أثارت التحركات العسكرية الإماراتية قرب الحدود الليبية المصرية تساؤلات حول أهداف أبوظبي من نقلها معدات دفاعية ومركبات عسكرية إلى قاعدة سيدي براني قرب الحدود الليبية، وعن الوجود الإماراتي في ليبيا بشكل عام.
لكن على ما يبدو أن أبوظبي تتجه لتقليل دعمها إلى حفتر، في ظل وجود مجلس رئاسي جديد، تمثل الدعم الإماراتي لخليفة حفتر طيلة السنوات الماضية إلى نوعين دعم عسكري ودعم استخباراتي
تمثل الدعم العسكري الإماراتي بالتكفل بشراء الأسلحة بكل أصنافها من خفيفة إلى متوسطة وثقيلة إلى طائرات مسيرة، إضافة إلى توقيع عقود مع شركات أمنية كشركتي "بلاك ووتر" و"فاغنر" وغيرهما من الشركات، وكان للإمارات طيلة تلك الفترة غرفة عمليات عسكرية واستخباراتية مقرّها قاعدة الخادم شرق ليبيا.
بحسب مصدر عسكري تابع للقيادة العامة شرق ليبيا فإن البعثة العسكرية الإماراتية التي كانت قاعدة الخادم شرق ليبيا، انتقلت إلى قاعدة بنينا العسكرية وتسلمت "فاغنر" المهمة بدلاً منها بعد انتخاب المجلس الرئاسي الليبي الجديد دون أسباب واضحة، لكن مؤشرات عديدة تفيد بتضاؤل الدور العسكري الإماراتي في ليبيا منذ بداية يناير/كانون الثاني 2021.
تراجع الدور العسكري الإماراتي، فلم تعد الإمارات ترسل شحنات الأسلحة عبر مطارات إريتريا وأبوظبي كما كان يحدث في السابق، كما أنها لم تعد ترسل مرتزقة للمنطقة الشرقية سواء من تشاد أو السودان أو المرتزقة الروس، بدا أن البعثة العسكرية الإماراتية المتواجدة الآن بالمنطقة الشرقية قد اتخذت من قاعدة بنينا ومقر القيادة العامة في الرجمة مقراً لها واقتصر دورها على العمل الاستخباراتي وتوفير المعلومات العسكرية والمخابراتية لخليفة حفتر.
وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد أكد "دعمه" للسلطة الليبية الجديدة، وبحث معه "الجهود المبذولة لقيادة المرحلة الانتقالية"، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الحكومية.
هل رضخت الإمارات لطلب مجلس الأمن؟
وكانت الولايات المتحدة قد طالبت في كانون الثاني/يناير الماضي مجلس الأمن الدولي الأطراف الخارجية، بما في ذلك الإمارات وروسيا وتركيا، "باحترام السيادة الليبية وإنهاء جميع التدخلات العسكرية في ليبيا فوراً"، وتُعتبر الإمارات لاعباً رئيسياً في الساحة الليبية وأحد أبرز داعمي القائد النافذ في شرق البلاد المشير خليفة حفتر.
الدعم العسكري المصري أيضاً شهد تحولاً إيجابياً بشكل نسبي في الملف الليبي، تحولات تقف خلفها العديد من الدوافع الداخلية الليبية العسكرية والسياسية من جهة، والتحولات في المشهدين الإقليمي والدولي.
من جهة ثانية تؤكد مصر، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، استمرار بذل مساعيها لتحريك مختلف مسارات الملف الليبي وصولاً إلى تسوية سياسية شاملة تحفظ وحدة ليبيا، وتضمن خروج المرتزقة والمُقاتلين الأجانب، فيما أطلع المبعوثُ الأممي الوزيرَ شكري على نتائج اتصالاته الأخيرة مع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية.
