضلاً عن ذلك، تناول الوفد المصري بعض قضاياه الخلافية مع تركيا في الملف السوري، والتي كان من بينها علاقة تركيا بـ"هيئة تحرير الشام" وبعض التنظيمات الأخرى مثل جماعة الإخوان في سوريا التي طالب بإيقاف الدعم التركي لها، على حد زعمه.
إلا أن الجانب التركي شدّد على أن علاقة أنقرة مع الأطراف السورية ليست مبنية على الجانب الأيديولوجي على الإطلاق، وإنما هي جزء من اهتمام تركيا بكافة القوى الناشطة في الملف السوري.
تطبيع كامل قبل نهاية العام الجاري
كما كشفت المصادر أن المُباحثات الاستكشافية انتهت بالاتفاق على التعهد باستمرار المفاوضات، حتى الوصول إلى تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين قبل نهاية العام الجاري.
في حين وافق الجانب التركي على المقترح المصري بتشكيل لجنة ثنائية مصرية تركية، خاصة بالملف السوري، على أن تتولى هذه اللجنة تنسيق آلية العمل المشترك في الملف السوري على الصعيد الأمني والسياسي في المستويات المختلفة.
استعادة الوحدة مع شعب مصر
كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد صرّح، الجمعة، بأن بلاده تسعى لاستعادة "الوحدة ذات الجذور التاريخية" مع شعب مصر، مشيراً إلى بدء مرحلة جديدة في العلاقات مع مصر في الوقت الراهن.
جاء ذلك في تصريحات صحفية عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، حيث تطرق إلى جهود تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر.
أردوغان أكد وجود نظرة إيجابية للغاية لدى تركيا تجاه الشعب المصري، وذلك رداً على سؤال حول المحادثات الاستكشافية بين البلدين التي استضافتها القاهرة مؤخراً، على مستوى نائبي وزيري خارجية البلدين، لافتاً إلى أن "التواصل بين الجانبين بدأ عن طريق جهازي الاستخبارات، ومن ثم أجريت محادثات على صعيد وزراتي الخارجية"، مؤكداً أن "المحادثات ستتواصل، وسيتم تطويرها وتوسيعها".
مواصلة اللقاءات بين الجانبين
من جهته، ذكر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أن اللقاءات مع مصر ستستمر في الفترة المقبلة حول الخطوات التي سيتم اتخاذها لتطبيع العلاقات، موضحاً أن لقاء الوفدين التركي والمصري في القاهرة، جاء بناء على دعوة الجانب المصري، وأنه يعد بمثابة لقاء استكشافي.
وأشار أوغلو، في تصريحات لشبكة التلفزيون التركي، إلى أن اللقاء جرى في أجواء إيجابية، تم خلاله تناول ما يمكن فعله في سبيل تحسين العلاقات بين الجانبين، مؤكداً أن الوفدين تناولا أيضاً قضايا إقليمية تهم البلدين، مثل سوريا، وليبيا، والعراق، وشرقي المتوسط.
المسؤول التركي شدّد على أن تحسين العلاقات بين البلدين سيعود بفائدة كبيرة على الجانبين، موضحاً أن الطرفين سيقيّمان اللقاءات التي جرت على مدى يومين، ومن ثم سيتم الاتفاق على الخطوات التي يمكن اتخاذها في الأيام القادمة.