عندما تستيقظ نادراً ما تتساءل من أنا؟ لكن هذا الوضع لا يبقى طويلاً ماضيك أو بعضاً منه، وعادةً ما تتمكن من إخبارنا بما إذا كان هذا هو أنت أم شخصاً آخر هو الذي تتذكر أفعاله. كنا نقرأ في بعض القصص الأسطورية أو الخيالية الخرافية أن الأمير كان يتحول إلى ضفدع أو إلى حجر ثم يعود مرة أخرى إلى حالته الأصلية.. لكن بالتأكيد هذا لا يعني أن من الممكن لشخص أو أمير أن يتحول لمخلوق آخر حيواني أو جماد. فالإنسانية تستلزم عدم وجود أي تغيير أو تحّول في الشكل الخارجي للبشر.
لذلك علينا أن نكون حذرين ومنطقيين دون وجود أي تعارض بين ما يمكن أن نتصوره أو نتخيله أو نحلم به. لأن من المنطقي (أنا أظل هو أنا). لأننا بحاجة إلى تصّور وتواصل تلك الذّكريات واستمرارها كما لو كانت خيوطاً متداخلة في حبل.. ولكي نفهم أهمية تلك الذّكريات وما تفعله بمشاعرنا حين تُستدعى من داخلنا الباطني ليس بوصفنا مشاهدين لها.. بل الاحتفاظ بها لأن ما أتذكره هو ما يجعل أنا هو أنا إلا إذا دخل ذلك الأمير المسكين في مرحلة معينة من فقدان الذات والذاكرة وأصابه اضطراب ثنائي القطب في شخصيته.
هنا لم يعد يعرف نفسه من هو ولم يعد قادراً تماماً على التذكر.. حتى فقد قدرته على الكلام.. وهنا أميل إلى الإصرار على أن الأمير الحقيقي لم يعُد موجوداً معنا حتى شكله الخارجي تغيّر بالنسبة له.. فكيف لنا سيبدو؟ كيف يكون شعوره عندما وجد نفسه داخل جسد مختلف ويحمل في عقله ذكريات وأفكاراً لا تتفق مع هذا التحّول الرهيب؟! ذلك ما غفل عنه كاتب الأمير المتحول. تحول الأمير وضعه في محيط غير عادي وحوله أشياء غير معتادة بالنسبة له.. أيضاً كاتب قصة الأمير لم يدخل في تلك التّفاصيل لكن ألن يسأل الأمير نفسه أين أنا؟.. ماذا لو اتخذنا للقصة منحى لو أصبح للأمير نسخة طبق الأصل آخر؟
وعندما تقترب منه تلك النسخة تكون له نسخة تحسباً لأن يحدث له مكروه من المطابقة ويشعرا بالارتباك أمام بعضهما حينما يقولان أنا.. أعتقد أن كلاً منهما سيدّعي بأنه الأصل.. ولن ينتهي بي، سينشأ بينهما صراعان كبيرا الأصل والنسخة. لكن في النهاية من سيبقى؟ لكن النّسخة تكون محسنة وأفضل وتثبت أنها الأصل للأصل، قد نعطي مجالاً بفضل التّحديثات المستمرة التي تمكنها من التّجديد التلقائي لكن في نهاية المطاف يجب البقاء لوحده.
في ظل هذا التّطور أجد في ذلك فكرة عظيمة لفيلم سينمائي عجيب وغريب.. وفي ظل تلك التّحولات اللامنطقية التي بدأ يمارسها أطباء الغرب، في قصص الخيال لتكون هناك عندما نناقش فكرة ذلك التّحول الذي حدث للأمير قديماً نسخة مطابقة لنفس الشخص وشخصيته بكل سماتها وصفاتها وخصائصها.. لنناقش من خلال تلك النسخة المطابقة للعبث بالإنسانية ومفهومها البشري. وكيف سيكون المستقبل للأصل ونسختها وكل منهما يدعي أنه الأصل؟ ربما تظل الأنا كما أنا في جسدين متشابهين لكن ما المعنى الذي سنحصل عليه فيما بعد.. لأن النسخة ستختلف بوجهات نظرها عن الأصل نتيجة التّحديثات وهنا يدخلان.. ستبقى مرحلة الاختلاف الكلي في الأفكار نتيجة التّحديث والتّطور معاً محدودة الإمكانيات العقلية والجسدية والنفسية: هل هذا هو أنا؟
لدرجة ستقف أمام نسختك مذهولاً متسائلاً، حينها سيكون الأصل والنسخة منفصلين عن بعضهما، فالأصل يعي كل ذكرياته وأفكاره التي تبنّاها وسوف يعاني الآلام النّفسية طوال حياته.. والنسخة ستستمتع بكل ما يحلو لها من رغبات. أم سعيد؟ هل سيكون للنسخة عنك مستقبل؟ وإن كان لها هل سيكون مؤلماً؟ يا لتعاسة الأصل عندما يعود لماضيه ليرى نفسه كيف كان بالأمس البعيد! ويا لسوء حاضره الذي بدأ يضمحل فيه أمام نسخته المطورة. في هذا الكون أين أنا؟ لنسمع صراخه مدوياً في الوقت الحالي، يجب ألا يساورك الشك في أنك أنت الأصل من يقرأ هذه الكلمات. وأنت من يضع خطط مستقبله.. وأنت من يوجد في الحاضر وستستمر وحدك في مستقبلك هو أنت كما أنت الآن. لكن ما الذي يجعلك نفس الشخص كالذي ستكون عليه في المستقبل؟ كنفس الشخص الذي كان في الماضي؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.