رغم أن الدور المصري ما زال مقتصراً على العمل المخابراتي بالمنطقة الشرقية، تتخذ المخابرات الحربية والمخابرات العامة المصرية من قاعدة بنينا شرق مدينة بنغازي مقراً لها، ويقتصر عملها على توفير المعلومات المخابراتية حول حركات التمرد والاجتماعات التي قد يكون من شأنها خلق توتر في المنطقة الشرقية.
مصر أيضاً على خط التغيير
ويرى المحلل السياسي عمر التهامي أن احتضان مصر لأحد مسارات التسوية السياسية الليبية ساهم في إحداث نقلة نوعية في موقف نظام السيسي من المشهد الليبي من خلال انفتاح القاهرة على جميع الأطراف الليبية، بحيث لم يكن التحرك كالمعتاد تجاه المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها خليفة حفتر فقط، بل جاءت التحركات نحو الشرق والغرب والجنوب أيضاً.
وتبلور هذا من خلال زيارة وفد للحكومة المصرية، يضم مسؤولين من وزارة الخارجية والمخابرات العامة، للغرب الليبي، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ عام 2014؛ هذه المدة التي شهدت قطيعة بين نظام السيسي وحكومة الوفاق على إثر دعم الأول لخليفة حفتر سياسياً وعسكرياً.
وقد أجمع مراقبون على أن الزيارة تحمل دلالات هامة، إذ تأتي في وقت ترفض فيه القاهرة الدخول في دوامة الحرب تفادياً لتكرار العملية التي أطلقها حفتر في أبريل/نيسان 2019، وذلك بعد أيام من إطلاقه تصريحات تلوح بالعودة إلى الحرب.
وتابع التهامي قائلاً: إن الواقع الميداني والسياسي منذ دحر قوات حفتر من على أسوار طرابلس فرض نهجاً جديداً في التوجه المصري في ليبيا، خصوصاً أن القاهرة كانت رافضة لحرب طرابلس لأنها أربكت حسابات السيسي في ليبيا، على الرغم أنه في الأخير رضخ لسياسة الأمر الواقع نتيجة الضغوط الإماراتية التي دعمت بشكل كبير حفتر في هذه الحرب
عملية عسكرية ضد فاغنر جنوب ليبيا
وفي حين تقلل أبوظبي ومصر من تواجدهما في ليبيا، فإن فاغنر تواصل تحصين مواقعها وحفر خندق يمتد من منطقة الجفرة جنوباً إلى مدينة سرت شمالاً في المنطقة الوسطى للبلاد، وهذه التحصينات وتعزيز مرتزقة فاغنر بأسلحة روسية ثقيلة من قبيل مقاتلات ميغ 29 وسوخوي 24، ودبابات ومدرعات وصواريخ مضادة للطيران. وهو ما يؤكد أن روسيا لا تنوي المغادرة قريباً من ليبيا.
تقول مصادر بالجيش الليبي في طرابلس لـ"عربي بوست" إن جزءاً من المرتزقة قام خليفة حفتر بسحبهم من قاعدة الجفرة إلى مدينة بنغازي، حيث وفرت لهم مقرات بضواحي المدينة كقوة عسكرية يحتمل أن يستخدمها حفتر في عمليات قمع أي تمرد قد يحدث بمدينة بنغازي.
وأن الجيش الليبي ينتظر تعليمات القائد الأعلى للجيش الليبي والمتمثل في المجلس الرئاسي مجتمعاً بعد حصوله على تقرير مفصّل حول المشاورات التي يجريها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.
وأن مطالبة لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، التي تضم 5 ممثلين عن حفتر، برحيل المرتزقة، لم يلقَ أي صدى لدى فاغنر، التي تضم 2000 عنصر في ليبيا، بالإضافة إلى مرتزقة سوريين يخضعون مباشرة لأوامر قادتها، ناهيك عن المرتزقة الأفارقة الذين أصبحوا موالين لها.
وقال الناطق باسم غرفة العمليات المشتركة سرت ـ الجفرة التابعة لأركان حكومة الوحدة الوطنية العميد عبدالهادي دراه في تصريحات صحفية "إن حفتر مستمر بجلب المرتزقة والقوات ونقلها من مدينة لأخرى من سرت – الجفرة ومن الجفرة لبنغازي، علاوةً على الرحلات التي تأتي من اللاذقية في سوريا لبنغازي ومن ثم سرت".
واتهم العميد دراه ميليشيات الكرامة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار وجلب المرتزقة باستمرار، معتبراً أن الوضع بصفة عامة داخل المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة مأساوي في ظل نقص الوقود وأوضاع الحياة المعيشية الصعبة، حسب زعمه.
الدبيبة يطالب روسيا بسحب مرتزقة فاغنر من ليبيا
أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، خلال مباحثات مع رئيس وزراء روسيا ميخائيل ميشوستين، ضرورة خروج كافة المرتزقة من الأراضي الليبية، وطلب من الجانب الروسي الضغط على شركة فاغنر في هذا الأمر.
ووفق بيان لمكتب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الإعلامي، فقد أكد الجانبان العمل لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والنقل والزراعة، وشدد ميشوستين على دعم روسيا الاستقرار وسيادة ليبيا ووحدة أراضيها.
"الدفاع" البريطانية تدعو إلى مواجهة مرتزقة "فاغنر" في ليبيا
كشفت صحيفة تلغراف البريطانية أن صوراً استخباراتية أظهرت أن روسيا زوّدت مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة بدبابات لشن حرب سرية شبه عسكرية في ليبيا، وفق تعبيرها.
ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع البريطاني بن والاس قوله إنه يتوجب على بريطانيا مواجهة مجموعة فاغنر، خاصة بعدما أظهرت قدرتها على تغيير الحرب الحديثة بسرعة، وأشارت إلى أن تصريحات والاس تأتي بعد رفع السرية عن الصور الاستخباراتية عن نشاط هؤلاء المرتزقة في ليبيا ما يشير إلى أنهم جزء من جيش الكرملين، على حد تعبيرها.
وقالت "تلغراف" إن فاغنر تستخدم بشكل لا يمكن إنكاره لاستعراض القوة العسكرية لموسكو من خلال دعم الأنظمة الضعيفة أو غير الشرعية، غالباً بدعم عسكري مباشر من الجيش الروسي، فيما حذر مسؤولون بريطانيون من استخدام مثل هذه القوات غير المنظمة، وأكدوا أن المملكة المتحدة وحلفاء آخرون يحتاجون إلى الاستعداد لتحدي هؤلاء المرتزقة.
مفاوضات سياسية وعسكرية لسحب فاغنر من ليبيا
قال المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة إن هناك مفاوضات سياسية وعسكرية لسحب المرتزقة التابعين لشركة فاغنر الروسية من البلاد، وإنه لا يمكن القول إن هؤلاء مرتزقة بل مقاتلون يعملون في شركة عسكرية خاصة، وهم ليسوا كثراً وعددهم يتجاوز الألف، وفق تعبيره، وقال إنه إذا حصل المرتزقة الآخرون من إفريقيا جنوب الصحراء الذين عملوا في معسكر حفتر على رواتب أقل بكثير من الآخرين، فإن وضعهم سيكون أكثر تعقيداً؛ لأنهم كانوا بالفعل موجودين في ليبيا في عهد القذافي ولا ينوون المغادرة.
وأشار سلامة إلى فرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى بالغت في تقدير تأثيرها على ليبيا، وقال بينما كان إيمانويل ماكرون وماتيو سالفيني يسعون إلى أن تكون لهم كلمتهم في الملف الليبي، كان للمرتزقة رأيهم على الأرض، وفق تعبيره، وأضاف أن هناك وقتاً تعتقد فيه الدول أن بإمكانها أن يكون لها تأثير كبير، خاصة عندما تكون الأمم المتحدة على الهامش.